يعيش الإنسان في مرحلة الشباب فترة ثوران الشهوات والغرائز، وفي مواجهتها يجب بناء الإرادة وتقويتها، فهي من الأساليب والوسائل الوقائية التي تحمي الإنسان من الوقوع في الأخطاء والموبقات والمحرمات.
ويحدثنا القرآن الكريم في سورة يوسف عن دور الإرادة وقوة الإيمان في مواجهة طغيان الشهوات وضغوط الإغراءات، فيوسف الشاب الذي كان يعيش في قصر الملك، وإذا بسيدة القصر امرأة العزيز تراوده عن نفسه، في جو مساعد على فعل الفاحشة، فيوسف في عنفوان شبابه، وامرأة العزيز امرأة جميلة ومتزينة بأحلى ما لديها من ألبسة وحلي، تريد منه أن يمارس معها الفاحشة، وأجواء القصر بكل ما فيه يساعد على مضاعفة هيجان الشهوة، يقول تعالى: ﴿وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ ﴾ لكن نبي الله يوسف ( عليه السلام ) رفض ذلك بقوة: ﴿ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ﴾ ولولا أن يوسف رأى برهان ربه لهمّ بها كما همت﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ﴾
وتتجلى إرادة يوسف مرة أخرى عندما أصرت امرأة العزيز على فعل الفاحشة أو السجن، وهو اختيار صعب أمام أي شاب، ﴿قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِّنَ الصَّاغِرِينَ ﴾ لكن يوسف اختار السجن وعذابه على لذة الشهوة المحرمة، ﴿قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ ﴾ .
ويتعرض يوسف وهو الشاب الذي عرف بروعة جماله وكماله مرة ثانية لامتحان عسير، حيث يتعرف عليه مجموعة من النساء ﴿وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ * فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّيناً وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا هَـذَا بَشَراً إِنْ هَـذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ﴾ إذن عاش يوسف في هذه اللحظات في جو مشحون من الإثارة الشهوانية، فكل شيء يدعو لفعل الفاحشة مع نساء جميلات، إنه الامتحان الصعب الذي اجتازه يوسف بإرادة قوية، وعزيمة لا تلين، فارتفع وسما، وانتصر على كل المغريات.
وفي هذه القصة يحدثنا القرآن الكريم عن دروس بليغة، أهمها إن الشاب بقوة إرادته يستطيع الانتصار على كل المغريات والشهوات، وفي هذا العصر، عصر الإعلام الفاضح، عصر الإثارة لكل شيء شهواني، عصر المغريات والإغراءات الداعية لارتكاب الفواحش والموبقات، يمكن للشباب مواجهتها بقوة الإرادة النابعة من صلابة الإيمان.
وترسم لنا سورة يوسف القيم الإيجابية التي اتصف بها نبي الله يوسف ( عليه السلام ) لتكون قدوة لكل شاب في كل زمان ومكان، وهذه القيم الإيجابية التي يرسمها لنا القرآن هي:
1- الصبر والثبات والصمود في مواجهة الغرائز والشهوات ﴿قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ﴾ .
2- قيمة الدعوة إلى الله في داخل السجن ﴿يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ﴾ .
3- الطموح والثقة بالنفس ﴿قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ﴾ فيوسف كان طموحه أن يكون وزير المالية بتعبير هذا العصر، وهذا ما تحقق له، وكان هدفه نصرة الحق ونشر الخير.
4- البر والإحسان إلى الوالدين ﴿وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّداً﴾ .
5- الصفح عن إخوانه الذين أساءوا إليه، والتسامح معهم ﴿قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ .
هذه مجموعة من القيم الإيجابية التي جسدها يوسف ( عليه السلام ) في حياته الشبابية، من جهة أخرى يتحدث لنا القرآن الكريم في مقابل ذلك عن السلوكيات السلبية التي تمثلت في سلوك إخوة يوسف، وهي:
1-الحسد، بقول تعالى:﴿لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ للسائلين * إذ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ﴾ .
2- التفكير في القتل والتخلص من يوسف: ﴿اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِين * قَالَ قَآئِلٌ مَّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ﴾ .
3- الكذب، يقول تعالى: ﴿قَالُواْ يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ ﴾ .
وعندما يصور لنا القرآن الكريم سلوك أخوة يوسف الخاطئ ، والقيم السلبية التي كانوا يحملونها، فإنما من أجل أن يبتعد الشباب في كل زمان ومكان عن هذه القيم السلبية الخاطئة التي تدمر حياة الشباب ومستقبلهم.
إن سورة يوسف وهي تركز على القيم الإيجابية والسلبية فإنها تريد أن ترسم صورة لما يحب أن يكون عليه الشباب دائماً، وهي قيم الحق والفضيلة والخير، والابتعاد عن سلوكيات الكذب والحقد والحسد، والتفكير في ارتكاب الجرائم والموبقات.