قال الباحث الإسلامي الشيخ عبدالله أحمد اليوسف إن عدداً كبيراً من الشباب في العالمين العربي والإسلامي قد أخذ يتجه ومنذ حقبة الثمانينات من القرن العشرين إلى الدين،موضحاً أن الصحوة الإسلامية في المجتمعات الإسلامية يشكل الشباب فيها النسبة الغالبية. وقال إنه بالرغم مما نراه أحياناً من مظاهر وسلوكيات لا تتفق مع تعاليم الدين لدى بعض الشباب إلا أن أمر القناعة الذاتية في ضمير وقلب كل شاب هو باتجاه الدين، وهنا نص الحوار:
*في نظركم.. إلى أين يتجه الجيل الشاب؟ وما هي الصورة التي ترسمونها له؟
- في نظري أن عدداً كبيراً من الشباب في العالمين العربي والإسلامي قد أخذ يتجه ومنذ حقبة الثمانينات من القرن العشرين إلى الدين، فالصحوة الإسلامية في المجتمعات الإسلامية يشكل الشباب فيها النسبة الغالبة. والسبب يعود إلى تنامي الوعي الديني لدى الشباب، وتطور الخطاب الديني، وسقوط الشيوعية، وفشل العلمانية في تلبية تطلعات الشباب... إلى غير ذلك من عومل وأسباب؛ لكن يبقى العامل المهم هو قناعة الشباب بالدين. وبالرغم مما نراه أحياناً من مظاهر وسلوكيات لا تتفق مع تعاليم الدين لدى بعض الشباب إلا أن أمر القناعة الذاتية في ضمير وقلب كل شاب هو باتجاه الدين، وحب القيم الدينية، والافتخار بالانتماء إلى الدين وليس إلى غيره.
فرض قيم وسلوكيات معينة على الأولاد من قبل الوالدين شيء غير ممكن من الناحية الواقعية
ولكن هذا لا يعني عدم وجود توجهات أخرى لدى بعض الشباب، إذ توجد توجهات عديدة ، وقد تختلف التوجهات من مجتمع إلى آخر، ومن مكان إلى آخر، إلا أن الإطار العام لتوجهات جيل الشباب هو التوجه إلى الدين.
أما الصورة التي يمكن أن أرسمها للشباب فيبدو لي أنها تتشكل من عدة زوايا:فمن الزاوية الأولى: نجد انتشار التعليم عند الشباب، وتنامي الوعي لديهم، وازدياد الطموحات والتطلعات عندهم. ومن الزاوية الثانية: نرى هموم الحياة تسيطر على الشباب كهم الحصول على مقعد في الجامعة، وهم الحصول على وظيفة كريمة، وهم تأمين مسكن لائق... إلخ. ومن الزاوية الثالثة: يشعر كثير من الشباب في المجتمعات المسلمة بالإحباط والقلق واليأس والتذمر من الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. ومن الزاوية الرابعة: يرغب الشباب في التجديد والتغيير في كل شيء إلا أن القدرة على تحقيق ذلك غير ممكن من الناحية العلمية في كثير من الأحيان. وهذا هو الفاصل الدقيق بين الواقع المعاش والطموح الذي يتطلع إليه الشباب؛ فتطلعات الشباب وطموحاتهم كبيرة وكثيرة، في حين أن الواقع لا يتماشى في كثير من الأحيان مع تلك التطلعات مما يؤدي بالشباب إلى الإحباط واليأس وربما التوجه نحو العنف، وهو ما يجب أن ينتبه إليه القادة والزعماء.
ومن ثم، فالمطلوب من القادة والزعماء العمل على تلبية حاجات الشباب، وإفساح المجال لهم للعطاء والإبداع والإنتاج، وفتح المجال لمزيد من الفرص للمشاركة في صنع القرار فيما يرتبط بالقضايا العامة، وتفعيل دورهم بما يعود بالنفع عليهم وعلى المجتمع والأمة.
وأعتقد أنه بتجميع هذه الزوايا الأربع آنفة الذكر يمكن لنا أن نرسم صورة واضحة لجيل الشباب في وقتنا المعاصر.
*ما هي الأسباب الكامنة وراء تغير نمط حياة الشباب، فنحن نشهد تغيراً واضحاً وملموساً على صعيد هذا الجيل؛ يتمثل في قبولهم لسلوكيات غريبة -بل حتى محرمة- عن ديننا وتقاليدنا ؟
- مما لاشك فيه أن للإعلام دوراً مؤثراً وفاعلاً في توجيه الرأي العام، وخلق أنماط سلوكية جديدة، والتبشير بثقافة جديدة.
وشريحة الشباب من أكثر الشرائح العُمرية تأثراً بالإعلام حيث يقضي الشباب كثيراً من أوقاتهم في مشاهدة التلفاز، والتنقل من قناة إلى أخرى، ومن الثابت علمياً أن الشباب وغيرهم يتأثرون بما يشاهدونه سواء كان ذلك بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
أما الأسباب التي تجعل الشباب يتأثرون بالإعلام فهي كثيرة، ومنها القابلية للتغير، فالشباب يرغبون دائماً في التجديد والتغيير، ولديهم القابلية لذلك. كما أن المتأخر من الناحية المدنية والحضارية ينبهر-غالباً- بالمتقدم من الناحية الصناعية والعلمية والتكنولوجية، كما أن لانعدام التربية السليمة، وضعف الإيمان، وانخفاض مستوى الثقافة، وتدني الوعي السياسي، والبحث عن الترفيه والتسلية...كلها أسباب تسهم في التأثر بالإعلام الفاسد.
وتزداد خطورة تأثير وسائل الإعلام الحديثة، إذا علمنا أننا كمسلمين مازلنا مستهلكين ولسنا منتجين، ومتأثرين ولسنا مؤثرين، فأغلب المادة الإعلامية، تصدرها الدول الغربية الكبرى إلى كل العالم، كما أن أغلب البرامج الإعلامية، تغلب عليها برامج الترفيه والتسلية، وهذه البرامج تشمل-فيما تشمل- الأفلام الرديئة، والأغاني الهابطة، ونشر ثقافة الإباحية والتحلل الأخلاقي... وهذا كله يمثل خطورة كبيرة على قيمنا ومبادئنا وأخلاقنا.
وأعتقد جازماً أنه لا يمكن مواجهة ثقافة الصورة إلا بنفس الأسلوب، مع الاختلاف طبعاً في المحتوى والمضمون. وبعبارة أخرى: من المهم إنشاء قنوات فضائية ملتزمة كي يمكن مواجهة القنوات الفضائية الفاسدة والمفسدة، وبالرغم من وجود بعض المبادرات في هذا الاتجاه إلا أن المسافة لا تزال شاسعة بين الإعلام الملتزم والإعلام غير الملتزم، بل الإعلام الفاسد والمفسد.
أما فيما يتعلق بالأفراد فأفضل طريقة للتعامل مع وسائل الإعلام هو تنمية الوازع الديني بحيث يمنع الشاب نفسه بنفسه من مشاهدة ما لا يجوز له مشاهدته. ومن جهة أخرى ينبغي الاستفادة من الإعلام في أبعاده الإيجابية، كتنمية القدرات الثقافية والعلمية، وقراءة أو استماع أو مشاهدة البرامج الصحية والطبية والاقتصادية والسياسية، كما يمكن الاستفادة من القنوات المتخصصة في المجال التعليمي والعلمي. كما لا مانع شرعاً من مشاهدة برامج الترفيه والتسلية الخالية من الحرام. وهذا يعني أن يكون الإنسان رقيب نفسه، واضعاً نصب عينيه أن الله سبحانه وتعالى يراه وأنه محاسب على كل تصرفاته وسلوكياته.
* هل تحبذون فرض قيم وسلوكيات معينة من قبل سلطة الأبوين؛ ليتم نقلها إلى الجيل الشاب، في ظل هذا الانفتاح الكوني الرهيب؟
- أتصور أن فرض قيم وسلوكيات معينة على الأولاد من قبل الوالدين شيء غير ممكن من الناحية الواقعية؛ لأن الفرض لا يمكن أن يؤدي إلى الالتزام بها، وإنما الذي يخلق الالتزام بأية قيم أو سلوكيات هو القناعة بها، ومن ثم الدفاع عنها وليس فقط الالتزام بها... هذا من جانب، ومن جانب آخر أعتقد أن سلطة الأبوين قد تقلصت إلى حد كبير، فلم يعد لهما تلك السلطة المُهابة كما كان في الماضي، حيث كان للأب بالذات سلطة قوية وربما ممارسة الدكتاتورية على أولاده، أما الآن وبفعل التغيرات الكثيرة في حياتنا المعاصرة فلم يعد للأبوين أية سلطة تذكر.
وأفضل طريقة لتأثير الوالدين على أبنائهم هو أن يكونا قدوة صالحة لهم، فالتربية من خلال الأفعال والسلوك أكثر تأثيراً من الأقوال المجرة من أي مضمون حقيقي. كما أن مسؤولية الوالدين تربية الأولاد منذ الصغر على المثل والقيم والأخلاق الفاضلة، وترشيد توجهاتهم فيما يعود بالنفع عليهم وعلى المجتمع.
فمن المهم للغاية أن يدرك الآباء أهمية الإقناع في التربية وليس الفرض والقسر، وأن يُعطى الأولاد فسحة للتكيف مع متطلبات زمانهم. كما أن من واجب الأولاد تجاه آبائهم الاحترام والإحسان إليهم، والبر بهم، والعطف عليهم، والتأدب معهم في القول والفعل.
-
*باعتبارك باحثاً إسلامياً، نود أن نسألك عن المعالجات التي قدمها الخطاب الإسلامي، لشريحة الشباب، هل هناك معالجات عملية واقعية ملموسة؟
توجد بعض المعالجات لقضايا الشباب في الخطاب الإسلامي، لكنها غير كافية خصوصاً أن قضايا جيل الشباب كثيرة ومتنوعة، وهي بحاجة إلى معالجات نظرية وأخرى عملية، ولابد من الإقرار هنا بأن الخطاب الإسلامي استطاع أن يقدم كثيراً من المعالجات النظرية لشريحة الشباب وقليلاً من المعالجات العلمية، باعتبار أن الثاني يحتاج إلى إمكانات ضخمة، ومع ذلك توجد معالجات عملية في غير مجتمع من المجتمعات المسلمة حسب الإمكانات والظروف الموضوعية لكل مجتمع.
أما من الناحية النظرية فالخطاب الإسلامي ومنذ حقبة الثمانينات من القرن العشرين قَدَّم كثيراً من المعالجات النظرية، والدليل على ذلك هو أنه استطاع استقطاب كثيراً من شريحة الشباب إلى التوجه الديني، مما يعني أن الخطاب الإسلامي استطاع إقناع الشباب بأن الحل موجود في الإسلام وليس في غيره من الإيديولوجيات الأخرى.
لكن هذا لا يعني أنه لا يوجد قصور أو تقصير، فيما ينبغي معالجته من قضايا الشباب، خصوصاً وإن مشكلات الشباب وهمومهم تزداد يوماً بعد آخر، مما يستدعي تقديم معالجات مستمرة للقضايا الجديدة التي تهم جيل الشباب.
عبد الله أحمد اليوسف.
*ولد في قرية حلة محيش في أطراف مدينة القطيف عام 1383هـ/1964م
* باحث إسلامي له عديد من الكتابات والمحاضرات، ومن مؤلفاته المنشورة: (حياة الإمام الهادي)، (الشخصية الناجحة)، (الصعود إلى القمة)، (الشباب.. هموم الحاضر وتطلعات المستقبل)، (فلسفة الفكر الإسلامي)،(الاجتهاد والتجديد).