في محطته الرمضانية الثالثة، حلَّ وفد شبابي يضم نخبة من شباب محافظة القطيف ضيفًا على سماحة الشيخ الدكتور عبد الله أحمد اليوسف في منزله العامر ببلدة الحلة ليلة الأربعاء 14/9/1431هـ الموافق 25/8/2010م . لم تستمر المقدمات طويلاً حتى دخل المشاركون في حوار مع الشيخ اليوسف طالب الدراسات العليا في علوم الشريعة الإسلامية بالحوزة العلمية، والحائز على شهادتي ماجستير، وشهادة دكتوراه "فلسفة في تخصص علم الاجتماع" وبدرجة امتياز عن رسالته الموسومة بـ (العنف الأسري)، وصاحب المؤلفات المتركزة في مجالي الثقافة الإسلامية وقضايا الشباب والتي نافت على الـ 25 حتى الآن.

هذا الحوار لا يوصف إلا بأنه كان "شبابيًا" يلامس واقع الشباب وتطلعاتهم، ويناقش همومهم، ويجيب على تساؤلاتهم الحائرة، ويسهم في صناعة رؤيتهم للحاضر والمستقبل. ولك أيها القارئ ملخصٌ مقتضبٌ لأبرز ما دار في هذا الحوار.

دور الشباب في "ممارسة" التغيير

"لا يوجد تغيير اجتماعي ما لم يكن للشباب دور فاعلٌ فيه". بهذه العبارة ابتدأ اليوسف حديثه حول محورية دور الشباب وعِظَم تأثيرهم في المجتمع وتحولاته، ولم يفته أن يذكر أيضًا بأن التغيير لا يتحقق "بالتنظيرات، بل بما يمكن أن نقوم به بشكل فعلي، ومنه كسب الكفاءات والوصول لمستوى متقدم في مختلف المجالات".

وفي معرض إجابته على أحد الأسئلة، اعتبر الشيخ تصور أن القادة لا بد وأن يكونوا من علماء الدين "تصورًا خاطئًا"، فالساحة تتطلب جهود قادة اجتماعيين وثقافيين، والمجال مفتوح أمامهم.

وبالنسبة لتأثير الشباب، صنفهم اليوسف إلى فئات فمنهم: "من يُؤثِّرون ويتأثرون، ومنهم من يتأثرون ولا يؤثّرون، وهؤلاء يمثلون نسبة كبيرة من الشباب، وربما غالب الناس هم من هذه الفئة". وأضاف إشارة مهمة في هذا الصدد بقوله "نحن بحاجة لأن نغيِّر طريقة تفكيرنا"، فالمجتمعات التي نهضت إنما نهضت لأنه حدث تغيير فيها.

الدين يصنع الحياة

أبدى اليوسف رفضه لفكرة من يعتقد بأن تمسكه بدينه يحول بينه وبين الإنجاز قائلاً بأن "العقيدة هي أكبر محفز للإبداع.. فالدين يدعو للتقدم والمعرفة والابتكار". كما اعتبر أن الإنبهار بالحضارة الغربية "أمرًا طبيعيًا، ولكن المشكلة هي أن يعتقد المنبهر أن الدين هو سبب تخلفه.. فسبب التخلف هو غياب التخطيط، والإرادة السياسية، ومراكز البحث العلمي" وغير ذلك من أسباب التقدم.

وضرب الشيخ بتجربة بعض المراكز الإسلامية في الولايات المتحدة مثالاً حيث أن الكثير من روادها عادوا من رحلة ابتعاثهم للدراسة في الخارج وهم أكثر التزامًا بالتدين.

وفي جانب آخر، أشار إلى ضرورة "أن نُحْسِن عرض أفكارنا"، كما أشار إلى أننا يجب "أن لا نخاف من النقاش والحوار، فالذي يخاف هو من لا يمتلك الدليل والمنطق".

الفجوة بين الأجيال

في إجابته حول الفجوة المتسعة بين الأجيال المختلفة، ذكر اليوسف بأنه كما أن من واجب الأجيال المتقدمة عمريًا أن تتواصل مع ما يليها من الأجيال، فإن "الجيل اللاحق أيضًا يجب أن ينفتح على الجيل السابق ويستفيد من خبراته"، واستدل على هذا المطلب بحديث أمير المؤمنين علي: "في التجارب علمٌ مستحدَث".

كما رأى أن "التدافع بين الأجيال" هو أمر طبيعي، ولكنه استدرك بأنه يجب أن يكون هناك "تواصل إيجابي" في ذات الوقت للخروج بنتيجة إيجابية من هذا التدافع.

وحول آليات كسر الحواجز بين الأجيال، دعى الشيخ اليوسف الشباب "لأن ينفتحوا على مَن حولهم ممن لهم تجارب سابقة من العلماء أو الشباب" أو غيرهم. وأشاد سماحته بالزيارات التي قام بها هذا الوفد الشبابي مؤخرًا معتبرًا إياها إحدى الآليات العملية للتواصل والتفاهم بين الأجيال، إضافة لأهدافها الأخرى.

الحالة الدينية في المنطقة

في تقييمه للحالة الدينية في المنطقة، قال سماحته بأننا "يجب أن نفرق بين مَن هو ضد الدين، وبين مَن هو غير ملتزم بـ ]بعض أحكام[ الدين"، معتبرًا أن غالبية الشباب غير الملتزمين لا يكنون عداءً للدين في حد ذاته، وإنما تنقصهم حالة التدين.

وحول كيفية التعامل مع هؤلاء، قال سماحته: "مع الشباب، يجب أن لا ننطلق من عقلية التحريم" وتصوير أن كل شيء هو حرام وممنوع، فهذا غير صحيح. وأضاف "يجب أن نتعامل مع الشباب برفق، ونبدأ معهم بالتدريج".

التنسيق بين علماء الدين

اعتبر اليوسف أن "المشكلة في القطيف هي أنه لا يوجد عالم دين مقبول من جميع الأطراف" بالرغم من وجود شخصيات علمائية هي محل احترام وتقدير من شرائح اجتماعية واسعة؛ وأشار إلى عدة تجارب بذلت وما زالت تبذل في اتجاه التنسيق بين رجال الدين رغم فشل العديد منها سابقًا. وفي هذا الصدد، قال سماحته أن "أنجح محاولة ]في هذا المجال[ هي مجلس الاستهلال الشرعي بالقطيف والدمام، رغم أنه لم تشارك فيه جميع التوجهات كذلك" وهو أمر طبيعي، فلا يوجد شيء يمكن أن يجتمع عليه جميع البشر، ولا يوجد توجه يستطيع أن يحتوي جميع التوجهات.

وفي ختام هذا المحور، تمنى اليوسف أن تنجح الجهود التي تبذل للتنسيق بين علماء الدين؛ لأنه في النهاية سوف يكون مفيدًا من الناحية العملية في إطار ما يمكن له أن يتحرك وينجز فيه.

شكرًا للشيخ الدكتور عبد الله اليوسف على روحه الشبابية، وانفتاحه على الشباب، واندفاعه في التصدي لقضاياهم. وشكرًا لأخواني المشاركين في هذا اللقاء الحواري الشبابي على حضورهم، واستفساراتهم، وملاحظاتهم، واقتراحاتهم التي أحيت اللقاء وطعَّمته بحيوية كبيرة. وإلى لقاء شبابي قادم بإذنه تعالى.