الشيخ اليوسف: نحن في أمسِّ الحاجة إلى أن نخطط لمستقبلنا
الأستاذ باسم البحراني * - « في ملتقى الإمام الجواد (ع) » - 12 / 11 / 2010م - 7:57 م
بعد أن قُدِّمت عن سماحته نبذةٌ تعريفيةٌ موجزةٌ بدأ بكلمته، والتي كانت بعنوان (التخطيط للمستقبل)، والتي افتتحها بالآية الكريمة: "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوةٍ ومن رباط الخيل..." (الأنفال /60)، بعدها تحدث سماحته وانطلاقاً من هذه الآية المباركة عن التخطيط للمستقبل؛ باعتباره أحد أهم مصاديق القوة في أي فردٍ أو مجتمعٍ ناجحٍ، إذ أن النجاح ما هو إلا ثمرةٌ من ثمار التخطيط الناجح، ومشكلة الكثيرين -وخاصةً الشباب منهم- أنهم لا يخططون لمستقبل حياتهم، مما يجعلهم يعيشون حالةً من الضياع في الرؤية، وغياب الأهداف الواضحة، وبالتالي فإن أمثال هؤلاء لن يصلوا إلا إلى المجهول.
أما من يريد أن يعرف مسبقاً ما سيكون عليه مستقبله، فلا بدّ له من التخطيط لهذا المستقبل، وهنا عرَّف سماحته التخطيط بأنه: رسْمُ تصوّراتٍ للمستقبل في الحاضر، ليعمل بعد ذلك على تحقيق تلك التصورات التي رسمها على أرض الواقع.
وهنا، تساءل سماحته عن الأسباب التي تدفعنا لعدم التفكير في المستقبل، ومن ثم العزوف عن التخطيط له؟
فذكر جملةً من الأسباب، وهي كالتالي:
1) غياب الأهداف والتطلعات الكبيرة
حينما يعيش الإنسان حالةً من غياب الأهداف والتطلعات الواضحة، فإنه بذلك يفتقد الرؤية العميقة التي تسبر أغوار المستقبل، بل إن المستقبل قد يكون غائباً أو مغيّباً عن حياتنا، فهل سأل أحدنا نفسه، ماذا يريد في المستقبل؟! وما هدفه في الحياة؟
نحن وحتى في أبسط شؤوننا العائلية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو الثقافية… يجب أن نضع بين أيدينا أهدافاً واضحةً لكي نسعى من أجل تحقيقها.
2) عدم الشعور بالمسؤولية
المسؤولية هذه الأمانة التي كُلّف الإنسان بتحمّل أعبائها، عندما يحاول هذا الإنسان أن ينسلخ من تبعاتها، بحيث لا يرى نفسه متحمِّلاً لأي مسؤوليةٍ في حياته، فإن ذلك سيدفعه إلى عدم التفكير في المستقبل، أو التخطيط له، وهذا قد يرجع -فيما يرجع إليه- إلى دور التربية والتنشئة التي يتلقاها هذا الفرد أو ذاك، فقد تغرس التربية في الإنسان صفة تحمّل المسؤولية أو العكس، مما يجعله متصفاً بالمبالاة أو اللامبالاة.
فمن أهم العوامل التي تجعلنا نهتم بمستقبلنا، هو تحملنا لمسؤولياتنا الحاضرة أولاً...
3) الجمود والانغلاق
حيث إن بعض الناس ينغلقون على أنفسهم، وهذا من شأنه أن يجعل الإنسان يعيش الإنطوائية، وضيقاً في الرؤية، على خلاف ذلك الإنسان الذي ينفتح على الحياة وآفاقها الرحبة؛ فهذا المنغلق سيكون محدوداً في تفكيره، منطوياً على نفسه، متبلِّد الذهن، مقموع الإبداع والابتكار.
4) عدم الوعي بالمتغيرات
إن عدم الإلمام بمتغيرات العصر، وعدم توفر المعرفة الواعية لمجريات الحياة ومستجداتها بمختلف أشكالها، قد تؤدي إلى غياب التخطيط.
فهذه المتغيرات تخلق أمام الإنسان مجموعةً من التحديات والفرص، فإذا كان مُلمّاً بهذه المتغيرات فإن ذلك سيدفعه إلى متابعة هذه التغيرات، والإعداد لمواجهتها وتحديها، مهما كان حجم هذه المتغيرات.
5) المفاهيم الخاطئة
هناك بعض المفاهيم الخاطئة التي تعمل على توجيه الإنسان إلى القيام بسلوكيات خاطئة، فبعض الناس على سبيل المثال، وبحجة العمل من أجل الآخرة، تجده تاركاً للدنيا ومنزوياً للقيام بأعمال أخروية –كما يعتقد-!! في حين أن الأعمال الدنيوية لا وجود لها في خارطة حياته، وهذا خطأٌ كبير، فالعمل للآخرة ينطلق من الدنيا، والعمل من أجل الدنيا لا يتصادم –بالضرورة- مع العمل الأخروي، بل إن الدنيا ما هي إلا مزرعة للآخرة، ولكن الخلل هو أن يكون عمل الإنسان مقتصراً على الدنيا، بحيث يكون منغمساً في الدنيا وملذاتها.
هنا أنهى الشيخ الحديث عن الأسباب التي تدفعنا عن التخطيط، لينتقل إلى محورٍ آخر، حيث طرح التساؤل التالي: كيف نُعدُّ للمستقبل؟! أو كيف نخطط له؟
وللإجابة على هذا التساؤل، ذكر النقاط التالية:
1) تحديد الأهداف بدقة
ليكون الإنسان ناجحاً، يجب عليه أن يوجه بوصلته نحو هدفٍ، ويعمل على تحقيقه، لأن الإنسان الذي لا يخطط لن يصل إلا إلى المجهول، كما ذكرنا، من هنا يتوجب عليه أن يضع أهدافاً واضحةً لما يريد تحقيقه في مستقبله.
ووضع هذه الأهداف يجب أن يتبعه عملٌ جادٌّ ومتواصل لإنجاز تلك الأهداف الموضوعة، والتي أعدّها في مخططه، بحيث يستفيد من كل جهدٍ مبذول لهذا الغرض.
2) ترتيب الأولويات
لا بدّ أن تراعي الخطط الموضوعة مسألةً في غاية الأهمية والدقة، وهي مراعاة الأولويات الأهم فالمهم، حتى لا تضيع الجهود، أو تتبعثر الطاقات، ففي المجال الاقتصادي مثلاً، يجب أن نراعي أولوياتنا الاقتصادية، لا أن نبعثر أموالنا يميناً وشمالاً، دون تخطيط أو تفكير، حتى نجد أنفسنا ضائعين في زحمةٍ أزمات اقتصادية، كان بإمكاننا الوقاية منها لو فكرنا قليلاً، فالتاجر الناجح هو من يضع الخطط الدقيقة، ويحدد الأولويات بوضوح، من أجل أ، يحقق أفضل ربح ممكن، وهكذا الأمر بالنسبة للطالب في دراسته، يجب أن يلاحظ ما يحتاج إليه مجتمعه من كفاءات، وما ينقصه من مؤهلات، وبمعنى أدق، يجب أن يلاحظ ما يحتاج له سوق العمل، حتى يعمل على سدّ الثغرات والنواقص فيها، فيتوجه إلى التخصصات ذات الحاجة، لأنها تمثِّل من أولويات هذا المجتمعات، وكذلك بالنسبة للعابد في عبادته، يجب عليه أن لا يقدّم بعض الأعمال المستحبة -مثلاً- على أعمال واجبة، وهكذا...
فمراعاة الأولويات شيءٌ مهمٌ ومطلوبٌ لنجاح أي خطةٍ.
3) وضع خطة عملية لتحقيق الأهداف
وحتى لا تتحوّل أهدافنا وتطلعاتنا إلى مجرد أمنيات تراوح مكانها، لا بدّ لنا من وضع خطةٍ عملية وواقعية، تحدد الأساليب والإجراءات العملية للوصول للأهداف الموضوعة، هذا من جانب، ومن جانب آخر، يجب أن تكون الخطة مقسَّمةً بحسب الأهداف التي نطمح إلى تحقيقها، فنضع خطةً لأهدافنا اليومية، وأخرى لأهدافنا الأسبوعية، وثالثة للأهداف السنوية، وبمعنى آخر، لا بدّ من وجود أكثر من خطة، فهناك خطط للأهداف القريبة الأجل، وأخرى للأهداف البعيدة الأجل.
وهنا، ولتحقيق الأهداف والتطلعات، يجب أن نعمل على تأهيل أنفسنا، وإيجاد المقدمات اللازمة للوصول إلى أفضل النتائج.
4) وضع خطة للطوارئ
قد لا تسير الأمور –دائماً- بحسب ما نشتهي، فلا تجري الرياح بما تشتهي السفن دائماً، فقد تطرأ بعض العوارض والعقبات التي لم نحسب لها حساباً، والخطة الجيدة هي الخطة المرنة، التي يكون فيها هامشاً واسعاً لمواجهة هذه الأمور الطارئة، بل إن هذا من وجوه المعرفة بالزمان، و"العالم بزمانه لا تهجم عليه اللوابس" كما قال أمير المؤمنين.
إلى هنا كان ختام كلمة سماحة الشيخ اليوسف، حيث فُتح المجال بعدها أمام مداخلات الحضور وأسئلتهم، التي أضفت على اللقاء شيئاً من الحيوية والثراء.
وفي الختام شكر سماحة الشيخ اليوسف الأخوة القائمين على هذا الملتقى، وأثنى على جهودهم الطيبة.
24 / 9 /1424
كاتب وباحث إسلامي- القطيف