تعد كتابة السير والتراجم من الأمور الحيوية والمهمة في أوساطنا الثقافية، وتحتل في المكتبات حيزاً حيوياً، وإبداعاً متميزاً تحتاجه الأجيال الواعدة لبناء غد مشرق جميل.
وهكذا نحتاج دائماً إلى قراءة السير باستمرار وبعمق ووضوح خصوصاً إذا كان صاحب السيرة شخصية فذة، وذات أبعاد متعددة, ولنا في تجارب الغربيين خير مثال لذلك الواقع الملموس الذي نشاهده من خلال الاهتمام بحياة العظماء، ومن خلال ألكتابة عنهم والإشادة بهم تأليفاً وبحثاً ودراسة؛ بل حتى الاحتفال بمناسبة ولادتهم أو رحيلهم إلى دار الخلود.
واليوم يطالعنا سماحة الباحث الإسلامي الشيخ عبد الله اليوسف بكتاب جديد ودراسة مفيدة عن أحد أعلام الطائفة الحقة؛ وهو العالم الرباني الشيخ ميثم البحراني (قدس سره ) وليست هذه المحاولة الأولى لسماحة الشيخ اليوسف في الكتابة عن العظماء والأعلام، فقد أصدر عدة دراسات عن شخصيات عظيمة كالإمام الهادي(عليه السلام )، والعلامة الراحل الشيخ محمد مهدي شمس الدين، والمرجع الديني الإمام السيد محمد الشيرازي، وأخيراً كتب عن عالم البحرين الموسوعي الفذ الشيخ العلامة كمال الدين ميثم بن علي بن ميثم البحراني بعنوان ( العلامة الشيخ ميثم البحراني: رجل العلم والأخلاق والسياسة ) وقد صدر هذا الكتاب عن دار الرسول الأكرم هذا العام 1428هـ في طبعته الأولى، وهو عبارة عن ورقة شارك فيها الشيخ اليوسف في مؤتمر الشيخ ميثم البحراني المنعقد في طهران بتاريخ 25/ 6 /1427هـ - وأضاف إليها فصولاً- حيث شارك الشيخ مع مجموعة من العلماء والمفكرين والكتاب الذين أسهموا في التعريف بشخصية الشيخ ميثم العلمية والمعرفية والثقافية.
وفي هذا الكتاب أعطى الشيخ اليوسف صورة واضحة المعالم عن حياة هذا العالم
العملاق الذي خدم الأدب والفقه والفلسفة والفكر الإمامي في كثير من العلوم والمعارف النافعة وذلك من خلال مؤلفاته القيمة وتحقيقاته الجزيلة كشروح نهج البلاغة التي أخذت حيزاً من المكتبة الإسلامية لحفظ تراث الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام ) حيث اشتهر الشيخ ميثم بشروح هذا السفر الخالد وأصبح كتابه من المصادر المهمة للولوج إلى معالم نهج البلاغة.
وقد وفق الشيخ اليوسف في الكتابة عن ثلاثة أبعاد مهمة من شخصية ابن ميثم البحراني وهي .
1- الشخصية والسيرة.
2- خطاب الاعتدال.
3-العالم الموسوعي.
لينقلنا إلى معالم أبعاد هذه الشخصية العملاقة بأسلوب واضح ومنهجية جزيلة
ألفناها من قبل في جميع مؤلفاته وكتاباته. والشيخ اليوسف كما هو معروف في سيرته العلمية مثقف موسوعي, وإصداراته المتنوعة تشهد له خصوصاً ما كتبه في مجال السير والتراجم.
وبين يدي كتاب عن حياة الشيخ البحراني حاول تسليط الضوء على أبعاد مهمة في سيرته, وإن كانت دراسته مقتضبة إلا أنها أعطت صورة واضحة المعالم لسبر أغوار هذا العالم الفذ الموسوعي.
وسأحاول في هذا المقال أن أشير إلى بعض ما جاء في فصول هذا الكتاب مشيراً إلى
النقاط المهمة التي احتواها وانطلق من خلالها الشيخ اليوسف؛ ومن الله تعالى استمد العون والتوفيق والسداد.

الفصل الأول: الشخصية والسيرة
عرض الشيخ اليوسف في الفصل الأول البطاقة الشخصية أو التعريفية للشيخ ميثم
البحراني، وذكر اسمه وتاريخ ميلاده ولقبه وتسميته وأساتذته وابرز تلامذته ثم عرض باختصار لمؤلفاته وقسمها إلى أربعة أقسام وتشمل:
1- المعارف العامة.
2- علم الكلام.
3- علم الفلسفة.
4- علوم البلاغة والأدب.
ثم ختم هذا الفصل بالحديث عن وفاته واختلاف المؤرخين في تاريخه ورجح الشيخ
اليوسف أن وفاته كانت في سنة 699هـ،أي أواخر القرن السابع عشر للهجرة، ثم أشار إلى أنه دفن في بلده البحرين وله مزار معروف في قرية هلتا إحدى قرى الماحوز الثلاث.
وباختصار نقول (البطاقة الشخصية)
اسمه : ميثم بن علي بن ميثم بن علي البحراني
مولده: سنة 636هـ
لقبه: كمال الدين.
تسميته: العالم الرباني.
أبرز أساتذته:
1- العلامة الشيخ نصير الدين الطوسي
2- الشيخ علي بن سليمان الستري البحراني
3- الشيخ أبو السعادات اسعد بن عبد القاهر الأصفهاني
4- نجم الدين أبو القاسم جعفر بن الحسن الحلي(المحقق الحلي) صاحب كتاب شرائع الإسلام.
أبرز تلاميذه:
1- الشيخ نصير الدين الطوسي وهو أيضاً من أساتذته كما اشرنا من قبل
2- العلامة الحلي
3- غياث الدين بن طاووس
4- كمال الدين أبو الحسن الواسطي
5- السيد صفي الدين البغدادي
وختم هذا الفصل بذكر قصة معروفة ينقلها كثيراً من الكتاب والأدباء والخطباء وهي: قصة ( كل يا كمي) وهي من القصص التربوية الهادفة المعروفة التي لا نحتاج لذكرها لشهرة القصةوصاحبها.
الفصل الثاني:خطاب الاعتدال
في هذا الفصل أشار الشيخ اليوسف إلى منهج الشيخ البحراني الإصلاحي، وتطرق لموضوع خطاب الاعتدال, ودعوته للوحدة الإسلامية، وأنه استخدم منهج التقريب بين المسلمين، وأشار الشيخ اليوسف إلى نماذج من طرحه لموضوعات في نهج البلاغة.
والخلاصة: إن الشيخ البحراني اتبع في شرح النهج وغيره من مؤلفاته منهج التوازن
في الطرح والاعتدال في الخطاب والإنصاف للآخر المخالف وعدم المجاملة في قول الحق.
ثم نقل الشيخ اليوسف في نهاية هذا الفصل خطاب المرجع الديني المعاصر السيد علي السيستاني (دام ظله) كنموذج حي للتسامح المذهبي، وتعميم خطاب الاعتدال بين علماء الإمامية.
الفصل الثالث: العالم الموسوعي
في هذا الفصل تطرق الشيخ اليوسف إلى موسوعية الشيخ البحراني واهتمامه بكثير من العلوم الإسلامية كالفقه والمنطق والفلسفة واللغة والتفسير وغيرها, وذكر آراء
بعض المفكرين العرب أمثال الدكتور محمد جابر الأنصاري وحديثه عن منهج الشيخ ميثم البحراني العلمي، كما نقل آراء بعض الباحثين المؤرخين أمثال الحر العاملي والشيخ سليمان الماحوزي البحراني وغيرهم.
ومن اجل التعرف على مظاهر موسوعية الشيخ البحراني أشار الشيخ اليوسف إلى بعض علومه ومعارفه :
1- شرح نهج البلاغة.
2- علم الكلام.
3- علم الفلسفة.
4- علم الفقه.
5- علم السياسة.
6- علم المنطق.
وختم هذا الفصل بذكر أقوال أرباب التراجم في الشيخ ميثم البحراني أمثال:
1- الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي في كتابه (أمل الآمل)ج 2 ص 332
2- الشيخ سلميان الماحوزي البحراني في كتابه (السلافة البهية في الترجمة
الميثمية)ج1 ص42
3- الشيخ عباس القمي في كتابه( الكنى والألقاب) ج1 ص490
4- الشيخ جعفر السبحاني في كتابه (موسوعة طبقات الفقهاء) ج7 ص 285
5- الأستاذ عمر رضا كحاله في كتابه (معجم المؤلفين) ج13 ص 55
6- الشيخ علي بن الحسن البلادي في كتابه (أنوار البدرين)ج1 ص190
7- الأستاذ خير الدين الزركلي في كتابه (الأعلام) ج 7 ص336
8- الشيخ الطريحي في كتابه ( مجمع البحرين) ج4 ص171
9- الشيخ عبدالله بن صالح السماهيجي في كتابه ( الإجازة الكبيرة) ص 194
10- السيد حسن الصدر في كتابه ( الشيعة وفنون الإسلام ) ص 76

وفي نهاية الكتاب وضع ملاحق هامة كوثائق بخط الشيخ ميثم من كتابه ( مصباح
السالكين ) وصور فوتوغرافية للشيخ اليوسف وبعض أوراق المشاركة ثم ثبت المصادر
والمراجع.
وفي رأيي أن الشيخ اليوسف قدم من خلال هذا السفر دراسة مختصرة أعطتنا لمحات
خاطفة وبوضوح عن حياة عالم البحرين الكبير الشيخ ابن ميثم الفذ؛ وهي التفاتة صائبة
وخطوة مباركة يشكر ويذكر عليها المؤلف الكريم، والله نسأل أن يجعل هذا العمل المبارك في ميزان أعماله وحسناته؛ إن الله ولي التوفيق وهو الغاية.