مدخل
يتميز المرجع الديني الكبير سماحة آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي ( حفظه الله ) ـ ضمن ما يتميز به ـ بأخلاق رفيعة وراقية جداً، حيث تتجسد فيه الأخلاق الإسلامية، فتراه يتواضع لكل الناس، ويحترم الكبير والصغير، ويقبل على كل من يجالسه باهتمام، ويستمع بكل إنصات لكل من يتحدث إليه، ويهتم بتقديم كل مساعدة وخدمة لكل محتاج وفقير.
كما أنه (دام ظله الشريف) واسع الصدر، لين الجانب، دائم الابتسامة، حلو المعشر. كما تلمس فيه الزهد عن كل مباهج الدنيا و زخارفها. وقد عرف عن سماحته أيضا الورع الشديد، والأخذ بالاحتياط في كل الأمور.
أما عن علمه فكتبه خير شاهد على غزارة علمه؛ حيث أَلَّف أكثر من ثمانين كتاباً في مختلف العلوم الإسلامية وبالخصوص في علمي الفقه والأصول، ففي الفقه له موسوعة استدلالية في شرح العروة الوثقى وتقع في عدة مجلدات، وقد طبع منها كتاب (الاجتهاد والتقليد) في أربعة مجلدات ضخمة، كما له الكثير من الشروح العلمية على متون الكتب الفقهية المعروفة ككتاب شرائع الإسلام للمحقق الحلي. وفي الأصول له موسوعة استدلالية تحت عنوان ( بيان الأصول) ويقع في عشرة مجلدات. طبع منه ـ لحد الآن ـ كتاب ( لاضرر ولا ضرار في الإسلام ) وكتاب ( الاستصحاب ) في ثلاثة مجلدات كبيرة، و كتاب (التعادل والترجيح) وكتاب (القطع والظن)، وقد شهد له بالمتانة العلمية لهذه الكتب الأصولية كل من قرأها من أهل الاختصاص والفن .
وقد وفقني الله تعالى لحضور بحثه الخارج في الفقه مبحث ( الاجتهاد والتقليد ) بقم المقدسة لبعض الوقت في العامين 1422هـ و1423هـ، كما استمعت لبحوثه في الأصول، ويمكن القول بأن بحوثه ( حفظه الله ) تتميز بسهولة العبارة، وبعمق الاستدلال، واستعراض أكبر قدر من الأدلة، والاستشهاد بكثير من الأمثلة مما يساعد طالب العلم على استيعاب المطالب العلمية بكل وضوح وتركيز.
مكانة أهل البيت
ثمة أمر آخر يجب الالتفات إليه حين الحديث عن سماحة المرجع الديني المحقق السيد صادق الشيرازي ( دام ظله ) وهو اهتمامه الكبير بمسائل العقيدة، والدفاع عن مذهب أهل البيت (عليهم السلام) والتعريف بحقوقهم ومكانتهم في الإسلام. وقد ألّف في هذا الجانب الكثير من الكتب منها:
1-الإمام علي في القرآن (مجلدان).
2-فاطمة الزهراء في القرآن.
3-المهدي(عجل الله فرجه الشريف) في القرآن.
4-المهدي (عجل الله فرجه الشريف) في السنة.
5-أهل البيت في القرآن.
6-حقائق عن الشيعة.
7-الشيعة في القرآن.
ومن خلال الاطلاع على هذه الكتب القيمة يجد القارئ الكريم اهتمام المرجع الديني السيد صادق الشيرازي (دام ظله) بالتأصيل للقضايا العَقَدِية، و بيان أحقية أهل البيت بالإمامة، والتعريف بهم (سلام الله عليهم) من خلال ما ورد في حقهم في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.
كما يدعو سماحته دائماً للاهتمام بقضية الإمام الحسين وإحياء مصيبته، وإقامة العزاء عليه، و التعريف بأهداف نهضته، و ربط الأجيال بتلك النهضة المهمة في التاريخ الإسلامي. يقول سماحته عن ذلك ما نصه:
أن يجهد كل واحد منكم في إقامة مجالس العزاء والمشاركة فيها على مدى السنة، فهذا الجهد المبارك، لن يذهب سدى حتى قدر رأس إبرة منه؛ وسيكون ذخراً لكم، ويثبت في سجل حسناتكم، إن شاء الله تعالى.
وأرجو أن توصوا الآخرين بذلك، وتتواصوا فيما بينكم، وهو أن كلاً منكم - سواء كان رب أسرة وعند
ه عائلة، أم ما زال فتى يافعاً - عليه أن يخصص ساعتين أو ساعة واحدة، أو حتى نصف ساعة، لأجل الإمام أبي عبد الله الحسين . في منزلك الشخصي اعقد مجلساً لسيد الشهداء ، وابدأ من الصفر.
وإذا كان أحدكم فقيراً ولا يملك شيئاً، فليعمل على النحو الذي يتناسب مع وضعه الاقتصادي، كأن يشعل شمعة أو ينير سراجاً باسم الإمام الحسين لمدة دقائق كل أسبوع، وسط الأفراد الذين يكونون معه في بيته.
وإذا أتيحت لكم فرصة أفضل، وحالفكم التوفيق، فادعوا جيرانكم وأقاربكم وسائر المؤمنين لمثل هذا الأمر.
اسعوا لئلا يمضي عليكم أسبوع، دون أن يكون في بيوتكم ذكر لمصيبة الإمام الحسين ؛ ففي هذه بركة الدنيا والآخرة.
وحتى إذا كنت عضواً أو مسؤولاً لهيئة حسينية، وينعقد كل ليلة وكل يوم، مجلس ذكر لمصيبة أبي عبد الله في هيئتك، فلا تدع منزلك يخلو من سراج باسم الإمام الحسين . اسع لتحقيق هذا الأمر، و أن يكون لك مثل هذا التوفيق الدنيوي و الأخروي.
إن مجلس ذكر أبي عبد الله الحسين ، هو رأس الخيط الذي أوصل ويوصل إلى الكثير من التوفيقات.
ودائماً ما يوصي سماحته (دام ظله الشريف) زائريه بالاهتمام بإحياء مصيبة الإمام الحسين ، وإقامة الشعائر الحسينية في كل مكان، بل دعا في محاضرة جديدة له في عام 1430هـ بتأسيس قناة فضائية باسم الإمام الحسين لربط الناس بمنهج الإمام الحسين وتعريف العالم بقضيته، وتحقيق الشعارات التي ثار من أجلها، والتي أبرزها تحقيق العدل و مقاومة الظلم والفساد والدكتاتورية، و التعريف كذلك بمكانة أهل البيت( عليهم السلام )، ونشر فضائلهم ومناقبهم بين الناس، وهذا الهم الذي يحمله سماحة السيد المرجع السيد صادق الشيرازي ( دام ظله) نلحظه في كتبه ومحاضراته وتوصياته وإرشاداته، ونجده دائم التفاؤل بانتشار مذهب أهل البيت فقهاً وعقيدة وثقافة في أصقاع الدنيا.
التركيز على طلبة العلم
يولي سماحة المرجع الديني السيد صادق الشيرازي (دام ظله) الكثير من الاهتمام بطلاب العلوم الدينية، وهذا الاهتمام والتركيز يشمل عدة جوانب، منها: جانب التوجيه والإرشاد حيث يحظى علماء الدين والطلاب بالإرشادات الصادقة النابعة من قلب صادق، وهو ما يترك أثره في قلوب مستمعيه.
ومنها: التربية الأخلاقية حيث يركز سماحة السيد صادق الشيرازي (حفظه الله) على التربية الأخلاقية للعلماء وطلاب العلوم الدينية، بل كان له درس أخلاقي يلقيه يوم الأربعاء من كل أسبوع على طلاب العلوم الدينية، وقد صدر في كتاب جميل ومفيد جداً عنوانه (العلم النافع سبيل النجاة). وكتاب آخر بعنوان ( يا أبا ذر ).
ومنها: قضاء حوائج العلماء والطلبة، فيومياً - كما رأيت ذلك بنفسي- يأتي في مجلسه المبارك العشرات من العلماء والطلبة، بعضهم للسلام عليه، وبعضهم للمناقشة العلمية، وبعضهم لقضاء حاجة من حوائج الدنيا، فلا يرد أحداً، بل يأمر بقضاء حاجته بقدر المستطاع.
العناية بالشباب
لسماحة السيد صادق الشيرازي (دام ظله) عناية خاصة بالشباب، فتراه يستقبل جيل الشباب بكل أريحية، ويتبادل معهم أطراف الحديث، ويوجه لهم نصائحه وإرشاداته وتوصياته بكل لطف.
و دائماً ما يوصي وكلائه بالعناية بالشباب، والانفتاح عليهم، والاقتراب منهم، و حل مشاكلهم، وذلك لإدراكه (حفظه الله) بأهمية جيل الشباب، ودورهم الكبير في صناعة المستقبل.
يقول سماحة المرجع الديني السيد صادق الشيرازي (دام ظله) في وصاياه للمبلغين عن الشباب: (( الاهتمام الوافر بالشباب والأحداث، وعقد جلسات خاصة بهم، وتعليمهم أصول الإسلام وعقائده وأحكامه وآدابه وأخلاقه، وتعريفهم بسيرة النبي الأكرم والمعصومين من أهل بيته (عليهم السلام)، والإجابة عن مختلف الأسئلة التي تجول في خاطرهم وذلك بأسلوب حديث وسهل وجميل. وتشجيع الشباب على إقامة النشاطات والفعاليات الدينية والثقافية والاجتماعية في سبيل إحياء أمر أهل البيت (عليهم السلام)، وحفظهم من خطر الغزو العقائدي والتيارات المنحرفة والفئات الضالة والأخلاق الفاسدة. فإن الإمام الصادق يقول: (( عليك بالأحداث فإنهم أسرع إلى كل خير )) .
وفي مناسبة أخرى يوصي سماحته (دام ظله) العلماء والدعاة بالاهتمام بجيل الشباب، وتربيتهم تربية إيمانية قائلاً:
صونوا شبابكم وفتيانكم، واعملوا على أن يكونوا مؤمنين ومعتقدين بالله والرسول (صلى الله عليه وآله) وأهل البيت (عليهم السلام).
ومهما بلغوا من اعتقادهم، فاعملوا على زيادة هذا الاعتقاد لديهم، بل وفروا وسائل وأسباب ذلك.
علينا أن نعرّف الشباب والفتية بنبي الإسلام (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام)، بالنحو والكيفية التي عرفوا بها أنفسهم (عليهم السلام)، وبالطريقة نفسها التي عرف بها القرآن الكريم شخصية رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وحقيقة الأئمة الأطهار (عليهم السلام)، وليس عبر كلمات الإفراط والتفريط، التي تصدر من بعض الجهات المضللة وهي تريد أن ترفع مقام الأئمة الأطهار (عليهم السلام) إلى أكثر من الحد الواقعي، أو تهبط بهم إلى ما دون ذلك، لا يجوز أن تنسبوا حتى صفة واحدة من صفات الله عز وجل الثبوتية إلى الأئمة الأطهار (عليهم السلام).
اطلعوا الشباب على حقيقة مسألة العصمة، ومسألة علم الغيب، والمسائل التي تعد من المسلمات والقطعيات المتعلقة بمقام الأئمة المعصومين (عليهم السلام) .
وفي هذه الوصية عن الشباب يشير سماحته لمسألة في غاية الأهمية وهي رفض الغلو في أهل البيت ( عليهم السلام)، لأن ذلك يخدش في العقيدة، كما أن عدم الاعتراف بمقاماتهم الشريفة يخدش في سلامة العقيدة أيضاً، والمطلوب هو إعطاء أهل البيت المكانة التي أرادها الله تعالى لهم، وأرادوها لأنفسهم من غير إفراط و لا تفريط، والسير على نهجهم والاقتداء بسيرتهم المباركة، وضرورة ربط الشباب بهم وجدانياً وعاطفياً وثقافة وسلوكاً.
الاهتمام بالزوار
يحظى زوار العتبات المقدسة في قم ومشهد برعاية خاصة من قبل سماحة المرجع الديني السيد صادق الشيرازي (دام ظله)، فلدى مكتب سماحته برنامج خاص بالزوار، إذ تُدعى حملات الزوار للالتقاء بسماحة المرجع الديني السيد صادق الشيرازي (حفظه الله)، وعادة ما يلقي سماحته محاضرة توجيهية للزوار، كما يتم توزيع الكتب والأقراص المدمجة عليهم، ثم يفتح المجال للإجابة على تساؤلاتهم الشرعية، وهذا الاهتمام قلّ نظيره بهذا المستوى للزوار، إذ يعد مكتب سماحة السيد صادق الشيرازي، وبتوجيه ورعاية منه، رائداً في هذا المجال، بل ومتميزاً فيه.
و لو سألت أي زائر لقم المقدسة فستجد عنده ذكريات مع سماحة السيد صادق الشيرازي، ومجموعة من الصور التذكارية، لدرجة أن بعض الزوار يطلب من سماحة السيد أن يمسك بولده كي يصوره معه !!
ويستجيب سماحة السيد مبتسماً !
بقي أن نقول: إن هذه مجرد إشارات وملاحظات عابرة عن بعض الأبعاد المرئية في شخصية سماحة المرجع الديني الكبير آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي (دام ظله) وإلا فإن الإحاطة بكل جوانب شخصيته (حفظه الله) مما يحتاج إلى كتابة الكثير من الصفحات عن سيرته المباركة.