ألقى سماحة الشيخ الدكتور عبد الله أحمد اليوسف كلمة في جامع الكوثر بصفوى بمناسبة ميلاد الصديقة فاطمة الزهراء ليلة الثلاثاء 20 جمادى الآخرة 1432هـ الموافق 23 مايو 2011م تحدث فيها عن العلاقة المتميزة بين الرسول الأعظم وابنته فاطمة الزهراء . والدروس التي يجب الاستفادة منها في علاقة الآباء ببناتهن.
وقد بدأ سماحة الشيخ اليوسف حديثه ببيان فضل فاطمة الزهراء، حيث ورد في مكانتها وفضلها ومناقبها الكثير من الآيات الشريفة كسورة الكوثر؛ إذ أن الكوثر هو الخير الكثير، وهو يتناول بظاهره جميع النعم التي أنعم الله بها على نبيه محمد ولكن ما ذكروه في أسباب النزول - بالإضافة إلى الآية الأخيرة من سورة الكوثر- يشيران بوضوح إلى أن هذا الخير يرتبط بكثرة النسل ودوامه، وقد عرف العالم كله أن نسل رسول الله قد استمر من خلال ابنته الزهراء البتول كما صرحت بذلك جملة من أحاديث الرسول
ومما رواه المفسرون في هذا الصدد أن العاص بن وائل كان يقول لصناديد قريش: إن محمدبتر لا ابن له يقوم مقامه بعده، فإذا مات انقطع ذكره واسترحتم منه. وهذا قول ابن عباس وعامة أهل التفسير.
أما الأحاديث والروايات التي تشير إلى مكانة فاطمة فهي متواترة وكثيرة، ومذكورة في كل كتب الحديث والسيرة من الفريقين، فقد أخرج البخاري بسنده: أن رسول الله قال: (( فاطمة بضعة مني، فمن أغضبها أغضبني )) وأخرج مسلم في صحيحه: قال رسول الله : (( إنما فاطمة بضعة مني، يؤذيني ما آذاها)) وفي المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري روى عن علي قال: قال رسول الله لفاطمة: ((إن الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك)) وقد أراد الرسول الأعظم أن يبين لجميع المسلمين مكانة فاطمة وأنها بضعة منه، يؤذيه ما يؤذيها، ويرضيه ما يرضيها، ويسره ما يسرها، ويغضبه ما يغضبها.
ثم أشار سماحة الشيخ الدكتور عبد الله اليوسف إلى العلاقة بين رسول الله وفاطمة الزهراء فكانت أحب الناس إلى قلبه، وأعزهم عندهم، وكان إذا دخلت عليه قام إليها، فقبلها ورحب بها. وإذا سافر كان آخر الناس عهداً به فاطمة، وإذا قدم من سفر كان أول الناس به عهداً فاطمة. وكان يقول لها: ((فداكِ أبي وأمي)) وأيضاً: ((مرحباً بأم أبيها)).
وفي هذا دلالة مهمة على أهمية تعامل الأب مع أولاده بالاحترام والتقدير، وعدم إهانتهم أو تحقيرهم أو الإساءة إليهم، أو ممارسة العنف ضدهم، فالرسول الأعظم وإن كان يريد إبراز مكانة فاطمة الزهراء عند الناس؛ إلا أنه يريد أيضاً أن يعلمنا كيفية التعامل الأبوي مع الأولاد.
ونبّه سماحة الشيخ اليوسف من خطورة شعور الفتيات بالفراغ العاطفي، وعدم إشباع هذه الحاجة عندهن، مما قد يدفع بهن إلى الانحراف الأخلاقي، أو الإصابة بالأمراض النفسية كالاكتئاب والقلق والانكفاء على الذات.
وأضاف قائلاً: إنه في عصر الانفتاح، عصر الإنترنت، وشبكات التواصل الاجتماعي كالفيس بوك وتويتر يمكن للفتاة أن تقيم علاقات غير مشروعة مع الشباب بحثاً عن الدفء العاطفي المفقود عند بعضهن، ولسد هذه الثغرة يجب الاهتمام بقضايا وهموم ومشاكل الفتيات.
ودعا سماحته الآباء إلى توفير الحاجات المعنوية كالحب والحنان والعطف والرحمة بالفتيات كما يهتمون بتوفير الحاجات المادية، لأن الإنسان يحتاج إلى الحاجات المادية والمعنوية معاً.
وأشار سماحة الشيخ اليوسف إلى وجود الكثير من المشاكل التي تعصف بالفتيات في عصرنا، داعياً الآباء والأمهات إلى العناية والرعاية بالفتيات، والوقوف بجنبهن، وإشعارهن بالحب والدفء العاطفي.
واستدل سماحته على صحة كلامه بأن الكثير من الدراسات الاجتماعية تشير إلى أن الفراغ العاطفي سبب رئيس من أسباب الانحراف الأخلاقي، كما أن الواقع الاجتماعي الذي نعايشه يؤكد ذلك؛ بل وصل الأمر إلى الهروب من المنازل بحثاً عمن يوفر لهن الحنان والإشباع العاطفي. كما أن القسوة والضرب والعنف سبب آخر من أسباب الانحراف، وإنتاج شخصيات عنيفة ومجرمة.
ثم انتقل سماحة الشيخ اليوسف إلى مشهد آخر من اهتمام الرسول الأعظم بفاطمة حتى بعد انتقالها إلى بيت الزوجية، فقد كان مشرفاً على وليمة ليلة الزفاف، وكان يصب الطعام بيده الشريفة في الصحون للضيوف، كما أمر النساء من بني هاشم بمرافقة فاطمة أثناء زفافها على الإمام علي ، وتفقدها في صبيحة أول يوم من عرسها وبيده قدح من اللبن فقال: ((اشربي فداك أبوك))، ثم قال لعلي : ((اشرب فداك ابن عمك)).
ثم سأل علياً: كيف وجدت أهلك؟
قال : نِعم العون على طاعة الله.
وسأل فاطمة فقالت: ((خير بعل )).
ووصف سماحة الشيخ اليوسف هذه المواقف المتميزة من رسول الله مع ابنته فاطمة بأنها تحمل دلالات أخلاقية وتربوية في غاية الأهمية، وأن علينا أن نستلهم منها كيفية التعامل الأخلاقي مع بناتنا، فهن أحوج من الذكور إلى الاهتمام والعناية والرعاية من قبل العائلة، وخصوصاً الأب الذي يتحمل مسؤولية إدارة الأسرة، فالإحسان إلى البنات، وإشباع ميولهن العاطفية والمعنوية، يساعد على استقامتهن، والسير على الصراط المستقيم، بعيداً عن التأثر بالمغريات المادية التي تجذب الإنسان نحو إشباع غرائزه وشهواته بغير المباح، وكلما اقترب الأب من بناته، وتفهم ما يشعرنّ به، وأبدى استعداده للوقوف معهن كلما ساعد ذلك على بناء شخصيات سوية وقوية ومتميزة.
لا حرمنا من عطائك ودعائك