شكلت ثورة الإمام الحسين انعطافة كبيرة في تاريخ ومسيرة الأمة، ونهضة في العقول والأفكار، وصدمة في النفوس والقلوب، ولذلك لم يقتصر أثرها على اللحظة التاريخية التي وقعت فيها؛ بل امتد تأثيرها إلى كل العصور والأزمان, يستلهم منها الأحرار في العالم مفاهيم العدالة والحرية والحق والخير.
وقد أشعل الإمام الحسين بثورته ضد الظلم والفساد والاستبداد شعلة متقدة لن تنطفىء أبداً, وطاقة لن تنضب أبداً, وحرارة لا يمكن أن تبرد أبداً؛ فثورة الإمام الحسين ثورة متجددة في كل عصر ومصر، ولذلك كانت وستبقى عنواناً لكل حر، ورمزاً لكل مناضل، ودليلاً لكل باحث عن العدل والحرية والإصلاح.
إن ثورة الإمام الحسين لم تكن كسائر الثورات، بل كانت استثناء في كل شيء، فقائدها الإمام الحسين نفسه، وما يرمز إليه من شخصية وتراث وفكر ومكانة، فالإمام سبط رسول الله وريحانته، وسيد شباب أهل الجنة، ومصباح الهدى، وسفينة النجاة، والعروة الوثقى، وإذا به يقدم نفسه فداء من أجل الدين، ومقاومة الظلم والفساد والانحراف في معركة غير متوازنة من الناحية المادية، لكن مكانة الإمام الحسين المعنوية أبقت على نتائج الثورة مستمرة رغم مرور الأزمان وتعاقب الليالي والأيام.
وأبطال الثورة وجنودها كانوا من صفوة الصفوة من أهل البيت الأطهار و خيار الصحابة والتابعين، قدموا أنفسهم بقناعة من أجل الدفاع عن القيم والمبادئ والأخلاق والمثل العليا، ليضربوا بذلك مثلاً أعلى في التضحية والفداء من أجل الدين.
وشريط الأحداث في الثورة كان مغايراً لأحداث كل الثورات في التاريخ، فقلة قليلة بقيادة الإمام الحسين تواجه جيشاً جراراً يقدر بآلاف المقاتلين، وهذا الجيش الأموي لم يكن يلتزم بأخلاق الحرب ولا بتعاليم الإسلام، حيث ارتكب من الفضاعات والانتهاكات ما يندى له جبين الإنسانية، فحتى الأطفال لم يسلموا من القتل والسلب والاعتداء، والنساء يساق بهن من شارع إلى شارع في صورة لا يقبل بها كل من لديه أدنى إحساس بالإنسانية والقيم الأخلاقية، فضلاً عن كونه ينتسب لدين الإسلام.
وبعد أن انتهت المعركة بتلك الطريقة المأساوية لم تنته آثارها ومفاعيلها وتداعباتها ولن تنتهي أبداً، لأنها معركة بين الحق والباطل، معركة بين الخير والشر، معركة بين النور والظلام، معركة بين الحياة والموت... فهي ميزان للعدل في مواجهة الظلم، والحرية في مواجهة الاستبداد، والإصلاح في مواجهة الإفساد.
واليوم ونحن نعيش في الألفية الثالثة نستلهم من ثورة الإمام الحسين الكثير من الدروس والعبر في قضايا عصرنا، كمسألة الإصلاح، ومسألة الحرية، ومسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومسألة مقاومة الظلم وتحقيق العدل، ومسألة تحمل المسؤولية الاجتماعية...وغيرها من المسائل والقضايا المعاصرة التي تؤثر في مسيرة الأمة، وحياة الشعوب والأمم.
ومن هنا؛ علينا أن نستلهم من ثورة الإمام الحسين ونهضته المباركة أجوبة على مسائل وقضايا العصر الملحة بهدف تقديم رؤية فكرية مستوحاة من نهضة الإمام الحسين تساعد على رسم منهج واضح لقضايا العصر ومسائله الكبرى.