تحدث سماحة الشيخ الدكتور عبد الله أحمد اليوسف في خطبته ليوم الجمعة 7 صفر 1434هـ الموافق 21 ديسمبر 2012م، بمسجد الرسول الأعظم بمحافظة القطيف عن صلح الإمام الحسن، وأن هذا الحدث التاريخي لم يكن من الأحداث البسيطة، بل كان من الأحداث التاريخية الكبرى في تاريخ الأمة الإسلامية.
وأشار سماحة الشيخ اليوسف إلى الأسباب والدوافع التي دفعت بالإمام الحسن للصلح مع معاوية بن أبي سفيان، ملخصاً إياها في ثلاث نقاط وهي: تفكك المجتمع العراقي، إذ لم يكن في تلك الفترة مجتمعاً مترابطاً ومنسجماً، وإنما كان تتنازعه عدة قوى وشرائح وتيارات متناقضة، كالخوارج الذين يوجبون محاربة الطرفين، وأنصار الأمويين المتواجدين في الكوفة والبصرة غيرها، والموالي الذين وفدوا للعراق من مناطق أخرى ... وغيرهم. وفي ظل هذا التناقض الاجتماعي والانقسام السياسي يصعب الدخول في حرب قوية مع عدو مستعد للحرب والقتال.
أما السبب الثاني فهو الخيانات التي وقعت في جيش الإمام الحسن من كبار القادة العسكريين، إذ انضم القائد العام للجيش وهو عبيد الله بن العباس إلى معسكر معاوية ومعه ثمانية آلاف مقاتل مقابل مليون درهم!
وكان السبب الثالث هو الملل من الحرب والقتال، فقد خاض العراقيون مع الإمام علي ثلاثة حروب كبيرة وهي: حرب الجمل، وحرب صفين، وحرب النهروان... وهو الأمر الذي جعلهم يميلون إلى الدعة والسكون والراحة، والتناقل عن الجهاد والقتال.
وفصّل سماحة الشيخ د. عبد الله اليوسف خيارات الإمام الحسن في ظل هذه الأسباب وغيرها إلى ثلاث خيارات لا رابع لها: إما المواجهة المسلحة في ظل عوامل غير مساعدة، أو الاستسلام للعدو وهو ما لا يمكن أن يقبله الإمام الحسن ، ولا ينسجم مع سيرة الأئمة الأطهار، أو الصلح بشروط وكان هذا هو الخيار الأنسب؛ إلا أنه لم يكن سهلاً على الإمام اتخاذه ايضاً نظراً لتداعياته ومفاعيله، إلا أن الإمام الحسن لم يجد خياراً آخر، فصالح معاوية بشروط عديدة منها: العمل بكتاب الله وسنة رسوله، وأن يعهد معاوية بالحكم للإمام الحسن من بعده، وإصدار أمر يمنع سب الإمام علي ، وإعطاء الشيعة حقوقهم الاقتصادية مع الحفاظ على ممتلكاتهم العامة، وتوفير الأمن العام لأتباع أهل البيت . وقد أمضى الإمام الحسن الصلح مع معاوية بعدما أخذ منه العهود الموثقة والأيمان المغلظة على الالتزام بكافة الشروط.
وبيّن سماحة الشيخ اليوسف أنه بالرغم من أن معاوية لم يلتزم ببنود المصالحة إلا أن الصلح كان له فوائد مهمة منها: تفرغ الإمام الحسن لنشر مبادئ ومفاهيم الإسلام، وصيانته من أي تحريف أو تشويه أو تزوير أو تحريف. والفائدة الثانية: الحفاظ على أتباع أهل البيت من القتل والتنكيل والسجن، وبالرغم من أن الأمويين لم يلتزموا بذلك، إلا أن الصلح ساهم في التقليل من ذلك. والفائدة الثالثة: كشف حقيقة الأمويين، وبيان عدم التزامهم بالعهود والمواثيق. والفائدة الرابعة: اهتم الإمام الحسن اهتماماً كبيراً بتربية الخواص والكوادر الرسالية كي يقوموا بنشر رسالة الإسلام في كل مكان.
وفي نهاية خطبته لفت سماحة الشيخ اليوسف إلى حقيقة في غاية الأهمية وهي: إن المواقف السياسية للأئمة الأطهار تخضع للمتغيرات الزمانية والمكانية، وهي ليست ثابتة، بل كل إمام من الأئمة الأطهار يتخذ المواقف السياسية المناسبة له بحسب ما تقتضيه الظروف السياسية والأوضاع العامة، أما المبادئ السياسية عند الأئمة الأطهار فهي واحدة لا تتغير، والخلط بينهما سبب من أسباب عدم فهم السيرة السياسية لأئمة أهل البيت بصورة عميقة؛ وهو الأمر الذي يستوجب التفكيك بين العمل السياسي للأئمة باعتباره من المتغيرات، والمبادئ السياسية التي هي من الثوابت غير القابلة للتغيير مهما تغير الزمان والمكان كضرورة وحسن تطبيق العدل والنهي عن الظلم.