تحدث سماحة الشيخ الدكتور عبد الله أحمد اليوسف في خطبته ليوم الجمعة 28 صفر 1434هـ الموافق 11 يناير 2013م بمسجد الرسول الأعظم بالحلة في محافظة القطيف عن الجهود الكبيرة التي قام بها رسول الله في إلغاء جميع أشكال التمييز العنصري أو القبلي أو الطبقي، وإعلاء شأن الإنسان الذي يحب احترام حقوقه المعنوية والمادية كما امر الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ﴾ ومن أهم صور تكريم الإنسان احترام إنسانيته، وإعطائه كافة حقوقه المشروعة.

وأضاف سماحته قائلاً: إن فترة بعثة الرسول الأكرم كان ينتشر فيها التمييز العنصري ضد طبقة العبيد، وقد اقترن اللون الأسود بالعبودية والإذلال والاحتقار في المجتمعات البشرية في العصور القديمة والوسيطة؛ بل والحديثة، وقد شجع الإسلام على تحرير العبيد، وتكريم الإنسان، وعدّ الرق حالة مؤقتة وطارئة في حياة البشر؛ لأن الأصل هو الحرية، وقد دخل تحرير الإنسان من العبودية في نظام العقوبات الجزائية الإسلامية، فمن يقتل مؤمناً خطأ، ومن يظاهر زوجته ثم يتراجع عن ذلك، ومن بحنث في يمينه فعليه عتق رقبة.

وأشار سماحة الشيخ اليوسف إلى قيام النبي الأكرم بتقريب بعض العبيد المؤمنين إليه، وإعطائهم دوراً مهماً في كيان الدولة الإسلامية كعمار بن ياسر، والمقداد بن الأسود، وبلال الحبشي، وصهيب وغيرهم ممن كانوا عبيداً، وتم عتق رقابهم بفضل جهود الرسول الأكرم إما مباشرة أو بتشجيع منه لأصحابه لفعل ذلك.

وبيّن سماحته أن الرسول الأكرم وأهل بيته الأطهار قد عملوا على إعلاء شأن الإنسان بما فيهم العبيد والإماء، حتى أن بعض أئمة أهل البيت تزوجوا من الإماء كي يقضوا على التمييز الممارس ضد هذه الفئة عملياً، إذ نجد أمهات بعض الأئمة المعصومين كانوا من الإماء المؤمنات الطاهرات، كأم الإمام السجاد، وأم الإمام الكاظم، وأم الإمام الرضا، وأم المهدي المنتظر... وهو ما يدل على تكريم الإسلام للإنسان بغض النظر عن الاعتبارات الجاهلية التي كانت سائدة في تلك المرحلة التاريخية؛ فهؤلاء المعصومون العظام رضعوا من لبن الإماء المؤمنات، وهو الأمر الذي يعكس حرص أئمة أهل البيت على إلغاء أي شكل عنصري من أشكال التمييز.

ولفت سماحة الشيخ عبد الله اليوسف إلى  أنه بالرغم من عدم وجود عبيد  في هذا العصر كما كان في الزمان السابق؛ إلا أنه يوجد الآن ما هو أسوا من ذلك، كالاتجار بالبشر، والذي هو عبارة عن استغلال الناس بطريقة غير مشروعة أو استخدامهم في أعمال مُهينة تحت التهديد والإكراه، أو المتاجرة في بيع الأطفال، أو خطف الأطفال للاستفادة من أعضائهم في كسب الأموال غير المشروعة، وهو شكل من أشكال النخاسة التي نهى الإسلام عنها.

وختم سماحته خطبته بأن الإسلام وضع قوانين وتشريعات تعزز من قيمة وإنسانية الإنسان، ونهى عن كل ما يسيء إلى مكانته الإنسانية، أو سلب حقوقه المعنوية والمادية، كما أن أي شكل من أشكال التمييز العنصري القائم على أساس اللون أو العرق أو القبيلة أو الدين أو المذهب مخالف لتعاليم ووصايا الإسلام، وأن حل مشكلة التمييز بكافة أشكاله إنما يتم من خلال الرجوع لتعاليم وقيم الإسلام التي أوضحها القرآن الكريم، وسيرة الرسول الأكرم قولاً وفعلاً، وسن القوانين والتشريعات التي تحافظ على مكانة وكرامة الإنسان، وتضمن حقوقه المعنوية والمادية .