سماحة الشيخ د عبدالله اليوسف أثناء إلقاء خطبة عيد الفطر 1433هـ
|
أكد سماحة الشيخ الدكتور عبدالله أحمد اليوسف في خطبة يوم الجمعة 18 شعبان 1434هـ الموافق 28 يونيو 2013م على وجوب وأهمية احترام الإنسان الذي كرمه الله تعالى وفضله على سائر المخلوقات كما في قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ﴾.
وأضاف سماحته قائلاً: إن الاختلاف في الدين أو المذهب لا يبرر الإساءة للمخالف، أو سلب حقوقه، أو التعدي على كرامته الإنسانية سواء كان بالقول أم بالفعل، بل إن الإسلام يأمرنا بالإحسان إلى الكافر غير الحربي -فضلاً عن المسلم- وليس فقط عدم الإساءة إليه، إذ يقول تعالى: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾.
وأشار سماحة الشيخ عبدالله اليوسف إلى انتشار الفتن الطائفية في مختلف بلاد المسلمين بسبب التحريض الطائفي المستمر، وصناعة خطاب الكراهية والتكفير، معتبراً ذلك يفرق الناس، ويولد الفتن، ويدمر الأوطان، ويخلق الأحقاد والكراهية والضغائن بين مكونات المجتمعات المسلمة.
واستنكر سماحته ما تعرض له أتباع أهل البيت في مصر من قتل وتمثيل وسحل في الشوارع وأمام الكاميرات لمجرد الاختلاف في المذهب، معتبراً أن هذا الأمر يكاد لا يصدقه عقل من شدة مأساوية المشهد ووحشيته وهمجيته، وكأننا نعيش في القرون الوسطى وليس في الألفية الثالثة.
وأشار سماحته إلى انتشار الفتن الطائفية في غير بلد من بلاد المسلمين، وأصبح الخطف والاغتصاب والقتل على الهوية الدينية يزداد في كثير من البلاد الإسلامية كما هو الحال في مصر والعراق وسوريا وباكستان وأفغانستان ..... وغيرها من بلاد المسلمين.
وشدد سماحته على أن قتل النفس المحترمة من غير حق من أشد المحرمات في الإسلام، يقول تعالى: ﴿وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ﴾ بل إن القرآن الكريم يعتبر أن قتل إنسان واحد هو بمثابة قتل الناس جميعاً كما في قوله تعالى: ﴿مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً﴾.
وفي سيرة النبي الأعظم أكبر الدروس على وجوب عدم التعدي على الآخرين، وعدم التساهل في قتل الناس حتى وإن كانوا كفاراً، وقد استنكر النبي على أسامة بن زيد تساهله في قتل إنسان تشهد بالشهادتين، تقول الرواية عن أسامة بن زيد قال: بعثنا رسول الله إلى الحرقات، فصبحنا القوم فهزمناهم ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلاً منهم، فلما غشيناه قال: لا إله إلا الله، فكف الأنصاري وطعنته برمحي حتى قتلته، فلما قدمنا بلغ النبي فقال: (يا أسامة أقتلته بعد ما قال: لا إله إلا الله؟!) قلت، إنما كان متعوذاً، فقال: (أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله؟) فما زال يكررها حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم. وفي رواية أخرى قال: بعثنا رسول الله في سرية فصبحنا الحرقات من جهينة فأدركت رجلاً فقال: لا إله إلا الله، فطعنته فوقع في نفسي من ذلك فذكرته للنبي فقال: (أقال: لا إله إلا الله، وقتلته؟) قلت: يا رسول الله إنما قالها خوفاً من السلاح؟ قال: (أفلا شققت قلبه حتى تعلم أقالها أم لا؟!) فما زال يكررها حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ.
وأوضح سماحته أننا نجد في هذه الرواية أن النبي يستنكر على أسامة بن زيد استسهال قتل الإنسان، وضرورة حمل عمل الإنسان على الظاهر، وعدم جواز ترتب أي أثر على قراءة النوايا (أفلا شققت قلبه حتى تعلم أقالها أم لا؟!) بالرغم من احتمال أن هذا اليهودي إنما تشهد خوفاً من القتل بالفعل، ولكن النبي أراد أن يعلم المسلمين درساً في وجوب الاحتراز من سفك الدماء المحترمة، وعدم التساهل في القتل، وأهمية الأخذ بالظاهر، وعدم جواز قتل الإنسان لمجرد الاحتمال، أو التشكيك في النوايا.
ورأى سماحة الشيخ اليوسف أن من أهم الدوافع التي تدفع بعض الجماعات الدينية إلى التطرف والتشدد في وقتنا المعاصر هو التشكيك في نوايا الناس ومعتقداتهم، وادعاء معرفة بواطن الآخرين، والزعم بامتلاك الحقيقة المطلقة، واستباحة دماء وأموال وأعراض الآخر المخالف مما أدى إلى نمو ظاهرة القتل على الهوية الدينية، وهي من أخطر الظواهر التي تسيء لصورة الإسلام, وتؤدي لخلق الصراعات الدينية، والفتن الطائفية المدمرة.
وطالب سماحته بمبادرات لإخماد نار الحرائق الطائفية من قبل المراكز الدينية المهمة والمؤثرة في الساحة الإسلامية كالحوزات العلمية في النجف الأشرف وقم المقدسة من جهة والأزهر الشريف والمجمعات الفقهية من جهة أخرى لإصدار وثيقة إسلامية تحرم القتل على الهوية الدينية, وتنادي باحترام الإنسان، وصيانة حقوقه المعنوية والمادية، وعدم جواز سلبها، ووجوب حماية المخالف سواء كان في الدين أو المذهب من انتهاك حقوقه العامة، وفقاً للوصايا والتعاليم الدينية التي تدعو إلى احترام حقوق الإنسان، ومنها حقه في التعبير عن معتقده، وعن رأيه، وعن فكره وتفكيره ... وغيرها من الحقوق المشروعة في الإسلام، وفي القوانين الدولية.