سماحة الشيخ د. عبدالله اليوسف أثناء إلقاء الخطبة (أرشيف)
|
تحدث سماحة الشيخ الدكتور عبدالله أحمد اليوسف في خطبة يوم الجمعة 22/10/1434هـ الموافق 30/8/2013م عن فلسفة الخمس في الإسلام، إذ أن لكل تشريع فلسفة وحكمة، ولكن أحياناً قد تخفى علينا فلسفة بعض الأحكام، وقد تكون فلسفتها واضحة كالخمس والزكاة وغيرها من الواجبات المالية.
وأشار سماحته إلى أن الإنسان بطبيعته يحب المال ويحرص عليه أشد الحرص ﴿وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً﴾ وأداء الخمس هو امتحان لإيمان الإنسان وتمسكه بأداء الفرائض المالية، فالمومن يدفع الخمس - وباقي الواجبات المالية - عن قناعة ورضا نفس باعتبارها من الواجبات الشرعية التي يجب الالتزام بها.
وقد ربط اللَّه سبحانه وتعالى في آية الخمس بين أداء الخمس وبين الإيمان، فالإيمان باللّه تبارك وتعالى وبرسالة محمد يتوقف على أداء الخمس كفريضة مالية -وعلى غيرها من الفرائض- ولكن باعتبار أن الخمس فريضة مالية، ويحتاج العطاء المالي إلى نفس مؤمنة، قولاً وفعلاً، فلا يكفي مجرد ادعاء الإيمان، لأن المؤمن الكامل هو من ينقاد لأوامر اللَّه سبحانه وتعالى، وخاصة الأوامر والأحكام المالية، ولذلك اعتبر القرآن الكريم أن أداء الخمس علامة بارزة على الإيمان، حيث يقول تعالى: ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ﴾ ويضيف مؤكداً ورابطاً بين أداء الخمس كواجب شرعي وبين تحقق الإيمان﴿إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ﴾ أي ادفعوا الخمس إن كنتم آمنتم باللَّه وبنبوة محمد، وعليه فمن يلتزم بأداء ما عليه من الحقوق الشرعية فهو مؤمن مخلص، ومن لا يقوم بهذه الوظيفة المالية فهو ممن ينطبق عليه تجزئة الإيمان، يؤمن ببعض ويكفر ببعض، وهذا خلاف الإيمان الكامل.
وأكد سماحته على أن الالتزام بالخمس هو أحد الأدلة التي تدل على قوة إيمان المؤمن في إيمانه، وفي تقواه، وفي إخلاصه، وفي نجاحه في الامتحان!
وأوضح سماحة الشيخ اليوسف أن الخمس تطهير للمال كما في الكثير من الروايات الشريفة، كما أنه يزيد في الرزق، ويضاعف التوفيق للإنسان، وفيه الخير والبركة. فعن الإمام الصادق قال: (( إني لآخذ من أحدكم الدرهم، وإني لمن أكثر أهل المدينة مالاً ما أريد بذلك إلا أن تطَّهروا )) وورد عن الإمام الرضا : (( فإن أخرجه -أي الخمس- فقد أدّى حق اللّه عليه، وتعرض للمزيد، وحلَّ له باقي ماله وطاب، وكان اللّه أقدر على إنجاز ما وعد العباد من المزيد، والتطهير من البخل. فاتقوا اللّه وأخرجوا حق اللّه مما في أيديكم يبارك اللّه لكم في باقيه، ويزكو )).
واعتبر سماحة الشيخ عبدالله اليوسف أن الخمس أحد عوامل القوة والاستقلال الاقتصادي للمرجعية الدينية، ولذلك نجد أن المرجعية عند الشيعة لا تخضع لأي ابتزازات أو إملاءات من أي طرف كان؛ لأنها مستقلة مالياً واقتصادياً، ولا تحتاج لأحد في هذا الجانب، ومن ثم لا يمكن لأحد أن يفرض شروطه على المؤسسة الدينية.
وشدد سماجته على أن المال يلعب دوراً مؤثراً في إدارة الحياة، فبالمال تقوم المشاريع العملاقة، وبالمال ينشر العلم والفكر والمعرفة، وبالمال يُحارب الفقر والجهل والتخلف، وبالمال تزدهر البلاد حضارياً إذا ما استثمر في طريق العلم والخير والصلاح.
وأشار الشيخ اليوسف إلى ما قامت به ( المرجعية الدينية ) -بما تملك من إمكانات مادية- من مشاريع مهمة، وأهمها: إدارة الحوزات العلمية وتمويلها، وضمان مؤونة طلبة أهل العلم الذين يقدر عددهم بعشرات الآلاف، وتأسيس المراكز الدينية والثقافية، وتأسيس القنوات الفضائية، والعمل على تعميم العلم والمعرفة، وطباعة الكتب الدينية والفكرية، ومساعدة الفقراء والمحتاجين والأيتام...وغيرها من المشاريع المختلفة في كافة دول العالم. ولولا الخمس والزكاة والتبرعات العينية والنقدية لما استطاعت ( المرجعية الدينية ) القيام بهذه الأدوار المهمة والكبيرة.
وفي ختام خطبته أشار سماحته إلى ما يطرحه البعض من إشكالات حول الخمس، وكيفية التصرف فيه، مبيناً أن الإشكالات المثارة على أنواع، وأن بعضها ناتج من عدم الاطلاع الكافي على أحكام الخمس، وبعضها يدخل في دائرة التعميم الخاطىء، أو المبالغات غير القائمة على أي دليل قطعي، أو التبرير حتى لا يؤدي ما عليه من حقوق شرعية، وبعضها قد تكون صحيحة في مجال التطبيق، أو بهدف تحسين الأداء المالي للمؤسسة الدينية، معتبراً أن ذلك لا يمس بأصل وجوب الخمس كفريضة شرعية، ولا يلغي فلسفة الخمس وحكمته، ولا يبرر عدم أداء الحق الشرعي. مطالباً في الوقت نفسه باتباع الإدارة المالية الحديثة في إدارة الأخماس بما ينمي حالة الثقة والاطمئنان، وبما يعزز من الاستفادة القصوى من الموارد المالية التي تصل من روافد الحقوق الشرعية أو غيرها.