سماحة الشيخ عبدالله اليوسف أثناء إلقاء الخطبة (أرشيف)
|
تحدث سماحة الشيخ الدكتور عبدالله أحمد اليوسف في الخطبة الأولى لعيد الأضحى المبارك 10 ذو الحجة 1434هـ الموافق 16 أكتوبر 2013م عن دور المناسبات الدينية في تزكية النفس وتهذيبها، وتربية الذات على الإتيان بالطاعات والأعمال الصالحة، واجتناب المحرمات والموبقات والمعاصي التي نهى الإسلام عنها.
وأضاف سماحته قائلاً: للحج أثر تربوي مهم في تزكية النفس وتهذيبها، وذلك لما يتضمنه من التزامات وأفعال تربي الإنسان على مجاهدة الأهواء والشهوات، فالحج تجرد من المادة وما يتعلق بها، وتحليق نحو مدارج الكمال الروحي والسمو النفسي.
وبين سماحته تأثير الحج في تطهير النفس من ذمائم الأخلاق ومساوئها كالغرور والعجب والتكبر والزهو، يقول الإمام علي: (( جعله سبحانه علامة لتواضعهم لعظمته، وإذعانهم لعزته ))[1] فالجميع في الحج سواء، فلا فرق بين شريف ووضيع، ولا بين غني وفقير، ولا بين سيد ومسود، فلا مكان للاعتبارات الدنيوية الشكلية، وإنما الاعتبار الوحيد هو للتقوى ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ [2]
وفصّل سماحة الشيخ عبدالله اليوسف تأثير مناسك الحج في تزكية النفس قائلاً: بمجرد وصول الحاج إلى الميقات، يخرج من الملذات الجسمية ليمتلئ بالملذات المعنوية والروحية، فيُحرِم، وعندئذٍ يجب عليه اجتناب كل محظورات الإحرام، فيحرم جسده من اللباس الراقي ليلبس لباساً متواضعاً وبسيطاً، ويُحرَم عليه شم الروائح الطيبة كالزعفران والمسك والعطر بجميع أنواعه، وممارسة الشهوات كالجماع والتقبيل واللمس، والتزين بأدوات الزينة كالاكتحال والتدهين، واللَّهو بالصيد البري أو قطع شجر ونبات الحرم، والتظليل حال السير .. إلخ.
وختم خطبته الأولى بالقول: إن لكل منسك وعمل في الحج أثره في تكميل النفس الإنسانية، وفي التحليق بالإنسان نحو مدارج العرفان والسمو الروحي، فالوقوف بعرفات والمزدلفة ومنى، والطواف حول البيت، والسعي بين الصفا والمروة، كلها مواقف قدسية، ومقامات مقدسة، وأعمال عبادية توقيفية، تقرب العبد إلى خالقه عزّ وجلّ، فيرجع الحاج بعد انتهاء مناسك الحج بغفران ذنوبه كيوم ولدته أمه، وبرضا اللَّه تعالى عنه، وهو غاية الغايات، يقول الإمام علي: (( وقفوا مواقف أنبيائه، وتشبهوا بملائكته المطيفين بعرشه، يُحرزون الأرباح في متجر عبادته، ويتبادرون عند موعِدِ مغفرته ))[3] .
وفي الخطبة الثانية أشار سماحة الشيخ الدكتور عبدالله اليوسف إلى أهمية بناء المجتمع الراشد والرشيد، فالمجتمعات الإنسانية تتفاوت في درجة رشدها ونضجها تماماً كما يتفاوت الأفراد.
وذكر سماحته أن كلمة الرشد قد وردت في القرآن الكريم تسعة عشر مرة، مما يؤكد على أهمية الرشد في حياة الأفراد، وكذلك في مسيرة المجتمعات الإنسانية؛ ولذلك علينا جميعاً العمل من أجل بناء مجتمع راشد وقوي ومتماسك.
وبيّن أن لفظة الرشد تأتي أحياناً بمعنى الهدى في مقابل الضلال كقوله تعالى: ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ﴾[4] . وأحياناً تأتي بمعنى التصرف بحكمة وتعقل في مقابل السفه وهو ما يعني عدم التصرف بحكمة وضعف التدبير كقوله تعالى: ﴿وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً﴾[5] أي التصرف بحكمة وتدبر وتعقل واتزان في مقابل السفه كما في قوله تعالى: ﴿وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ﴾[6] لأنهم لا يحسنون التصرف فيها.
وأكد سماحته أن من أهم سمات المجتمع الراشد هو انتشار العلم والوعي في المجتمع، وأن يكون له رؤية واضحة، وأن تكون له أهداف محددة.
وأضاف قائلاً: إن حسن التصرف نجاه الأحداث المستجدة، واتخاذ المواقف الملائمة البعيدة عن الانفعالات المتشنجة والمستندة إلى العقل والحكمة من سمات المجتمع الراشد.
وشدد سماحته في ختام خطبته على أهمية الوعي في فهم متغيرات العصر وإدراك التحديات الكبيرة التي تواجه المجتمع، وعدم الانشغال بسفاسف الأمور وصغائرها، والتركيز على القضايا الأساسية والمهمة.