الشيخ د. عبدالله اليوسف أثناء إلقاء كلمته (أرشيف)
|
تحدث سماحة الشيخ الدكتور عبدالله أحمد اليوسف في ليلة الثلاثاء 8 محرم الحرام 1435هـ الموافق 12 نوفمبر 2013م في جامع الرسول الأعظم بصفوى عما قدمته ثورة الإمام الحسين من قيم ومبادىء في مجال الحقوق الإنسانية، حيث ساهمت هذه الثورة الحسينية في تأسيس وتأصيل حقوق الإنسان الرئيسة مستدلاً على ذلك بخطب وكلمات الإمام الحسين في كربلاء والتي تركز على تلك المبادىء والقيم.
وأضاف سماحته قائلاً: لقد كرم لله سبحانه وتعالى الإنسان، واعتبره الكائن المفضل على سائر المخلوقات، يقول تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ﴾ وقد كرمه الله عز وجل بأن وهبه العقل، والرزق، والقدرة على التنقل في البر والبحر؛ كل ذلك من أجل أن يعيش الإنسان حراً كريماً.
معتبراً أن من أجلى وأوضح صور التكريم للإنسان هو الحفاظ على كرامته الإنسانية، وحفظ حقوقه المادية والمعنوية، وحرمة مصادرة أو سلب أي حق من حقوقه المشروعة، من قبل أي جهة أتى هذا الانتهاك للكرامة الإنسانية.
وأكد على أن الإسلام لم يكتف بالوصايا والتعاليم الدينية التي تحث على وجوب احترام الإنسان، وحفظ حقوقه، بل سنّ مجموعة كبيرة من التشريعات لحماية حقوق الإنسان، ووجوب إعطائه كل الحقوق المشروعة، وحرمة التعدي أو التجاوز على أي حق من تلك الحقوق الإنسانية.
وأشار إلى أنه يوجد في القرآن الكريم حوالي 200 آية تشير إلى حقوق الإنسان في الإسلام، والتي تتجاوز المئة حق، كما يوجد في القرآن الكريم 20 آية تشير إلى تكريم الإنسان وحفظ الكرامة الإنسانية.
وقال سماحته: عندما نتمعن في كلمات وخطب وشعارات الإمام الحسين في كربلاء فسنجد أنها تركز بقوة على حقوق الإنسان الأساسية باعتبارها تشكل محور كرامة الإنسان، ووجوب ضمان حقوقه وحرياته الرئيسة.
وبيّن الشيخ اليوسف أن من أهم هذه الحقوق التي أشار إليها الإمام الحسين في كلماته هي حفظ الكرامة الإنسانية؛ إذ أن من أهم الحقوق الأساسية للإنسان هو الحفاظ على كرامته الإنسانية، وعدم جواز المس بها، أو التعدي عليها، أو الحط منها، سواء كان بالفعل أو القول.
وقد ركز الإمام الحسين في نهضته الإصلاحية على صيانة الكرامة الإنسانية، ورفض العبودية، وتفضيل الموت بعز على الحياة بذل وامتهان للكرامة، يقول : (( ألا وإن الدعي ابن الدعي، قد ركز بين اثنتين : بين السلة والذلة، وهيهات منا الذلة، يأبى الله ذلك لنا، ورسوله، والمؤمنون، وحجور طابت وطهرت، وأنوف حمية، ونفوس أبية من أن تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام )) فالإمام الحسين رفض أن يعيش خاضعاً ذليلاً من دون التمتع بالكرامة الإنسانية التي وهبها لله تعالى للإنسان، وقرر اختيار طريق الشهادة من أجل الحفاظ على الكرامة الإنسانية، وإصلاح حال الأمة، حيث قال : (( إني ما خرجت أشراً، ولا بطراً، ولا مفسداً، ولا ظالماً؛ إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف، وأنهى عن المنكر )).
ثم تطرق سماحة الشيخ اليوسف إلى حق العيش بحرية في الحياة، فالتمتع بالحريات العامة، والحريات الخاصة من أبرز وأهم حقوق الإنسان، ويدخل في هذا الحق: حق المعتقد، وحق الرأي والتعبير عنه.
وقد أشار الإمام الحسين إلى وجوب التمتع بالحرية بل وطالب أعداءه أن يعيشوا أحراراً في دنياهم مخاطباً إياهم بالقول: (( إن لم يكن لكم دين، وكنتم لا تخافون المعاد، فكونوا أحراراً في دنياكم)) وهذا النص يشير إلى تركيز الإمام على قيمة الحرية، فالإنسان الحر يجب أن يعيش حراً في الدنيا حتى وإن لم يكن له دين؛ لأن الحرية بنفسها مطلوبة، ويشعر الإنسان بها بقيمته الإنسانية.
وبعد ذلك تحدث سماحته عن حق المساواة بين الناس بلا تمييز عنصري أو طائفي أو عرقي؛ فقد خلق الله سبحانه وتعالى الناس جميعاً من تراب، ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ ﴾ ولذلك لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأبيض على أسود؛ إلا بالتقوى والعمل الصالح.
مبيناً سماحته أن ما تعانيه بعض المجتمعات في عالم اليوم من مشاكل مزمنة يعود -في جزء منها- إلى انتشار المحسوبيات في الحياة العامة، وانعدام تكافؤ الفرص بين الناس ، والتمييز على أسس مختلفة، مما يؤدي إلى تأخر المجتمع، وغياب العدالة الاجتماعية.
وأوضح سماحته أن لمساواة تعني ـ فيما تعنيه ـ رفض التمييز على أسس عنصرية أو عرقية أو مذهبية أو ما أشبه ذلك، فالتنوع العرقي واللغوي والقبلي والقومي كلها تدخل ضمن وحدة الأصل الإنساني الذي نصَّ عليه القرآن الكريم بقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ فالفخر والتفاضل إنما يكون بالتقوى، وليس بالنسب أو العرق أو القبيلة أو غير ذلك من أشكال الفروق الطبيعية بين البشر.
وبيّن سماحته أننا نجد في سيرة الإمام الحسين في يوم كربلاء أنه ركز على هذه القيمة الإنسانية عندما وضع خده الشريف على خد جون العبد الأسود الذي كان مولى لأبي ذر الغفاري، وعلى خد الغلام التركي واضح بن أسلم، وهو نفس الفعل الذي فعله مع فلذة كبده علي الأكبر الذي كان قمة في الجمال وآية في الكمال؛ ليؤكد على قيمة المساواة بين الناس بالنظر إلى الجانب الإنساني، وهو ما يجب الاستفادة منه في واقعنا الاجتماعي بما يساعد على تعزيز هذه القيمة الإنسانية المستخلصة من ثورة الإمام الحسين .
ثم ركز سماحة الشيخ اليوسف على ما يجب علينا أن نستلهمه من سيرة الإمام الحسين في يوم كربلاء ومسؤولياتنا كأفراد ومجتمعات تجاه مسألة حقوق الإنسان، ولخصها أولاً في تنمية الثقافة الحقوقية، لأنه من المهم للغاية أن نطلع على المواثيق والإعلانات المحلية والدولية التي تتناول مسألة حقوق الإنسان، بما ينمي الثقافة الحقوقية عند الأفراد والمجتمعات.
واعتبر سماحته أن أهم ما صدر من وثائق عن حقوق الإنسان هي وثيقة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 10/12/1948م، وكان هذا الإعلان قد اقتبس قواعده من إعلانات سابقة، ابتداء من قيام الثورة الفرنسية سنة 1789م، التي أعلنت وثيقة حقوق الإنسان باعترافها بالحقوق الطبيعية للفرد، ثم تلتها دساتير الدول الشرقية والغربية، حتى شمل اليوم جميع الدول المعاصرة الأعضاء في الأمم المتحدة، بأن نصت على حقوق الإنسان في دساتيرها حسب منهاجها الذي تنتهجه.
وأوضح أن الإنسان يحتاج من أجل تنمية ثقافته الحقوقية إلى الاطلاع وقراءة المواثيق والإعلانات المختلفة التي تتناول مسألة حقوق الإنسان، كما أن من المهم قراءة بعض الكتب التي كتبها العلماء والفقهاء حول مسألة حقوق الإنسان لمعرفة الرأي الشرعي تجاهها، ومعرفة الأدلة على وجوب احترام الإنسان من الكتاب والسنة والإجماع والعقل.
وأشار سماحته إلى أهمية ومشروعية المطالبة بالحقوق المشروعة، لأن الإسلام اعتبر (حقوق الإنسان) ضرورة إنسانية لا غنى لحياة الإنسان بدونها، ومن ثم لا يجوز لأحد أن يصادرها، كما أنه لا يجوز لأحد أن يتنازل عن حقوقه المشروعة؛ لأن في التنازل يفقد الإنسان إنسانيته ويخسر كرامته ككائن حضاري متميز.
وختم سماحة الشيخ عبدالله اليوسف كلمته بضرورة احترام الناس لحقوق بعضهم البعض، لأن احترامها أمر مطلوب شرعاً وعقلاً، فلا يجوز انتهاك الحقوق المشروعة من أي جهة كان، بل يجب احترام الحقوق، وأداء الواجبات.
وأوضح أنه كما لا يجوز للسلطات في أي بلد انتهاك حقوق الناس، كذلك لا يجوز أن ينتهك الناس حقوق بعضهم البعض، من خلال الاستيلاء على أملاك الآخرين، أو التعدي على أموالهم، أو النيل من كراماتهم، أو الحط من هويتهم الدينية أو الثقافية.
وأشار أن الواجب يتطلب أن يحترم الناس حقوق بعضهم البعض، وأن يتعاونوا على البر والتقوى كما يقول تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾.
مبيناً أن ثورة الإمام الحسين إنما كانت من أجل تحقيق العدل، ورفض الظلم، وقد أسست وأصلت لمبادئ وقيم حقوق الإنسان، وأصبحت هذه الثورة مدرسة لتعليم وتنمية الثقافة الحقوقية المستمدة من قيم الإسلام وأحكامه.
مؤكداً على أن الإمام الحسين إنما قام من أجل الإصلاح، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإحياء السنة، وإماتة البدعة، والوقوف بوجه الظلم، والعمل على تطبيق حكم الله في الحياة، والتمتع بالحريات العامة، وإرساء قيم العدل والحق والسلام، وتعزيز وصيانة وحفظ الكرامة الإنسانية، وتجذير الأخلاق الإسلامية في المجتمع.