الشيخ عبدالله اليوسف متحدثاً إلى الحضور (أرشيف)
|
تحدث سماحة الشيخ الدكتور عبدالله أحمد اليوسف في حسينية الناصر بسيهات في حفل ميلاد الرسول الأعظم في ليلة الأحد 17 ربيع الأول 1435هـ الموافق 18 يناير 2014م عن تعامل الرسول الأكرم مع جيل الشباب، وضرورة الاقتداء به في هذا الجانب المهم بالسير على نهجه الحكيم، إذ يجب على الواعين من الأمة إعطاء المزيد من الاهتمام بالجيل الجديد من الشباب؛ حيث يشكل الشباب أكثر من ثلثي المجتمع، وهو ما يلقِي مسؤولية كبيرة على الجميع من أجل الاستفادة من طاقات ومواهب وإمكانيات وإبداعات الشباب.
وأضاف سماحته قائلاً: إن جيل الشباب اليوم يواجه تحديات كبيرة، وضغوطات نفسية واجتماعية وثقافية وإعلامية واقتصادية وأخلاقية، وهو ما يتطلب توفير البدائل، وتقديم برامج إبداعية لكسب الشباب نحو القيم الدينية والأخلاقية.
وأوضح سماحته أن الشباب كان لهم دور رئيس ومهم في الالتفاف حول الرسول الأكرم ، ودعم ما جاء به ، والدعوة إليه، والدفاع عنه. كما كان للرسول اهتمام خاص برعاية الشباب وتربيتهم وإعدادهم لتحمل المسؤوليات الكبيرة والصعبة.
وبيّن سماحة الشيخ اليوسف القواعد التي اتبعها الرسول الأكرم في التعامل مع الشباب، والتي منها: التربية المتوازنة القائمة على الموازنة بين العاطفة والعقل، والروح والجسد، والعلم والعمل، والدنيا والآخرة.
وشدد سماحته على أهمية أن نتصرف بتوازن في حياتنا، وأن نتعود على النظرة المتوازنة في كل شيء، وأن نتوخى التوازن في السلوك والمواقف والاتجاهات والأقوال والأفعال.
ثم تحدث سماحته عن القاعدة الثانية في تعامل الرسول مع الشباب وهي قاعدة الرفق بالشباب، حيث تعامل الرسول الأكرم برحمة ورأفة ولين ورفق مع الشباب، وهذا مما زاد في إعجاب الشباب بالنبي ، والتفافهم حوله، وقد مدح القرآن الكريم تعامل النبي مع الناس باللين والرفق، يقول تعالى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾
وقد كان النبي يحث على الرفق، فقد روي عنه قوله : (( إن الرفق لم يوضع على شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه )).
ولفت سماحته إلى أن الرفق واللين ينبغي أن يكون الأساس في التعامل مع الشباب، خصوصاً الذين لديهم القابلية للصلاح والتغيير من أجل كسبهم نحو الدين، وتحويلهم إلى طاقات إيجابية لخدمة الدين والمجتمع.
ثم ذكر القاعدة الثالثة في تعامل الرسول الأكرم مع الشباب وهي قاعدة صناعة الثقة في شخصيات الشباب، فالقارىء بتمعن لسيرة النبي يلاحظ أنه قد عمل على صنع ثقة الشباب بأنفسهم، فقد قام بإعطاء الشباب الكثير من المسؤوليات الكبيرة والمهمة، مما أدى لزيادة الثقة بأنفسهم، وتنمية إرادتهم، وهو الأمر الذي ساهم في تحقيق الكثير من الأهداف الكبيرة على أيديهم.
والأمثلة على تولية الرسول للشباب مسؤوليات كبيرة ومهمة عديدة: كبعثه لمصعب بن عمير للمدينة المنورة لنشر الإسلام فيها، وكان في ريعان شبابه، وقد استطاع إقناع الكثير من الناس بالإسلام. وفي أواخر حياة الرسول الأكرم جهز جيشاً لقتال الروم، وعين له قائداً شاباً هو أسامة بن زيد وعقد له لواء القيادة وخوله إمارة الجيش وهو ابن ثمان عشرة سنة. وبعد فتح مكة المكرمة بفترة وجيزة جهز جيشاً، واضطر للخروج معه والتوجه نحو جبهة القتال، فعين قائداً لمكة فترة غيابه، وقد وقع اختياره من بين جميع المسلمين على شاب لم يتجاوز الواحد والعشرين عاماً من عمره، وهو ( عتاب بن أسيد ) وأمره بالصلاة بالناس جماعة، وإدارة شؤون مكة المكرمة.
واعتبر سماحته أن هذه الأمثلة التاريخية من السيرة النبوية المباركة توضح لنا كيف أن الرسول الأكرم قد أتقن توظيف طاقات الشباب الخلاقة، واستطاع أن يزرع في نفوسهم الثقة بالنفس، والإرادة القوية، والعزيمة والإصرار ... مما جعلهم يقومون بأدوار كبيرة، ويتحملون مسؤوليات خطيرة ومهمة وصعبة.
وطالب سماحة الشيخ الدكتور عبدالله اليوسف بالاستفادة من تجربة الرسول الأكرم مع الشباب، وتعامله الحكيم معهم، حيث استطاع أن يربي جيلاً مؤمناً وملتزماً بتعاليم وقيم الإسلام، وكان لهذه الطليعة المؤمنة ـ فيما بعد ـ دور مهم ومؤثر في التبليغ للإسلام، ونشر مفاهيمه وقيمه ومثله وأخلاقه بين الناس.
وهكذا، يجب على كل قائد ومصلح وزعيم أن يعمل على كسب الشباب، وتوظيف طاقاتهم الخلاقة فيما يخدم المجتمع والأمة، واستثمار مواهبهم الإبداعية في التطوير والتقدم والازدهار والبناء والتنمية الشاملة.
وختم كلمته قائلاً: من الضروري العمل بجد وإخلاص من أجل استقطاب الشباب نحو التدين، وإنماء القيم الأخلاقية لديهم، وتقوية البنية الثقافية والعلمية عندهم؛ وتزداد المسؤولية عندما نعلم بما يواجهه شباب اليوم من حملات موجهة ومخططة من قبل وسائل الإعلام العالمي الفاسد، وشبكات الفساد والإفساد، ومافيا المخدرات العابرة للقارات .. وكلها تهدف إلى إفساد الشباب المسلم أخلاقياً، وإبعاده عن دينه وقيمه وأخلاقه، ونشر التحلل الأخلاقي، وإضعاف الروح الدينية عند الجيل الجديد.
ولذلك يجب على كل قادر من العلماء والمصلحين والمفكرين وغيرهم العمل بكل ما يمكن من أجل الاهتمام بقضايا وشؤون الشباب، والمساهمة في حل مشاكلهم وقضاياهم، وتوفير البدائل من البرامج المفيدة والنافعة، والانفتاح على الشباب غير الملتزم التزاماً كاملاً بالدين من أجل التأثير عليهم إيجابياً، وتوظيف طاقات الشباب وإمكاناتهم ومواهبهم في العمل الإيجابي والنافع بما يخدم الدين والأمة والمجتمع.