يعد عهد الإمام علي لواليه على مصر مالك الأشتر وثيقة دستورية مهمة، حيث بيَّن فيه الإمام واجبات الوالي (الحاكم) كالتلطف بالرعية، والإحسان إليهم، والتفرغ والاهتمام بذوي الحاجات، وتقديم الخدمات للأمة، وتخفيف تكاليف المعيشة عن الناس، وإقامة الفرائض، ومراقبة الخاصة والبطانة (الحاشية)، والاطلاع المباشر على شؤون الناس، وتنحية بطانة السوء ... وغيرها من واجبات ومسؤوليات الوالي.
ثم أشار الإمام إلى الموظفين في الدولة، وضرورة اختيار الأكفأ للعمل، وإسباغ الأرزاق عليهم، ومراقبة أعمالهم وحسن تصرفهم، ومعاقبة الخائن والمقصر منهم.
أما فيما يخص القضاء فأشار الإمام علي إلى اهمية اختيار القضاة المؤهلين للقضاء، وتدقيق الأحكام حتى لا يظلم أحد، وتنفيذ الأحكام الصادرة من القضاة، واستقلال المحاكم.
وفي الجانب العسكري بيَّن أمير المؤمنين اختيار القادة العسكريين بعناية، وتفقد رؤساء الجند، وتكريم المحسن منهم، والوفاء بالعهد، والتحذير من سفك الدماء بغير حق.
وأوضح الإمام علي في عهده لمالك الأشتر إلى أهمية معرفة طبقات وشرائح المجتمع، وخصائص كل شريحة وطبقة، وحسن التعامل مع الجميع، والاهتمام بإنعاش الاقتصاد، وعمارة الأرض، والمحافظة على الأموال العامة، وتشجيع التجار على العمل التجاري النافع، ومحاربة الاحتكار، وضمان الحقوق المالية (الضمان الاجتماعي) للفقراء والمساكين والمحتاجين.
وهكذا نجد أن الإمام علياً قد وضع دستوراً كاملاً للدولة الإسلامية، ولذلك أصبح هذا العهد محل اهتمام الباحثين والمؤرخين والكُتَّاب، وقد تم شرحه عدة مرات، مع مقارنته بدساتير الدول المتقدمة المعاصرة، وترجم بعضها إلى عدة لغات، لأنه أرقى وأشمل وأدق العهود التي صدرت في تاريخ الإسلام.