كرّم لله سبحانه وتعالى الإنسان، واعتبره الكائن المفضل على سائر المخلوقات، يقول تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ﴾[1] وقد كرمه الله عز وجل بأن وهبه العقل، والرزق، والقدرة على التنقل في البر والبحر؛ كل ذلك من أجل أن يعيش الإنسان حراً كريماً.
ومن أجلى صور التكريم للإنسان هو الحفاظ على كرامته الإنسانية، وحفظ حقوقه المادية والمعنوية، وحرمة مصادرة أو سلب أي حق من حقوقه المشروعة، وعدم جواز الاعتداء والعدوان من قبل أي جهة أتى هذا الانتهاك للحقوق الإنسانية المحترمة، لأنه يؤدي إلى سلب أو انتقاص الكرامة الإنسانية.
ولم يكتفِ الإسلام بالوصايا والتعاليم الدينية التي تحث على وجوب احترام الإنسان، وحفظ حقوقه، بل سنّ مجموعة كبيرة من التشريعات لحماية حقوق الإنسان، ووجوب إعطائه كل الحقوق المشروعة، وحرمة التعدي أو التجاوز على أي حق من تلك الحقوق.
وفي القرآن الكريم حوالي 200 آية تشير إلى حقوق الإنسان في الإسلام، والتي تتجاوز المئة حق، في حين أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 10- 12- 1948م يحتوي على 29 مادة مدونة فيه الحقوق الأساسية للإنسان.
أما في السنة النبوية وأقوال أئمة أهل البيت الأطهار فقد ورد من النصوص والروايات حول حقوق الإنسان الشيء الكثير، فقد روي عن رسول الله أنه قال: ((كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه))[ 2] ويشير هذا النص إلى أنه يجب احترام حقوق الإنسان المادية كجسده وماله، واحترام حقوقه المعنوية ككرامته وحريته وفكره.
وحتى يتمتع الإنسان بحقوقه فلابد من وجود نظام قائم على العدل والعدالة الاجتماعية، وقد أمر الله تعالى بالعدل في الحكم ونهى عن الظلم، ففي القرآن الكريم ورد العدل في أربع وخمسين آية توزعت بين العدل والقسط والقسطاس.
ونهى عن الظلم، وتوعد الظالمين بالعذاب، في ثلاث مئة وعشرين آية، وفيها إشارات إلى أن الظالم منبوذ عند الله تعالى ومكروه، وعاقبته سيئة في الدنيا والآخرة.
وعندما نتمعن في كلمات وخطب وشعارات الإمام الحسين في كربلاء فسنجد أنها تركز على حقوق الإنسان الأساسية باعتبارها تشكل محور كرامة الإنسان، وضمان حقوقه وحرياته الرئيسة.
ومن أهم هذه الحقوق التي أشار إليها الإمام الحسين في خطبه وكلماته هو تأصيل وحفظ وتعزيز مبدأ الكرامة الإنسانية.
إذ أن من أهم الحقوق الأساسية للإنسان هو الحفاظ على كرامته الإنسانية، وعدم جواز المس بها، أو التعدي عليها، أو الحط منها، سواء كان بالفعل أو القول.
وإذا نظرنا إلى وثيقة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فإننا نجدها تشير في ديباجتها إلى الاعتراف بالكرامة المتأصلة في بني الإنسان، وبحقوقهم المتكافئة الثابتة كأساس للحرية والعدالة والسلام، وإن البشرية تريد عالماً ينعم فيه الفرد، كإنسان، بحرية القول والرأي، ويتحرر من الخوف والعوز، وأنه من الضروري أن يتولى القانون حماية حقوق الإنسان حتى لا ينتهي به الأمر إلى التمرد على الاستبداد والظلم.
وأضافت ديباجة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بأن شعوب الأمم المتحدة قد أكدت في ميثاق الأمم المتحدة الصادر في 26- 6- 1945م، إيمانها بحقوق الإنسان الأساسية، وكرامة الفرد وقيمته، وبما للرجال من حقوق متساوية، وحزمت أمرها على أن تدفع بالرقي الاجتماعي قدماً، وأن تدفع مستوى العيش في ظل حرية شاملة، وأن الدول الأعضاء قد قطعت على نفسها عهداً بأن تكفل بالتعاون مع الأمم المتحدة احترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية.
ثم تنص المادة الأولى من الإعلان أن الناس يولدون متساوين في الكرامة والحقوق، وقد وُهبوا عقلاً وضميراً، وعليهم أن يعامل بعضهم بعضاً بروح الإخاء، كما تذكر المادة الثانية أن لكل إنسان أن يتمتع بالحقوق والحريات الواردة في الإعلان دون أي تمييز، لا سيما في الجنس أو اللون أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو الميلاد أو أي وضع آخر.
وقد ركز الإمام الحسين في نهضته الإصلاحية على صيانة الكرامة الإنسانية، ورفض العبودية، وتفضيل الموت بعز على الحياة بذل وامتهان للكرامة، يقول : (( ألا وإن الدعي ابن الدعي، قد ركز بين اثنتين : بين السلة والذلة، وهيهات منا الذلة، يأبى الله ذلك لنا، ورسوله، والمؤمنون، وحجور طابت وطهرت، وأنوف حمية، ونفوس أبية من أن تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام ))[ 3] فالإمام الحسين يرفض أن يعيش خاضعاً للطغاة من دون التمتع بالكرامة الإنسانية التي وهبها لله تعالى للإنسان، وقرر اختيار طريق الشهادة من أجل الحفاظ على الكرامة الإنسانية، وإصلاح حال الأمة، حيث قال : (( إني ما خرجت أشراً، ولا بطراً، ولا مفسداً، ولا ظالماً؛ إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف، وأنهى عن المنكر ))[ 4] .
ويقول الإمام الحسين أيضاً في وضع آخر: (( لا.. والله، لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل، ولا أفر فرار العبيد))[ 5] فالإمام الحسين فضّل الموت بعز وكرامة على الحياة بذل وامتهان للكرامة الإنسانية؛ لأن الإنسان بدون الحفاظ على كرامته يفقد قيمته الإنسانية.
[1] سورة الإسراء، الآية: 70.
[ 2] منية المريد، الشهيد الثاني، ص 327. صحيح مسلم، ج8، باب: النهي عن الفحشاء والتهاجر.
[ 3] اللهوف في قتلى الطفوف، السيد ابن طاووس الحسيني، مطبعة مهر، قم، الطبعة الأولى 1417هـ ، ص59 .
[ 4] بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 44، ص 329، وكتاب الفتوح، أحمد بن أعثم الكوفي، دار الندوة الجديدة، بيروت، ج 5، ص 33.
[ 5] الإرشاد، الشيخ المفيد، ج2، ص98.