سماحة الشيخ عبدالله اليوسف أثناء إلقاء خطبته على المصلين
|
تحدث سماحة الشيخ الدكتور عبد الله اليوسف في خطبة العيد التي ألقاها في مسجد الرسول الأعظم بالحلة في محافظة القطيف غرة شهر شوال ١٤٣٨ه الموافق 26 يونيو 2017م، عن أهمية التسامح والاعتدال كقيمة من القيم الإسلامية التي حثّ عليها الشرع والعقل.
وقال سماحة الشيخ اليوسف أن التسامح يعد فضيلة من فضائل الإسلام وقيمة أخلاقية من أخلاق الإسلام، أكدت عليها التعاليم والوصايا الإسلامية في الكثير من النصوص الدينية في القرآن الكريم والسنة الشريفة.
وشدد سماحته على أن التسامح ليس واجباً شرعياً وحسب؛ بل هو ضرورة واقعية وحاجة اجتماعية، فالإنسان لا يستطيع أن يعيش ضمن مجتمعه من غير أن يصبح متسامحاً مع الآخرين، كما أن المجتمعات الإنسانية لا يمكنها أن تُبنى إلا على التسامح والمحبة بين مكوناتها الأساسية.
وأضاف سماحته: ولأن البشر يختلفون في أفكارهم، ومعتقداتهم، ومذاهبهم، وأديانهم، وآرائهم، وفي كثير من الأمور الأخرى، فإنهم يحتاجون إلى التحلي بقيم وثقافة التسامح خصوصاً المجتمعات الإسلامية التي تعاني من حالة الاحتقان المذهبي والطائفي والتشنج الديني حيث تحتاج إلى تعزيز روح التسامح والاعتدال بين مكوناتها المختلفة، فلا يمكن لمجتمع من المجتمعات أن يعيش بسلام واستقرار دون مبدأ المسامحة والسلام والمحبة؛ كما نصت عليه الآية الكريمة في قوله تعالى: ﴿فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾ فالصفح والتجاوز عن أخطاء المسيئين يخلق البيئة المناسبة للسلام والتعايش الاجتماعي.
وأكد سماحته على أن يوم العيد هو يوم إظهار الفرح والسرور ومن أبرز مظاهره وتجلياته هو التسامح والعفو والصفح والتواصل مع الآخرين، كما أن قول (السلام عليكم) هو شعار الإسلام، فالمسلم عندما يلقى أخاه المسلم يبدأه بالسلام، وفي الثقافة العربية حتى ما قبل الإسلام اعتاد العرب فيما بينهم بإلقاء التحية والسلام عند الدخول على الآخرين وحين مغادرتهم، وقد أقر الإسلام هذا الشعار الجميل وأكد عليه.
وشدد سماحته على أننا اليوم بحاجة إلى تعزيز هذه المفاهيم الدينية كمفهوم التسامح والتعايش بين الناس لزرع المحبة والمودة بينهم بدلاً من الكراهية والتعصب والتشدد، فالتسامح ليس ترفاً وليس شيئاً كمالياً وإنما هو حاجة وضرورة للتعايش بين الناس كما جاء في قول الإمام الباقر ( ع): «صَلاحُ شَأنِ الناسِ التَّعايُشُ والتَّعاشُرُ ».
ولفت سماحته إلى أن الناس يحتاجون إلى التعايش والتعاشر والتسامح فيما بينهم رغم اختلاف مذاهبهم وثقافاتهم وأديانهم لينعموا ويعيشوا بسلام ومحبة ومودة، حتى أولئك الذين لا يعرفون أهمية التسامح سيعلمون لاحقاً -ولو بعد حين- أن التسامح حاجة ماسة وأساسية في حياة المجتمعات الإنسانية.
وأشار سماحته إلى أن هناك الكثير من التعاريف التي تتحدث عن مفهوم التسامح، ويمكن تعريفه على الصعيد الفردي والاجتماعي بأنه التواصل والاحترام فيما بين أفراد المجتمع رغم اختلافهم، والسهولة في التعامل الاجتماعي مع الآخرين، وتفعيل منظومة الأخلاق بين مختلف المكونات الاجتماعية من خلال التعاون والتآلف والتعايش.
وأوضح سماحته بعض العلامات والصفات التي يتميز بها الإنسان المتسامح بعكس الآخر غير المتسامح، ومنها أن الشخص المتسامح لا يختزن في ذاكرته المشاعر السلبية تجاه الآخرين، بل تبرز لديه المشاعر الإيجابية وتكون واضحة في تعابيره وتصرفاته وجمال أسلوبه وحسن تعامله مع الآخرين؛ على نقيض الشخص غير المتسامح حيث تجده إنساناً متشدداً ومتعصباً وغير مرن وصعب في التعامل، ولا يمكن أن يمحو السلبيات من ذاكرته حتى تتحول هذه الحالة إلى كراهية وعداوة ثم إلى سلوك انتقامي وهنا مكمن الخطورة.
وحث سماحته على التحلي بصفة التسامح الحميدة، والمبادرة بالزيارة والتواصل مع من حولنا في يوم العيد وخصوصاً مع وجود جفاف في العلاقة أو سوء فهم أو انعدام للتسامح، وعلى كل واحد منا أن يبدأ بنفسه في التزين بالتسامح، بأن يتسامح الزوج مع زوجته والزوجة مع زوجها والأخ مع أخيه والجار مع جاره والصديق مع صديقه والأقرباء مع أقربائهم وأرحامهم.
واعتبر سماحته أن يوم العيد هو يوم المحبة ويوم التزاور والتراحم والتواصل والانفتاح بين الناس مع بعضهم البعض، فيجب علينا أن نعفو ونتسامح ونمحو أشرطة الذكريات السلبية وسجلات العداوة من أرشيف ذاكرتنا وحياتنا، فليس من اللائق أن يعادي المؤمن أخاه المؤمن، أو القريب قريبه... فالإسلام يدعو إلى التسامح والتعايش حتى مع غير المسلمين من الكفار المسالمين رغم اختلاف أديانهم، فكيف بالمسلمين فيما بينهم وهم على دين واحد.
وأوضح سماحته أن الإسلام منظومة أخلاقية متكاملة تدعو إلى اللين والشفقة والعفو والصفح والحلم والتراحم والتزاور، ومجموع هذه المنظومة تعبر عن روح التسامح والتعايش.
واستطرد قائلاً: إذا كان الله سبحانه وتعالى يعفو عن ذنوبنا ويغفر لكل من تاب و(أن التائب من الذنب كمن لا ذنب له) كما ورد في الحديث الشريف، فكيف بنا نحن عبيد الله ألا نتسامح ونعفو ونصفح عن بعضنا البعض؟ ونغفر ونتغاضى عن زلات الآخرين وعثراتهم؟!
وختم سماحته خطبة العيد داعياً وسائلاً الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا جميعاً أخلاق وقيم الإسلام قولاً وفعلاً وسلوكاً، وأن نطبق مفهوم وثقافة التسامح في حياتنا ومجتمعاتنا بعيداً عن خطاب الكراهية والتعصب واللاتسامح.