إن من أبرز سمات رسول الله سمة البركة والخير على هذه الأمة؛ بل هو أكبر وأعظم بركة على الإنسانية جمعاء، فقد روي عنه أنه قال: «جُعِلَ فِيَ النُّبُوَّةُ وَالبَرَكَةُ»[1] . وعن الإمام الباقر عليه السلام في وَصفِ رَسول اللّهِ (ص، قال: «كانَ عليه السلام بَرَكَةً؛ لا يَكادُ يُكَلِّمُ أحَداً إلّا أجابَهُ»[2] .
وفي تفسير قوله تعالى: ﴿وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ﴾[3] أي «جَعَلَني نَفّاعا أينَ اتَّجَهتُ»[4] ، كما روي عن الرسول الأكرم .
وعن أبي عبد الله الصادق في تفسير نفس الآية السابقة، قال: «نفاعا»ً[5] . أي مفيداً ونافعاً للناس.
ونقل العلامة المجلسي أقوال بعض المفسرين في تفسير الآية المباركة؛ قال البيضاوي: نفاعاً معلم الخير، وقال الطبرسي: أي جعلني معلماً للخير، وعن مجاهد وقيل: نفاعاً حثميا توجهت، والبركة نماء الخير، والمبارك الذي ينمى الخير به، وقيل: ثابتاً دائماً على الإيمان والطاعة، وأصل البركة الثبوت عن الجبائي[6] .
وعَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: « بُورِكَ لِبَيْتٍ فِيهِ مُحَمَّدٌ، وَ مَجْلِسٍ فِيهِ مُحَمَّدٌ، وَ رِفْقَةٍ فِيهَا مُحَمَّدٌ»[7] . وعنه قال: «مَن وُلِدَ لَهُ مَولودٌ ذَكَرٌ فَسَمّاهُ مُحَمَّدا حُبّا لي وتَبَرُّكا بِاسمي، كانَ هُوَ ومَولودُهُ فِي الجَنَّةِ»[8] . وعن الإمام الباقر في إشارة إلى رَسول اللّهِ ، قال: «الطَّيِّبُ ذِكرُهُ، وَالمُبارَكُ اسمُهُ؛ مُحَمَّدٌ صلى اللّه عليه وآله، المُصطَفَى المُرتَضى، ورَسولُهُ النَّبِيُ الامِّيُّ»[9] ، فكل شيء يستمد اسمه من (محمد) فهو مبارك؛ بشرط أن يكون ذلك تيمناً وتبركاً بالنبي محمد .
سجلت لنا كتب الحديث والسيرة والتاريخ شواهد وأمثلة كثيرة من بركات الرسول الأكرم في جوانب متعددة، والتي منها:
1 ـ تكثيره الطعام الذي لا يشبع أكثر من عشرة أشخاص بحيث أكل منه المهاجرون والأنصار، وكانوا أربعة آلاف وسبعمائة، وكان في الطعام سم فدفع الله غائلته ببركته ( ص )[10] .
2 ـ في طعام وليمة فاطمة (عليها السلام) في ليلة زفافها حتى أكل منه أكثر من أربعة آلاف رجل ولم ينقص من الطعام شيء[11] .
3ـ بركات دراهمه التي كانت اثني عشر درهماً: كسى الله بها عريانين، وأعتق بها نسمة[12] .
4 ـ نزول البركة في تميرات في الحديبية كماء بئرها، ومثلها في غزوة تبوك[13] .
5 ـ نظر النبي إلى نخلة في جانب الدار فقال لصاحبها: يا أبا الهيثم أتأذن لي فيها!
قال: يا رسول الله إنها نخلة فحل، لم تحمل قط شأنك وإياها.
فقال النبي: إن الله تبارك وتعالى جاعل فيها خيراً كثيراً.
ثم قال النبي لعلي: يا علي ائتني بقدح ماء. فأتاه ( علي ) بقدح ( من ) ماء فشربه ( النبي ) ثم مجه ثم رشه على النخلة فتدلت أعذاقاً من بسر ورطب ما شئنا.
فقال النبي : ابدؤا بالخيرات.
قال: فأكلنا وشربنا حتى شبعنا وروينا.
فقال النبي : هذا النعيم الذي تسألون عنه يوم القيامة.
ثم قال لعلي: تزود لمن وراءك لفاطمة والحسن والحسين.
قال زيد بن أرقم: فكنا نسميها نخلة الخيرات[14] . ببركة رسول الله .
6 ـ قال رسول الله لابنته: يا فاطمة أطعمي ابني (الحسن والحسين).
قالت: ما في منزلي إلا بركة رسول الله ، فألقاهما رسول الله بريقه حتى شبعا ورويا وناما[15] .
وموارد وشواهد بركاته وخيراته كثيرة ومتعددة ومتنوعة، وقد رواها المؤرخون في السيرة النبوية الشريفة، وفي الجوامع الحديثية.
وما تتمتع به البشرية من بركات وخيرات إنما يعود الفضل فيها لبركات رسول الله المعنوية والمادية على هذه الأمة المسلمة، وعلى الإنسانية جمعاء.
من لوازم المحبة والمودة لرسول الله الاقتداء به في أن نكون من مصادر الخير والبركة على مجتمعنا وأمتنا، فالمؤمن يجب أن يكون بركة وخيراً على كل من حوله، من أسرته، ومروراً بجيرانه والمحيطين به، وانتهاء بالناس جميعاً.
وحيث أنه في كل مجتمع تبرز لدى بعض الأفراد سمة البركة والخير، فأينما حلوا حلت البركة معهم، فيفيضون على الناس من الخير والبركة؛ وفي المقابل يوجد بعض الأفراد الذين هم مصدر من مصادر الشر والفساد، فأينما حلوا حلّ معهم الشر والفساد.
إن كل من ينفع الناس بجهة من الجهات فهو إنسان مبارك، وكل من يضر بواحد منهم فهو إنسان شؤم ونحس وشر.
وقد وردت العديد من النصوص الحاثة والمحرضة على نفع الناس، وقضاء حوائجهم، ومساعدة المحتاجين منهم، فقد ورد عن رسول اللَّهِ قوله: « خَيرُ النّاسِ مَنِ انتَفَعَ بِهِ النّاسُ»[16] . وعنه ، قال: «خيرُ النّاسِ أنفَعهُمْ للنّاسِ»[17] .
ولمّا سُئلَ : عن أحَبِّ النّاسِ إلى اللَّهِ؟ قال : «أنْفَعُ النّاسِ للنّاسِ»[18] .
وروي عنه أنه قال: «الخَلقُ عِيالُ اللَّهِ، فأحَبُّ الخَلقِ إلى اللَّهِ مَن نَفعَ عِيالَ اللَّهِ، وأدْخَلَ على أهلِ بَيتٍ سُروراً»[19] .
وروي عنه أيضاً أنه قال: «أحَبُّ عِبادِ اللَّهِ إلى اللَّهِ أنْفَعُهُم لِعبادِهِ، وأقْوَمُهُم بحقِّهِ، الّذينَ يُحَبَّبُ إلَيهِمُ المَعروفُ وفِعالُهُ»[20] .
والإنسان المؤمن بركة، لما ورد عن الإمام الباقر أنه قال: «إنّ المُؤمِن بَرَكَةٌ عَلَى المُؤمِنِ»[21] .
فكن أحد هؤلاء الأشخاص المباركين، ممن يتدفق منهم الخير والبركة، لتكون مصداقاً لقوله تعالى: ﴿وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ﴾[22] ، فالإنسان المبارك مصدر للخير والبركة، ونعمة لمجتمعه وربما يتجاوز ذلك ليعم خيره وبركته على الأمة جمعاء.
[1] معاني الأخبار: ص 56 ح 4 عن أبي ذرّ، بحار الأنوار: ج 15 ص 11 ح 12.
[2] الأمالي للصدوق: ص 481 ح 650 عن جابر، بحار الأنوار: ج 22 ص 73 ح 25.
[3] سورة مريم، الآية: 31.
[4] حلية الأولياء: ج 3 ص 25؛ الكافي: ج 2 ص 165 ح 11، بحار الأنوار: ج 14 ص 210 ح 6. الدر المنثور في التفسير المأثور، السيوطي، ج 4، ص 487.
[5] بحار الأنوار، ج71، ص341، ح 126.
[6] بحار الأنوار، ج 71، ص 341.
[7] مكارم الأخلاق: ص 25. بحار الأنوار، ج 16، ص 240.
[8] كنز العمّال: ج 16 ص 422 ح 45223.
[9] اليقين: ص 320 ح 121، بحار الأنوار: ج 23 ص 246 ح 16.
[10] مستدرك سفينة البحار، الشيخ علي النمازي الشاهرودي، ج 1، ص 334.
[11] مستدرك سفينة البحار، الشيخ علي النمازي الشاهرودي، ج 1، ص 334.
[12] مستدرك سفينة البحار، الشيخ علي النمازي الشاهرودي، ج 1، ص 335.
[13] مستدرك سفينة البحار، الشيخ علي النمازي الشاهرودي، ج 1، ص 336.
[14] مناقب الإمام أمير المؤمنين، محمد بن سليمان الكوفي، ج 1، ص 64.
[15] مناقب الإمام أمير المؤمنين، محمد بن سليمان الكوفي، ج 1، ص 64.
[16] الأمالي للصدوق: 73/ 41. مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، الطبرسي: النوري، ج 12، ص77- 78، ح 13562.
[17] الكافي: 2/ 164/ 7.
[18] الكافي: 2/ 164/ 6.
[19] تحف العقول: 49.
[20] مستدرك الوسائل، ج 17، ص 344، رقم 21533.
[21] سورة مريم، الآية: 31.