غلاف كتاب: الشيخ اليوسف: قراءات في السيرة والفكر والمنهج، ط. 1، 1444هـ - 2022م
|
صدر قبل أسابيع عن دار روافد في بيروت ودار بسطة حسن في القطيف كتاب موسوم بـ "الشيخ الدكتور عبد الله أحمد اليوسف: قراءات في السيرة والفكر والمنهج" الطبعة الأولى 1444هـ - 2022م، ويقع في 470 صفحة من الحجم الكبير، من إعداد الأستاذين علي المحمد علي وعماد الهاشم، وهو في ظاهره مسح بيبلوغرافي أو مكتبي، لسيرة وأعمال ونتاج أحد المفكرين السعوديين البارزين في عالم الثقافة الدينية والدراسات الفكرية الإسلامية عالم الدين القطيفي سماحة الشيخ الدكتور عبد الله أحمد اليوسف لكنه غزير بالمعلومات والأفكار والرؤى والمطارحات والقيم والمبادئ الأساسية في مضمار بناء الشخصية الناجحة.
الكتاب ضخم بما يحويه من عدة مباحث قسماها القائمين على الإعداد إلى خمسة فصول ومقدمة وملحق، كما تضمن الكتاب في مستهله تقديم بقلم المفكر الأحسائي سماحة الشيخ الدكتور محمد جواد الخرس وتقريظ شعري للأديب والشاعر العراقي المعروف السيد سلمان آل طعمة.
بالنظر لمضمون هذا الإصدار المميز وما يزخر به من تنوع في المواضيع، والتي تناولت تجربة شخصية ثقافية إسلامية احتفاءً أو منهجاً أو تفكراً، يلح السؤال: ماذا أضاف هذا الإصدار للمكتبة العربية والإسلامية؟ القراءة الأولية للكتاب تعكس إجابة عامة ترتكز على التصور الخلفي لمقاربة هذه التجربة التي رسماها الباحثين الأستاذين علي المحمد علي وعماد الهاشم في التزامين:
الأول: الاكتفاء بالإحصاء والمسح والتنسيق لمسيرة ونشاط وآفاق المفكر والمثقف الديني الشيخ الدكتور عبد الله أحمد اليوسف، والمقصود به "الخصوصية الثقافية للمحتفى به"؛ فهذه القضية تستبطن جهد واجتهاد في استنباط وملاحقة حيثيات تراث ثقافي ضخم لشخصية عرف عنها غزارة الإنتاج والمطالعة والمثابرة في قراءة الأفكار والواقع والخطاب في المشهد والمجال العربي والإسلامي بروح إسلامية منفتحة وذات أخلاق إنسانية حضارية عالية.
الثاني: الخصوصية في ترجمة هذه التجربة للقارئ العربي والمسلم، ومحاولة رسم صورة تقريبية محايدة للمسيرة والفكرة والمنهج لدى الشيخ الدكتور اليوسف، مع تلافي التحيز الثقافي، وترك المجال مفتوحاً أمام القارئ في سياحة فكرية وثقافية وحوارية متنوعة تعكس ملامح المنهج وصفاء المسيرة وجمالية الفكر.
تضمن الكتاب في شقه المدخلي فصلين مع فهرست ومقدمة (للمعدين) مع تقديم وتقريظ خصصا للمسيرة والتجربة والشهادة من قبل شخصيتين لامعتين في عالم الفكر والأدب والتقريظ.
1- تضمن الفصل الأول استعراضاً مختصراً لسيرة المحتفى به سماحة الشيخ الدكتور عبد الله اليوسف ومشيخته وروايته للحديث من طرق متعددة، فصل فيها الأستاذ علي حسن علوان جاسم الجنابي الباحث والنسابة العراقي المعروف، حيث يذكر رواية الشيخ اليوسف للحديث عن أكثر من 26 محدّث من العلماء و روى عنه كذلك 18 راوي، ناهيك عن حضوره في كتب التراجم و الأعلام في دوائر عدة من محافظة القطيف وصولاً للدائرة الكبرى الخليج وعموماً أعلام الفكر والأدب على طول العالم العربي والإسلامي كما يذكر الشيخ كاظم عبود الفتلاوي في كتابه «منتخب أعلام الفكر والأدب»، ليختتم الفصل بقائمة المؤلفات والتي طبع منها ما يربو عن 77 كتاباً وتحت الطبع قرابة 10 كتب، وترجم من مؤلفاته لعشر لغات عالمية لعدة كتب منها.
2-الفصل الثاني جاء ناطقاً بقلم المحتفى به سماحة الشيخ الدكتور عبد الله أحمد اليوسف في تفصيل ثلاثي الحلقات لتجربته الشخصية الثقافية الغنية والمضيئة:
الحلقة الأولى: النشاط الديني والاجتماعي: والتي تضمنت مرتكزات شخصيته ومبادئه الأساسية في الفعل الإجتماعي والدور الثقافي والعبادي الديني، منطلقاً من إمامة الجماعة وصولاً للتواصل الإجتماعي وقاعدة الأخلاق المتينة والحاضرة في كل الفعل والفكر والتطلع مع تنظيم الوقت، دون إغفال ضرورات الانفتاح على الشباب من خلال خيار الخطابة الجماهيرية والكتابة والتحفيز على استقلالية الرأي والحكمة في معالجة الإشكاليات والظواهر والمشكلات بالتي هي أحسن.
الحلقة الثانية: تجليات القراءة: هنا يبحر بك الشيخ الدكتور اليوسف في عالم القراءة بكل نباهة وعمق وإرشاد، فلا عجب من ذلك كونه قارئاً منفتحاً وصاحب باع طويل في بحر القراءة وأعماقه وأمواجه المتلاطمة، حيث اختصر للقارئ قواعد القراءة المثمرة والاستمتاع بكل ما يقرأه كمحطة أساسية في بناء الشخصية المثقفة الناجحة.
الحلقة الثالثة: الكتابة: من أهمية الكتابة يجعلك المحتفى به تنتبه لعدة معاملات استراتيجية في صياغة كتابتك الناجحة فيحدثك عن عشق الكتابة وجدوائيتها ويقفز بك نحو التأليف بين المنهج والأسلوب ويوصيك بعدم هجران الكتابة ليرسم لك أنموذجاً منهجياً في بناء تجربتك الكتابية الناجحة من خلال ثمانية قواعد ذهبية ليختم بأن تتخذ قرارك الذهبي لتصبح كاتباً مميزاً ومؤثراً.
3-الفصل الثالث بمثابة شهادات لثلة من الكتّاب والباحثين ممن لديهم دراية واهتمام واطلاع على نتاج الشيخ الدكتور عبد الله اليوسف، والتي جاءت بمثابة إضاءات عميقة ودقيقة لعدة أوجه في مسيرة ومنهج وأفكار وخصوصيات تجربة المحتفى به، كون التنوع في هذا الفصل يعطي انطباعين: واحد أفقي شمولي و آخر عمودي متميز بمساحات النظر وأنماط المعرفة و آفاق المقاربة.
4-في هذا الفصل ينزل القارئ من العام إلى الخاص في فكر الشيخ الدكتور اليوسف، حيث يتجول من خلال قراءات متعددة ومتنوعة لمؤلفات المحتفى به، ويلاحظ أن هناك بعض الكتب عرفت قراءات عدة وليس قراءة واحدة، والأهم في هذا الفصل أنه يعكس مقروئية هذا الفكر في العالم العربي و الإسلامي، حيث يكتشف القارئ الحصيف مدى حنكة الشيخ الدكتور اليوسف في اختيار وبحث ودراسة الإشكاليات والظواهر والمشكلات والتحديات التي تعرفها مجتمعاتنا العربية والإسلامية بل الإنسانية جمعاء؛ ناهيك عن صنوف المعرفة الحاضرة بقوة من فلسفة وفقه وتفسير وعلوم إنسانية واجتماعية، وأسس تربوية و أدب وصحة وسير وثقافة وحياة من خلال رؤية دينية منفتحة على الله و الإنسان و الكون.
5-الفصل الخامس جاء ثرياً بثقافة الحوار وأدبه وأسسه ومناهجه والتي يجدها القارئ بارزة في الحوارات العشر التي لوحدها تصلح أن تكون كتاباً جديداً للمحتفى به كونها مليئة بجواهر فن الحوار وفق الثقافة الإسلامية، و الممتع في هذا الفصل أنه يغنيك عن التشتت في مطالعتك لأن اللغة واحدة وسهلة ولطيفة في رصد الأفكار وترتيب الأولويات وترشيد الألباب، حيث المباحث في كل حوار تشكل فسيفساء ثقافية إسلامية بخطاب تجديدي منفتح على الآخر والإنسان أساساً، تلهم الفكر ثقافات الحوار والتسامح والعدل والوحدة والتأسي والانفتاح والتعايش؛ وتغني الوعي بماهية الحقوق والواجبات وتحديات الراهن والمستقبل ومركزية الدين في معادلات الإصلاح وغايات الأخلاق في السلام و العدالة والتسامح، كما تنهض بقيمة المرأة و إنسانيتها ودورها المحوري في التربية والتغيير والبناء الحضاري للأمة.
• ملحق الصور: ضمّ عدة صور للشخصية المحتفى بها سماحة الشيخ الدكتور عبد الله أحمد اليوسف وكذا أغلفة أهم مؤلفاته.
أما بعد:
يجمع هذا الإصدار بين ما يعرف في البيبليوغرافيا، بالبييليوغرافيا المنتخبة وبيبليوغرافيا الأفراد، واعتمد المعدين للكتاب استراتيجية "الوصل والتواصل"؛ أي وصل أبعاد الشخصية في تحقيق هدف التواصل لدى القارئ مع هذا الكم من المعلومات عن تجربة الشيخ الدكتور عبد الله أحمد اليوسف الفكرية والثقافية والإجتماعية، و هناك مطمح آخر المتمثل في تطوير دراسات التقصي الفكري والثقافي للأفراد، وقد سعا كلا الباحثين إلى بيان العناصر الأساسية في فكر الشيخ الدكتور اليوسف من خلال الفصول الثاني والثالث والرابع والحوارات لمقاربة الرؤية الحضارية لدى المحتفى به الشيخ الدكتور عبد الله أحمد اليوسف.
يبقى أن ننوه بهذا الفعل الثقافي المميز والمعاصر، كما لابد أن نؤكد على الآتي:
قواعد الصناعة البيبليوغرافية تقتض ي لدى القراء إدراك أن دراسة تجربة الشيخ اليوسف جاءت من أجل ذاته، وليس من أجل توظيفها في معارك إيديولوجية وهمية لا علاقة لها بتطلعات الباحثين جزاهما الله خيراً.
بخصوص موضوع المنهجية عند الشيخ اليوسف، يحتاج إلى عدة مقاربات من شأنها رسم الخطوط الأساسية لما بحثه الشيخ الدكتور اليوسف من إشكاليات ومشكلات كل في إطار مجاله ووفق حدوده، أي يمكن تنقيح الكتاب مستقبلاً بما يضفي على التصور إضافة نوعية في ترصين المعرفة بالمحتفى به والاستفادة من إجراءاته المنهجية في العديد من أبحاثه ودراساته في الفقه والتفسير والتربية والأخلاق والفكر والاجتماع والتاريخ.
إن سر الإبداع وعنصر الرصانة والتجديد في تجربة الشيخ الدكتور عبد الله أحمد اليوسف يكمن في تحري البعد الموضوعي في تفاصيل مشروعه، وهذا ما سعى إليه الباحثان علي وهاشم في الإعداد والحفاظ على مسافة النظر من خلال استثمار العناصر المضيئة في السيرة والمؤلفات والشهادات من أجل صياغة رؤية مرجعية ثقافية خاصة.
وعليه كتاب " الشيخ الدكتور عبد الله أحمد اليوسف: قراءات في السيرة والفكر والمنهج " هو نظرة جديدة في أطروحة شخصية ثقافية إسلامية تحتاج إلى استيعاب معرفي و تأسي ثقافي و تقدير مجتمعي حضاري.. ومهما كانت الشهادات حاضرة حول شخصية الشيخ الدكتور اليوسف لكن بالمختصر المفيد سيظل معلماً ومثقفاً وخطيباً يتقن مسؤوليته تجاه دينه وأمته ووطنه أمام الله والإنسان والتاريخ.