المؤمن أفضل من الملائكة
حسين - الحلة - 07/07/2005م
متى يصبح الإ نسان أفضل من الملا ئكة ?
الإجابة:
اختلف المسلمون في أن الانسان والملك أيهما أفضل فالمعروف المنسوب إلى الا شاعره أن الانسان أفضل والمراد به أفضلية المؤمنين منهم إذ لا يختلف اثنان في أن من الانسان من هو أضل من الانعام وهو أهل الجحود منهم فكيف يمكن أن يفضل على الملائكه المقربين ؟ وقد استدل عليه بالاية الكريمة : " وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا " على أن يكون الكثير بمعنى الجميع كما أومانا إليه في تفسير الاية وبما ورد من طريق الرواية أن المؤمن أكرم على الله من الملائكة .
وهو المعروف أيضا من مذهب الشيعة وربما استدلوا عليه بأن الملك مطبوع على الطاعة من غير أن يتاتى منه المعصية لكن الانسان من جهة اختياره تتساوى نسبته إلى الطاعة والمعصية وقد ركب من قوى رحمانية وشيطانية وتألف من عقل وشهوة وغضب فالانسان المؤمن المطيع يطيعه وهو غير ممنوع من المعصية بخلاف الملك فهو أفضل من الملك .
ومع ذلك فالقول بأفضليه الانسان بالمعنى الذي تقدم ليس باتفاقي بينهم فمن الاشاعرة من قال بأفضلية الملك مطلقا كالزجاج ونسب إلى ابن عباس . ومنهم من قال بأفضليه الرسل من البشر ، مطلقا ثم الرسل من الملائكة على من سواهم من البشر والملائكة ثم عامه الملائكة على عامة البشر . ومنهم من قال بأفضلية الكروبيين من الملائكة مطلقا ثم الرسل من البشر ثم الكمل منهم ثم عموم الملائكة من عموم البشر ، كما يقول به الامام الرازي ونسب إلى الغزالي .
وذهبت المعتزلة إلى أفضلية الملائكة من البشر واستدلوا على ذلك بظاهر قوله تعالى : " ولقد كرمنا بني آدم . إلى قوله - وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا " وقد مر تقرير حجتهم في تفسير الاية . وقد بالغ الزمخشري في التشنيع على القائلين بأفضلية الانسان من الملك ممن فسر الكثير في الاية بالجميع فقال في الكشاف في ذيل قوله تعالى : " وفضلناهم على كثير ممن خلقنا " هو ما سوى الملائكة وحسب بني آدم تفضيلا أن ترفع عليهم الملائكة وهم هم ومنزلتهم عند الله منزلتهم .
والعجب من المجبرة كيف عكسوا في كل شئ وكابروا حتى جسرتهم عادة المكابرة على العظيمة التي هي تفضيل الانسان الملك ، وذلك بعد ما سمعوا تفخيم الله أمرهم وتكثيره مع التعظيم ذكرهم وعلموا أين أسكنهم ؟ وأني قربهم ؟ وكيف نزلهم من انبيائه منزلة انبيائه من اممهم ؟
ثم جرهم فرط التعصب عليهم إلى أن لفقوا أقوالا واخبارا منها : قالت الملائكة ربنا إنك أعطيت بنى آدم الدنيا يأكلون منها ويتمتعون ولم تعطنا ذلك فأعطناه في الاخرة فقال : وعزتي وجلالي لا اجعل ذرية من خلقت بيدي كمن قلت : له كن فكان ، ورووا عن ابي هريره انه قال المؤمن اكرم على الله من الملائكة الذين عنده.
ومن ارتكابهم انهم فسروا كثيرا بمعنى جميع في هذه الاية وخذلوا حتى سلبوا الذوق فلم يحسوا ببشاعة قولهم : وفضلناهم على جميع ممن خلقنا على ان معنى قولهم : على جميع ممن خلقنا اشجى لحلوقهم واقذى لعيونهم ولكنهم لا يشعرون فانظر في تمحلهم وتشبثهم بالتأويلات البعيدة في عداوة الملا الاعلى كأن جبريل عليه السلام غاظهم حين اهلك مدائن قوم لوط فتلك السخيمة لا تنحل عن قلوبهم انتهى .
وما أشار إليه من رواية سؤال الملائكة أن يجعل لهم الاخرة كما جعل لبني آدم الدنيا رويت عن ابن عمر وأنس بن مالك وزيد بن أسلم وجابر بن عبد الله الانصاري عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولفظ الاخير قال لما خلق الله آدم وذريته قالت الملائكة : يا رب خلقتهم يأكلون ويشربون وينكحون ويركبون الخيل فاجعل لهم الدنيا ولنا الاخرة فقال الله تعالى : لا أجعل من خلقته بيدي كمن قلت له : كن فكان .
ومتن الرواية لا يخلو عن شئ فان الاكل والشرب والنكاح ونحوها في الانسان استكمالات مادية إنما يلتذ الانسان بها لما أنه يعالج البقاء لشخصه أو لنوعه بما جهز الله به بنيته المادية والملائكة واجدون في أصل وجودهم كمال ما يتوسل إلى بعضه الانسان بقواه المادية وأعماله المملة المتعبة منزهون عن مطاوعه النظام المادي الجاري في الكون فمن المحال أن يسألوا ذلك فليسوا بمحرومين حتى يحرصوا على ذلك فيرجوه أو يتمنوه .
ونظير هذا وارد على ما تقدم من استدلالهم على أفضلية الانسان من الملك بأن وجود الانسان مركب من القوى الداعية إلى الطاعة والقوى الداعية إلى المعصية فإذا اختار الطاعة على المعصية وانتزع إلى الاسلام والعبودية كانت طاعته أفضل من طاعة الملائكه المفطورين على الطاعة المجبولين على ترك المعصية فهو أكثر قربا وزلفى وأعظم ثوابا وأجرا .
وهذا مبني على أصل عقلائي معتبر في المجتمع الانساني وهو أن الطاعة التي هي امتثال الخطاب المولوي من امر ونهى ولها الفضل والشرف على المعصية وبها يستحق الاجر والثواب لو استحق إنما يترتب عليها أثرها إذا كان الانسان المتوجة إليه الخطاب في موقف يجوز له فيه الفعل والترك متساوي النسبة إلى الجانبين ، وكلما كان أقرب إلى المعصية منه إلى الطاعه قوي الاثر والعكس بالعكس فليس يستوى في امتثال النهى عن الزنا مثلا العنين والشيخ الهرم ومن يصعب عليه تحصيل مقدماته والشاب القوي البنية الذى ارتفع عنه غالب موانعه من لا مانع له عنه أصلا إلا تقوى الله فبعض هذه التروك لا يعد طاعة وبعضها طاعة وبعضها افضل الطاعة على هذا القياس .
ولما كانت الملائكة لا سبيل لهم إلى المعصية لفقدهم غرائز الشهوة والغضب ونزاهتهم عن هوى النفس كان امتثالهم للخطابات المولوية الالهية أشبه بامتثال العنين والشيخ الهرم لنهي الزنا وكان الفضل للانسان في طاعتة عليهم .
وفيه أنه لو تم ذلك لم يكن لطاعة الملائكة فضل أصلا إذ لا سبيل لهم إلى المعصية ولا لهم مقام استواء النسبة ولم يكن لهم شرف ذاتي وقيمة جوهريه إذ لا شرف على هذا إلا بالطاعة التي تقابلها معصية وتسميه المطاوعة الذاتية التى لا تتخلف عن الذات طاعة مجاز ، ولو كان كذلك لم يكن لقربهم من ربهم موجب ولا لاعمالهم منزلة .
لكن الله سبحانه أقامهم مقام القرب والزلفى وأسكنهم في حظائر القدس ومنازل الانس ، وجعلهم خزان سره وحملة أمره ووسائط بينه وبين خلقه وهل هذا كله لارادة منه جزافية من غير صلاحية منهم واستحقاق من ذواتهم ؟
وقد أثنى الله عليهم أجزل الثناء إذ قال فيهم : " بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون " الانبياء : 27 وقال : " لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون " التحريم 6 فوصف ذواتهم بالاكرام من غير تقييده بقيد ومدح طاعتهم واستنكافهم عن المعصية
وقال مادحا لعبادتهم وتذللهم لربهم وهم من خشيته مشفقون : الانبياء 28 وقال : " فإن استكبروا فالذين عند ربك يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسامون : حم السجدة 38 وقال : " واذكر ربك في نفسك - إلى أن قال - ولا تكن من الغافلين إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون " الاعراف : 206 فأمر نبيه صلى الله عليه وآله وسلم ان يذكره كذكرهم ويعبده كعبادتهم .
وحق الامر أن كون العمل جائز الفعل والترك ووقوف الانسان في موقف استواء النسبة ليس في نفسه ملاك أفضليه طاعته بل بما يكشف ذلك عن صفاء طينته وحسن سريرته والدليل على ذلك أن لا قيمه للطاعه مع العلم بخباثة نفس المطيع وقبح سريرته وإن بلغ في تصفية العمل وبذل المجهود فيه ما بلغ كطاعة المنافق ومريض القلب الحابط عمله عند الله الممحوة حسنته عن ديوان الاعمال فصفاء نفس المطيع وجمال ذاته وخلوصه في عبوديته الذي يكشف عنه انتزاعه من المعصية إلى الطاعة وتحمله المشاق في ذلك هو الموجب لنفاسة عمله وفضل طاعته .
وعلى هذا فذوات الملائكة ولا قوام لها إلا الطهارة والكرامة ولا يحكم في أعمالهم إلا ذل العبودية وخلوص النية أفضل من ذات الانسان المتكدرة بالهوى المشوبة بالغضب والشهوه وأعماله التي قلما تخلو عن خفايا الشرك وشامة النفس ودخل الطبع .
فالقوام الملكي أفضل من القوام الانساني والاعمال الملكية الخالصة لوجه الله أفضل من أعمال الانسان وفيها لون قوامه وشوب من ذاته ، والكمال الذي يتوخاه الانسان لذاته في طاعته وهو الثواب اوتيه الملك في أول وجوده كما تقدمت الاشاره إليه .
نعم لما كان الانسان إنما ينال الكمال الذاتي تدريجا بما يحصل لذاته من الاستعداد سريعا أو بطيئا كان من المحتمل أن ينال عن استعداده مقاما من القرب وموطنا من الكمال فوق ما قد ناله الملك ببهاء ذاته في أول وجوده ، وظاهر كلامه تعالى يحقق هذا الاحتمال .
كيف وهو سبحانه يذكر في قصة جعل الانسان خليفة في الارض فضل الانسان واحتماله لما لا يحتمله الملائكة من العلم بالاسماء كلها ، وأنه مقام من الكمال لا يتداركه تسبيحهم بحمده وتقديسهم له ، ويطهره مما سيظهر منه من الفساد في الارض وسفك الدماء كما قال : " وإذ قال ربك للملائكة إلي جاعل في الارض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون " إلى آخر الايات البقرة : 30 – 33
. ثم ذكر سبحانه أمر الملائكة بالسجود لادم ثم سجدودهم له جميعا فقال : "
فسجد الملائكة كلهم أجمعون " الحجر : 30 وقد أوضحنا في تفسير الايات في القصة في سورة الاعراف أن السجدة إنما كان خضوعا منهم لمقام الكمال الانساني ولم يكن آدم عليه السلام إلا قبلة لهم ممثلا للانسانية قبال الملائكة . فهذا ما يفيده ظاهر كلامه تعالى ، وفي الاخبار ما يؤيده ، وللبحث جهة عقلية يرجع فيها إلى مظانه .
* انظرالميزان في تفسير القرآن،ج13،ص160
وهو المعروف أيضا من مذهب الشيعة وربما استدلوا عليه بأن الملك مطبوع على الطاعة من غير أن يتاتى منه المعصية لكن الانسان من جهة اختياره تتساوى نسبته إلى الطاعة والمعصية وقد ركب من قوى رحمانية وشيطانية وتألف من عقل وشهوة وغضب فالانسان المؤمن المطيع يطيعه وهو غير ممنوع من المعصية بخلاف الملك فهو أفضل من الملك .
ومع ذلك فالقول بأفضليه الانسان بالمعنى الذي تقدم ليس باتفاقي بينهم فمن الاشاعرة من قال بأفضلية الملك مطلقا كالزجاج ونسب إلى ابن عباس . ومنهم من قال بأفضليه الرسل من البشر ، مطلقا ثم الرسل من الملائكة على من سواهم من البشر والملائكة ثم عامه الملائكة على عامة البشر . ومنهم من قال بأفضلية الكروبيين من الملائكة مطلقا ثم الرسل من البشر ثم الكمل منهم ثم عموم الملائكة من عموم البشر ، كما يقول به الامام الرازي ونسب إلى الغزالي .
وذهبت المعتزلة إلى أفضلية الملائكة من البشر واستدلوا على ذلك بظاهر قوله تعالى : " ولقد كرمنا بني آدم . إلى قوله - وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا " وقد مر تقرير حجتهم في تفسير الاية . وقد بالغ الزمخشري في التشنيع على القائلين بأفضلية الانسان من الملك ممن فسر الكثير في الاية بالجميع فقال في الكشاف في ذيل قوله تعالى : " وفضلناهم على كثير ممن خلقنا " هو ما سوى الملائكة وحسب بني آدم تفضيلا أن ترفع عليهم الملائكة وهم هم ومنزلتهم عند الله منزلتهم .
والعجب من المجبرة كيف عكسوا في كل شئ وكابروا حتى جسرتهم عادة المكابرة على العظيمة التي هي تفضيل الانسان الملك ، وذلك بعد ما سمعوا تفخيم الله أمرهم وتكثيره مع التعظيم ذكرهم وعلموا أين أسكنهم ؟ وأني قربهم ؟ وكيف نزلهم من انبيائه منزلة انبيائه من اممهم ؟
ثم جرهم فرط التعصب عليهم إلى أن لفقوا أقوالا واخبارا منها : قالت الملائكة ربنا إنك أعطيت بنى آدم الدنيا يأكلون منها ويتمتعون ولم تعطنا ذلك فأعطناه في الاخرة فقال : وعزتي وجلالي لا اجعل ذرية من خلقت بيدي كمن قلت : له كن فكان ، ورووا عن ابي هريره انه قال المؤمن اكرم على الله من الملائكة الذين عنده.
ومن ارتكابهم انهم فسروا كثيرا بمعنى جميع في هذه الاية وخذلوا حتى سلبوا الذوق فلم يحسوا ببشاعة قولهم : وفضلناهم على جميع ممن خلقنا على ان معنى قولهم : على جميع ممن خلقنا اشجى لحلوقهم واقذى لعيونهم ولكنهم لا يشعرون فانظر في تمحلهم وتشبثهم بالتأويلات البعيدة في عداوة الملا الاعلى كأن جبريل عليه السلام غاظهم حين اهلك مدائن قوم لوط فتلك السخيمة لا تنحل عن قلوبهم انتهى .
وما أشار إليه من رواية سؤال الملائكة أن يجعل لهم الاخرة كما جعل لبني آدم الدنيا رويت عن ابن عمر وأنس بن مالك وزيد بن أسلم وجابر بن عبد الله الانصاري عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولفظ الاخير قال لما خلق الله آدم وذريته قالت الملائكة : يا رب خلقتهم يأكلون ويشربون وينكحون ويركبون الخيل فاجعل لهم الدنيا ولنا الاخرة فقال الله تعالى : لا أجعل من خلقته بيدي كمن قلت له : كن فكان .
ومتن الرواية لا يخلو عن شئ فان الاكل والشرب والنكاح ونحوها في الانسان استكمالات مادية إنما يلتذ الانسان بها لما أنه يعالج البقاء لشخصه أو لنوعه بما جهز الله به بنيته المادية والملائكة واجدون في أصل وجودهم كمال ما يتوسل إلى بعضه الانسان بقواه المادية وأعماله المملة المتعبة منزهون عن مطاوعه النظام المادي الجاري في الكون فمن المحال أن يسألوا ذلك فليسوا بمحرومين حتى يحرصوا على ذلك فيرجوه أو يتمنوه .
ونظير هذا وارد على ما تقدم من استدلالهم على أفضلية الانسان من الملك بأن وجود الانسان مركب من القوى الداعية إلى الطاعة والقوى الداعية إلى المعصية فإذا اختار الطاعة على المعصية وانتزع إلى الاسلام والعبودية كانت طاعته أفضل من طاعة الملائكه المفطورين على الطاعة المجبولين على ترك المعصية فهو أكثر قربا وزلفى وأعظم ثوابا وأجرا .
وهذا مبني على أصل عقلائي معتبر في المجتمع الانساني وهو أن الطاعة التي هي امتثال الخطاب المولوي من امر ونهى ولها الفضل والشرف على المعصية وبها يستحق الاجر والثواب لو استحق إنما يترتب عليها أثرها إذا كان الانسان المتوجة إليه الخطاب في موقف يجوز له فيه الفعل والترك متساوي النسبة إلى الجانبين ، وكلما كان أقرب إلى المعصية منه إلى الطاعه قوي الاثر والعكس بالعكس فليس يستوى في امتثال النهى عن الزنا مثلا العنين والشيخ الهرم ومن يصعب عليه تحصيل مقدماته والشاب القوي البنية الذى ارتفع عنه غالب موانعه من لا مانع له عنه أصلا إلا تقوى الله فبعض هذه التروك لا يعد طاعة وبعضها طاعة وبعضها افضل الطاعة على هذا القياس .
ولما كانت الملائكة لا سبيل لهم إلى المعصية لفقدهم غرائز الشهوة والغضب ونزاهتهم عن هوى النفس كان امتثالهم للخطابات المولوية الالهية أشبه بامتثال العنين والشيخ الهرم لنهي الزنا وكان الفضل للانسان في طاعتة عليهم .
وفيه أنه لو تم ذلك لم يكن لطاعة الملائكة فضل أصلا إذ لا سبيل لهم إلى المعصية ولا لهم مقام استواء النسبة ولم يكن لهم شرف ذاتي وقيمة جوهريه إذ لا شرف على هذا إلا بالطاعة التي تقابلها معصية وتسميه المطاوعة الذاتية التى لا تتخلف عن الذات طاعة مجاز ، ولو كان كذلك لم يكن لقربهم من ربهم موجب ولا لاعمالهم منزلة .
لكن الله سبحانه أقامهم مقام القرب والزلفى وأسكنهم في حظائر القدس ومنازل الانس ، وجعلهم خزان سره وحملة أمره ووسائط بينه وبين خلقه وهل هذا كله لارادة منه جزافية من غير صلاحية منهم واستحقاق من ذواتهم ؟
وقد أثنى الله عليهم أجزل الثناء إذ قال فيهم : " بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون " الانبياء : 27 وقال : " لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون " التحريم 6 فوصف ذواتهم بالاكرام من غير تقييده بقيد ومدح طاعتهم واستنكافهم عن المعصية
وقال مادحا لعبادتهم وتذللهم لربهم وهم من خشيته مشفقون : الانبياء 28 وقال : " فإن استكبروا فالذين عند ربك يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسامون : حم السجدة 38 وقال : " واذكر ربك في نفسك - إلى أن قال - ولا تكن من الغافلين إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون " الاعراف : 206 فأمر نبيه صلى الله عليه وآله وسلم ان يذكره كذكرهم ويعبده كعبادتهم .
وحق الامر أن كون العمل جائز الفعل والترك ووقوف الانسان في موقف استواء النسبة ليس في نفسه ملاك أفضليه طاعته بل بما يكشف ذلك عن صفاء طينته وحسن سريرته والدليل على ذلك أن لا قيمه للطاعه مع العلم بخباثة نفس المطيع وقبح سريرته وإن بلغ في تصفية العمل وبذل المجهود فيه ما بلغ كطاعة المنافق ومريض القلب الحابط عمله عند الله الممحوة حسنته عن ديوان الاعمال فصفاء نفس المطيع وجمال ذاته وخلوصه في عبوديته الذي يكشف عنه انتزاعه من المعصية إلى الطاعة وتحمله المشاق في ذلك هو الموجب لنفاسة عمله وفضل طاعته .
وعلى هذا فذوات الملائكة ولا قوام لها إلا الطهارة والكرامة ولا يحكم في أعمالهم إلا ذل العبودية وخلوص النية أفضل من ذات الانسان المتكدرة بالهوى المشوبة بالغضب والشهوه وأعماله التي قلما تخلو عن خفايا الشرك وشامة النفس ودخل الطبع .
فالقوام الملكي أفضل من القوام الانساني والاعمال الملكية الخالصة لوجه الله أفضل من أعمال الانسان وفيها لون قوامه وشوب من ذاته ، والكمال الذي يتوخاه الانسان لذاته في طاعته وهو الثواب اوتيه الملك في أول وجوده كما تقدمت الاشاره إليه .
نعم لما كان الانسان إنما ينال الكمال الذاتي تدريجا بما يحصل لذاته من الاستعداد سريعا أو بطيئا كان من المحتمل أن ينال عن استعداده مقاما من القرب وموطنا من الكمال فوق ما قد ناله الملك ببهاء ذاته في أول وجوده ، وظاهر كلامه تعالى يحقق هذا الاحتمال .
كيف وهو سبحانه يذكر في قصة جعل الانسان خليفة في الارض فضل الانسان واحتماله لما لا يحتمله الملائكة من العلم بالاسماء كلها ، وأنه مقام من الكمال لا يتداركه تسبيحهم بحمده وتقديسهم له ، ويطهره مما سيظهر منه من الفساد في الارض وسفك الدماء كما قال : " وإذ قال ربك للملائكة إلي جاعل في الارض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون " إلى آخر الايات البقرة : 30 – 33
. ثم ذكر سبحانه أمر الملائكة بالسجود لادم ثم سجدودهم له جميعا فقال : "
فسجد الملائكة كلهم أجمعون " الحجر : 30 وقد أوضحنا في تفسير الايات في القصة في سورة الاعراف أن السجدة إنما كان خضوعا منهم لمقام الكمال الانساني ولم يكن آدم عليه السلام إلا قبلة لهم ممثلا للانسانية قبال الملائكة . فهذا ما يفيده ظاهر كلامه تعالى ، وفي الاخبار ما يؤيده ، وللبحث جهة عقلية يرجع فيها إلى مظانه .
* انظرالميزان في تفسير القرآن،ج13،ص160
سماحة الشيخ عبد الله اليوسف