تفسير آية الجهاد
عبدالإله - 07/07/2005م
ماتفسير الآية الشريفة:(كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (البقرة:216)
الإجابة:
هذه الآية بيان لكون الجهاد مصلحة لمن أمر به ، قال سبحانه : ( كتب عليكم القتال ) أي : فرض عليكم الجهاد في سبيل الله ( وهو كره لكم ) أي : شاق عليكم تكرهونه كراهة طباع لا على وجه السخط ، وقد يكون الشئ مكروها عند الإنسان في طبعه ، ومن حيث تنفر نفسه عنه ، وإن كان يريده ، لأن الله تعالى أمره بذلك كالصوم في الصيف . وقيل : معناه أنه مكروه لكم قبل أن يكتب عليكم ، لأن المؤمنين لا يكرهون ما كتب الله عليهم ( وعسى ان تكرهوا شيئا ) معناه وقد تكرهون شيئا في الحال ، وهو خير لكم في عاقبة أموركم ، كما تكرهون القتال لما فيه من المخاطرة بالروح ( وهو خير لكم ) لأن لكم في الجهاد إحدى الحسنيين : إما الظفر والغنيمة ، وإما الشهادة والجنة . ( وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم ) أي : وقد تحبون ما هو شر لكم ، وهو القعود عن الجهاد لمحبة الحياة ، وهو شر لما فيه من الذل والفقر في الدنيا ، وحرمان الغنيمة والأجر في العقبى ( والله يعلم ) أي : يعلم ما فيه مصالحكم ومنافعكم ، وما هو خير لكم في عاقبة أمركم ( وأنتم لا تعلمون ) ذلك ، فبادروا إلى ما يأمركم به ، وإن شق عليكم . وأجمع المفسرون إلا عطاء ، أن هذه الآية دالة على وجوب الجهاد وفرضه ، غير أنه فرض على الكفاية ، حتى أن لو قعد جميع الناس عنه أثموا به ، وإن قام به من في قيامه كفاية وغناء ، سقط عن الباقين . وقال عطاء : إن ذلك كان واجبا على الصحابة ، ولم يجب على غيرهم ، وقوله شاذ عن الإجماع .
والآية الكريمة تشير إلى أن المشاعر الذاتية بالكره والحب ليست معيارا لفهم المصلحة الحقيقية للفرد والمجتمع ،فرب شيء تكرهونه ويكون فيه خير كثير ، ورب شيء تحبونه وهو ينطوي على شر بليغ .والله سبحانه وتعالى هو المحيط بكل خفايا الأمور ، ولا يستطيع البشر مهما بلغ وعيهم وفطنتهم إلا أن يفهموا جانبا من تلك الخفايا والمصالح البعيدة في الأحكام التي كتبها الله على المؤمنين .
هذه الآية الكريمة تشير أيضاً إلى مبدأ اساسي في القوانين التكوينية والتشريعية الإلهية ، معمقة روح الانضباط والتسليم أمام هذه القوانين في نفس الإنسان ، وهو أن على الإنسان المؤمن أن يفهم أن كل هذه القوانين والأحكام هي لصالحه ، تشريعية كانت كالجهاد والزكاة ، أم تكوينية كالموت والمصائب التي تحل به أو بأحبائه ، وكاختفاء أسرار المستقبل عنه ، ولذلك عليه أن يستسلم لها ولا يحكم فيها علمه المحدود ، فعلمه بالنسبة لمجهولاته كالقطرة في بحر.
سماحة الشيخ عبد الله اليوسف