تعريف المشرك
اسماعيل - الكويت - 20/02/2009م
ما هو تعريف المشرك؟ وإن أمكن وضع مصادر كتوثيق؟
الإجابة:
مفردة ( المشرك ) تطلق غالباً في القرآن الكريم على من يعبد الأوثان، ولكن بعض المفسرين ذهب إلى أن المشرك يشمل سائر الكفار كاليهود والنصارى والمجوس ( وبشكل عام أهل الكتاب ) أيضاً، لأن كل واحدة من هذه الطوائف يعتقد بوجود شريك للباري عز وجل، فالنصارى يعتقدون بالتثليث، والمجوس يذهبون إلى الثنوية وأن رب العالم هو مزدا وأهريمن، واليهود يرون أن " عزيراً " ابن الله .
ولكن بالرغم من أن هذه الاعتقادات الباطلة موجبة للشرك إلا أن الآيات الشريفة التي تتحدث عن المشركين في مقابل أهل الكتاب؛ ومع الأخذ بنظر الاعتبار أن اليهود والنصارى والمجوس يرتكزون في أساس ديانتهم على النبوات الحقة والكتب السماوية، فيتضح أن منظور القرآن الكريم من المشرك هو عباد الوثن.(1)
أما إذا أردنا الحديث عن المشرك بمفهومه العقائدي الواسع، فإن لفظ المشرك هو من جعل لله سبحانه نداً ونظيراً واتخذ له مثلاً وشريكاً، وهذا مفهوم واسع له جوانب مختلفة وأبعاد متعددة. فالشرك غير مختص بمقام الذات بل يجري في ناحية الصفات، وكذا في الأفعال كالخلق والرزق، وفي العبادة، حيث إنه على وزان التوحيد الذي ينقسم على أربعة أقسام، وله أربعة معان: توحيد الذات، وتوحيد الصفات، وتوحيد العبادة، و توحيد الخلق.
فالمشرك تارة يعتقد الشريك له تعالى في ناحية الذات الذي هو واجب الوجود ويقول بأصلين قديمين بالذات، وأخرى يقول به في مقام الصفات بأن كان يرى صفات الله تعالى زائدة على ذاته، وثالثة في مقام العبادة بأن يجعل العابد في عبادته نصيباً لغير الله ولو بأن يعبد غير الله لزعمه أنه واسطة بينه وبين الله تعالى ومقربه إليه كعبدة الأصنام والأوثان الذين كانوا يجعلونها وسائل وذرائع إلى الخالق؛ وقد بينهم الله تعالى في القرآن الكريم بقوله: ﴿ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴾ (2) ، ورابعة بالنسبة إلى مقام الصنع وتدبير النظام وفي مقام الخلق والرزق بأن يسند الخلق أو الأفعال الخاصة بالله تعالى إلى غيره، فإذا أنكر كون الله خالقاً لكل المخلوقات فلا بد من أن يسند الخلق إلى غيره سبحانه لعدم إمكان تحقق الممكن ووجوده بدون علته، وإسناد الخلق إلى غيره تعالى هو إشراك الغير مع الله تعالى في الخلق واقعاً، ونسبة عمل خاص بالله إلى غيره شرك حقيقة سواء أثبته لله تعالى أيضاً أم لا، بل وإن أنكر أصل وجوده تعالى فيجرى عليه حكم المشرك، و من المعلوم أن هذا المفهوم الواسع العام الذي ذكرناه للمشرك شامل لجميع الكفار أو أكثرهم فيدخل في هذا العنوان: الدهرية والمجوس واليهود والنصارى و غيرهم بواحد من معانيه ونواحيه. وإن شئت فقل إنه وإن أطلق المشرك لكنه أريد منه الكافر مطلقاً وإن لم يطلق عليه المشرك اصطلاحاً. ويؤيد ذلك قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً ﴾ (3)
إن المراد من الشرك هو مطلق الكفر ويكون هو اسماً واصطلاحاً لجميع أصنافه، وعنواناً مشيراً إليها، كما يظهر ذلك من التأمل في سياق الآية الكريمة حيث وقعت في ذيل الخطاب بأهل الكتاب، قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللّهِ مَفْعُولاً ﴾ (4)
والحاصل: أن الكفر ذنب لا يغفر أي صنف من أصنافه كان، ومطلق الكفر على اختلاف أشكاله ومجرد التدين بغير دين الله شرك، ويترتب عليه أحكامه، فتارة يحكم على المتصف به بالنجاسة وأخرى بمنع دخول المساجد وثالثة بوجوب مقاتلته، فترى أنه تعالى يقول : ﴿قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ﴾ (5) فإنه قد حكم بقتال جميع هذه الأصناف ومن له هذه الأوصاف، فالأوصاف المذكورة كفر وهي أيضاً شرك، والحكم بالنجاسة، والمنع من دخول المسجد، ووجوب المقاتلة، و غيرها أحكام مترتبة على الكفر. (6)
أما اتهام المسلم الموحد لله تعالى بالشرك، فهذا من الذنوب الكبيرة؛ إذ لا يجوز إلصاق تهمة الشرك بالسلم الذي لا يعبد إلا الله تعالى، ومن المؤسف حقاً ما نراه اليوم من بعض المتشددين الذين يتساهلون في إطلاق حكم الشرك أو الكفر على المسلمين لمجرد الاختلاف في المذهب أو لفهم النصوص الدينية بطريقة مغايرة للآخرين، وتطبيق آيات القرآن الكريم التي نزلت في الكفار والمشركين على المسلمين، وهو أمر ينم عن جهل أو سوء فهم أو ادعاء امتلاك الحقيقة المطلقة!.
ـــــــــــ
الهوامش:
1 - الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، مؤسسة البعثة، بيروت- لبنان، الطبعة الأولى 1410هـ- 1990م، ج2، ص82.
2 - سورة الزمر، الآية: 3.
3 - سورة النساء، الآية 48.
4 - سورة النساء، الآية 47.
5 - سورة التوبة، الآية 29.
6 - نتائج الأفكار، السيد الكلبايكاني، دار القرآن الكريم، قم-إيران، الطبعة الأولى 1413هـ، ج1، ص 14-16.
ولكن بالرغم من أن هذه الاعتقادات الباطلة موجبة للشرك إلا أن الآيات الشريفة التي تتحدث عن المشركين في مقابل أهل الكتاب؛ ومع الأخذ بنظر الاعتبار أن اليهود والنصارى والمجوس يرتكزون في أساس ديانتهم على النبوات الحقة والكتب السماوية، فيتضح أن منظور القرآن الكريم من المشرك هو عباد الوثن.(1)
أما إذا أردنا الحديث عن المشرك بمفهومه العقائدي الواسع، فإن لفظ المشرك هو من جعل لله سبحانه نداً ونظيراً واتخذ له مثلاً وشريكاً، وهذا مفهوم واسع له جوانب مختلفة وأبعاد متعددة. فالشرك غير مختص بمقام الذات بل يجري في ناحية الصفات، وكذا في الأفعال كالخلق والرزق، وفي العبادة، حيث إنه على وزان التوحيد الذي ينقسم على أربعة أقسام، وله أربعة معان: توحيد الذات، وتوحيد الصفات، وتوحيد العبادة، و توحيد الخلق.
فالمشرك تارة يعتقد الشريك له تعالى في ناحية الذات الذي هو واجب الوجود ويقول بأصلين قديمين بالذات، وأخرى يقول به في مقام الصفات بأن كان يرى صفات الله تعالى زائدة على ذاته، وثالثة في مقام العبادة بأن يجعل العابد في عبادته نصيباً لغير الله ولو بأن يعبد غير الله لزعمه أنه واسطة بينه وبين الله تعالى ومقربه إليه كعبدة الأصنام والأوثان الذين كانوا يجعلونها وسائل وذرائع إلى الخالق؛ وقد بينهم الله تعالى في القرآن الكريم بقوله: ﴿ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴾ (2) ، ورابعة بالنسبة إلى مقام الصنع وتدبير النظام وفي مقام الخلق والرزق بأن يسند الخلق أو الأفعال الخاصة بالله تعالى إلى غيره، فإذا أنكر كون الله خالقاً لكل المخلوقات فلا بد من أن يسند الخلق إلى غيره سبحانه لعدم إمكان تحقق الممكن ووجوده بدون علته، وإسناد الخلق إلى غيره تعالى هو إشراك الغير مع الله تعالى في الخلق واقعاً، ونسبة عمل خاص بالله إلى غيره شرك حقيقة سواء أثبته لله تعالى أيضاً أم لا، بل وإن أنكر أصل وجوده تعالى فيجرى عليه حكم المشرك، و من المعلوم أن هذا المفهوم الواسع العام الذي ذكرناه للمشرك شامل لجميع الكفار أو أكثرهم فيدخل في هذا العنوان: الدهرية والمجوس واليهود والنصارى و غيرهم بواحد من معانيه ونواحيه. وإن شئت فقل إنه وإن أطلق المشرك لكنه أريد منه الكافر مطلقاً وإن لم يطلق عليه المشرك اصطلاحاً. ويؤيد ذلك قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً ﴾ (3)
إن المراد من الشرك هو مطلق الكفر ويكون هو اسماً واصطلاحاً لجميع أصنافه، وعنواناً مشيراً إليها، كما يظهر ذلك من التأمل في سياق الآية الكريمة حيث وقعت في ذيل الخطاب بأهل الكتاب، قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللّهِ مَفْعُولاً ﴾ (4)
والحاصل: أن الكفر ذنب لا يغفر أي صنف من أصنافه كان، ومطلق الكفر على اختلاف أشكاله ومجرد التدين بغير دين الله شرك، ويترتب عليه أحكامه، فتارة يحكم على المتصف به بالنجاسة وأخرى بمنع دخول المساجد وثالثة بوجوب مقاتلته، فترى أنه تعالى يقول : ﴿قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ﴾ (5) فإنه قد حكم بقتال جميع هذه الأصناف ومن له هذه الأوصاف، فالأوصاف المذكورة كفر وهي أيضاً شرك، والحكم بالنجاسة، والمنع من دخول المسجد، ووجوب المقاتلة، و غيرها أحكام مترتبة على الكفر. (6)
أما اتهام المسلم الموحد لله تعالى بالشرك، فهذا من الذنوب الكبيرة؛ إذ لا يجوز إلصاق تهمة الشرك بالسلم الذي لا يعبد إلا الله تعالى، ومن المؤسف حقاً ما نراه اليوم من بعض المتشددين الذين يتساهلون في إطلاق حكم الشرك أو الكفر على المسلمين لمجرد الاختلاف في المذهب أو لفهم النصوص الدينية بطريقة مغايرة للآخرين، وتطبيق آيات القرآن الكريم التي نزلت في الكفار والمشركين على المسلمين، وهو أمر ينم عن جهل أو سوء فهم أو ادعاء امتلاك الحقيقة المطلقة!.
ـــــــــــ
الهوامش:
1 - الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، مؤسسة البعثة، بيروت- لبنان، الطبعة الأولى 1410هـ- 1990م، ج2، ص82.
2 - سورة الزمر، الآية: 3.
3 - سورة النساء، الآية 48.
4 - سورة النساء، الآية 47.
5 - سورة التوبة، الآية 29.
6 - نتائج الأفكار، السيد الكلبايكاني، دار القرآن الكريم، قم-إيران، الطبعة الأولى 1413هـ، ج1، ص 14-16.
سماحة الشيخ عبد الله اليوسف