سماحة الشيخ عبدالله اليوسف (صورة أرشيفية)
|
تحدث سماحة الشيخ الدكتور عبدالله أحمد اليوسف في خطبة الجمعة التي ألقاها في مسجد الرسول الأعظم بالحلة في محافظة القطيف 27 صفر 1439هـ الموافق ١٧نوفمبر٢٠١٧م بعنوان " الرسول الأعظم والبناء الأخلاقي للأمة " مبيناً الجهود الكبيرة التي قام بها رسول الله من أجل الارتقاء بالأمة أخلاقياً وحضارياً، وما عاناه في سبيل تحقيق هذا الهدف العظيم.
وقال سماحة الشيخ اليوسف أن الرسول الأعظم كان المثل الأعلى في الأخلاق الحميدة والقيم الإنسانية الرفيعة وقد مدحه القرآن على أخلاقه العظيمة في قوله تعالى: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾.
وأكد سماحته على أن رسول الله كان معروفاً عند العرب قبل البعثة النبوية الشريفة بأنه ذات شخصية أخلاقية متميزة، وقد أطلقوا عليه (الصادق الأمين ) لأمانته وصدقه وكان يودعون الأموال عنده لثقتهم فيه.
وأضاف سماحته أن النقطة المهمة والجديرة بالدراسة في حياة الرسول الأعظم هو أنه استطاع أن ينتقل بالعرب من الانهيار الأخلاقي الكبير إلى الرقي والتقدم الأخلاقي والحضاري للأمة، فبنى حضارة إسلامية كبيرة عندما تمكن من أن ينهض بالأمة من التدني الأخلاقي الذي كانوا يعيشون به وشيوع الجاهلية في أوساط العرب كما هو مذكور في كتب التاريخ حيث كانت العرب تعيش في صراعات فيما بينها لأتفه الأسباب كما جاء في قصة حرب داحس والغبراء التي استمرت قرابة ٤٠ سنة بسبب خلاف على ناقة، وما يمارسونه من عادات سيئة كالجمع بين الأختين في الزواج ووأد البنات وكانوا يبيحون زواج المحارم ويقتلون الأولاد خشية الإملاق والفقر وغيرها من العادات التي كانت العرب تسير عليها قبل الإسلام وما كانت عليه أخلاقهم من غلظة وفضاضة وشدة وقسوة.
وتابع سماحته يقول: لما جاء الرسول محمد عمل على الارتقاء بهذه الأمة حضارياً وأن يرتفع بها أخلاقياً ولم يكن الأمر سهلاً؛ فقد لاقى رسول الله أشد المعاناة وأؤذي في سبيل ذلك صنوف العذاب من هؤلاء الكفار الذين كانوا يرمونه بالحجارة ويستهزؤون منه ويتعمدون الإساءة إليه في كل وقت وحين حتى وصل بهم الأمر إلى تهجيره من مكة. وهو القائل : «ما أوذي نبي مثل ما أوذيت» إلاّ أنه رغم كل ذلك الأذى كان يدعو لقومه فيقول: «اللّهمّ اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون».
وقد واجه رسول الله الغلظة بالحلم والحكمة وكظم الغيظ، وواجه الظلم بالعفو، والإساءة بالإحسان، والحرمان بالعطاء وهذه هي الأخلاق الحميدة والرفيعة التي يجب أن نتعامل بها مع الآخرين.
ودعا سماحته إلى تجنب التعامل مع الناس بأخلاق ذات صبغة تجارية وذات طابع مادي كالتي يتعامل بها بعض الناس في وقتنا الحاضر وهي تتمثل بالشرط وبمقابل الشيء، وليس بدافع أخلاقي بحت؛ كأمثال " إن زرتني أزورك، وأن أعطيتني أعطيك، وإن حضرت في مناسباتي أحضر في مناسباتك وما أشبه ذلك! " فالأخلاق هنا ذات طابع تجاري وصبغة مادية.
موكداً على ضرورة التماس العذر للآخرين عند عدم مشاركتهم لك في أفراحك وأتراحك فقد يكون المانع وجود ظرف منعهم أو مرض ألمّ بهم أو تعب يعانون منه أو ما أشبه ذلك، وأن نبني علاقتنا مع الناس على أساس الأخلاق المبدئية لا الأخلاق النفعية التي تفقدنا الأجر والثواب من الله تعالى.
وأكد سماحة الشيخ اليوسف على أهمية التحلي بالأخلاق المبدئية والراقية، وهي أن تعفو عمن ظلمك، وتصل من قطعك، وتحسن لمن أساء إليك، وتعطي من حرمك.
فقد روي عن رسول اللَّهِ أنه قال : ألا أخبِرُكُم بِخَيرِ خَلائقِ الدّنيا والآخِرَةِ؟
ثم قال : العَفوُ عَمَّن ظَلَمَكَ، وتَصِلُ مَن قَطَعَكَ، والإحسانُ إلى مَن أساءَ إلَيكَ، وإعطاءُ مَن حَرَمَكَ.
لافتاً إلى أن صفات وأخلاق الرسول الأعظم المبدئية هي التي جذبت قلوب الناس إليه، وحولت أعداؤه إلى أصدقاء حميمين له.
وأشار سماحته إلى أن الرسول الأكرم محمد بن عبدالله عانى أشد المعاناة من أجل أن يرفع مستوى الأمة الأخلاقي، واستطاع أن يحول العرب الذين كانوا غارقين في الجاهلية إلى رسل العلم والحضارة، وقد أسلم الكثير من الناس بأخلاقه النبوية الشريفة.
وذكر سماحته أن الأمة عندما تكون قوية فهذا دليل على حسن أخلاقها، وأن تدني مستوى الأخلاق في المجتمع دليل على فساد الأمة وسرعة انهيارها، ولهذا قال ابن خلدون في مقدمته المعروفة: «إن من أبرز أسباب سقوط الأمم والحضارات انهيار أخلاقها، وأن أهم أسباب بقاء الدول تمسكها بالأخلاق الفاضلة».
وقال الشاعر أحمد شوقي مشيراً إلى هذه الحقيقة أيضاً:
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
وذكر سماحة الشيخ اليوسف قصة رجل مع رسول الله ، فقد روي أنه جاءَ رجُلٌ إلى رسولِاللَّهِ صلى الله عليه وآله مِن بَينِ يدَيهِ فقالَ: يا رسولَ اللَّهِ، ماالدِّينُ؟
فقالَ: حُسنُ الخُلقِ. ثُمَّ أتاهُ عَن يَمينِهِ فقالَ: ما الدِّينُ؟ فقالَ: حُسنُ الخُلقِ. ثُمّ أتاهُ مِن قِبَلِ شِمالِهِ فقالَ: ما الدِّينُ؟ فقالَ: حُسنُ الخُلقِ. ثُمّ أتاهُ مِن وَرائهِ فقالَ: ما الدِّينُ؟ فالْتَفَتَ إلَيهِ وقال: أمَا تَفْقَهُ؟! الدِّينُ هُو أنْ لا تَغْضَبَ.
وأوضح سماحة الشيخ عبدالله اليوسف أن مفتاح الشر والكثير من المشاكل الاجتماعية والعائلية تحدث بسبب سرعة الغضب وعدم سيطرة الإنسان على نفسه بالحلم، ولذلك أوصاه رسول الله بحسن الأخلاق وأن لا يغضب.
وشدد سماحته على أنه يجب على الإنسان الملتزم دينياً أن يكون على جانب عظيم من الأخلاق الحسنة التي تعكس تدينه لأن سوء الخلق خلاف التدين الحقيقي، إذ لا فائدة من عبادة مع سوء الخلق كما ورد في العديد من الروايات والأحاديث.