الشيخ عبدالله اليوسف متحدثاً إلى الحضور (أرشيف)
|
حذر سماحة الشيخ الدكتور عبدالله اليوسف في خطبته ليوم الجمعة 13 محرم 1436هـ الموافق 7 نوفمبر 2014م من خطورة انتشار الفكر التكفيري؛ لأنه يشكل خطراً على الأمة والمجتمع والوطن، وأن البلاد الإسلامية تعاني اليوم من شرور الجماعات التكفيرية الإرهابية.
وأضاف سماحته قائلاً: إن ظاهرة التكفير في المجتمع الإسلامي ظاهرة قديمة ومتجددة، فقد نشأت منذ العصر الإسلامي الأول، وتعتبر حركة الخوارج أول حركة تكفيرية، وقد تبنت الرأي القائل بكفر أو شرك مرتكب الكبيرة من المسلمين، وعُرفت هذه الحركة التكفيرية بالقسوة والشدة والعنف، وانتهاك الأعراض والأموال والأنفس، ووصل بهم الجرأة إلى حد تكفير الإمام علي بن أبي طالب لأنه رفض التراجع عن قبول التحكيم، مما اعتبروه معصية كبيرة في نظرهم، وهو أمر يستوجب التكفير.
وأوضح سماحته أن خطورة التكفير ليس فقط في التسرع في تكفير المسلم، وإنما فيما يترتب على ذلك التكفير من استباحة الأنفس والأعراض والأموال، وما نشهده اليوم في عصرنا الراهن في العديد من البلدان الإسلامية من لجوء بعض حركات التكفير إلى استخدام العنف ضد من يعتقدون بكفرهم وارتدادهم عن الإسلام، والتساهل في قتل الأبرياء، وانتهاك الأعراض، وتدمير الممتلكات إنما يعود إلى بروز تيارات التكفير في العالم العربي والإسلامي، ولجوئها إلى استخدام العنف مما أدى إلى قتل الآلاف من المسلمين.
واعتبر أن منفذي جريمة بلدة الدالوة في الأحساء كانوا يتبنون هذا الفكر التكفيري المنحرف عن منهج الإسلام، فقد قتلوا الأبرياء بدم بارد، وانتهكوا الحرمات، وسقط من جراء ذلك مجموعة من الشهداء والجرحى دون ذنب أو جرم ارتكبوه، والحمد لله تم القبض على الفاعلين لينالوا جزاءهم العادل وهو ما يخفف ألم الجريمة رغم بشاعتها وشناعتها.
ووصف سماحة الشيخ اليوسف منطقة الأحساء بأنها تعد أنموذجاً رائعاً للتعايش بين أتباع المذاهب الإسلامية المختلفة منذ قديم الزمان، وكانوا في وئام ومحبة وانسجام، وأن هدف المجرمين من فعلتهم هو إيجاد الفتنة بين السنة والشيعة، ولكن ذلك لن يحدث إن شاء الله تعالى، بفعل الواعين من أبناء الوطن سواء كانوا من العلماء أو المثقفين أو الكتاب أو الأعيان على اختلاف مشاربهم المذهبية والفكرية والتي عبرت جميعها عن رفضها الانجرار لأي فتنة مذهبية أو طائفية، وأدانوا الجريمة واستنكروها.
وبيّن سماحته أن أهل منطقة الأحساء والقطيف كانوا ومنذ مئات السنين ولا زالوا يمارسون شعائرهم الدينية والحسينية دون أن يسيئوا لأحد، أو يعتدوا على أحد، وأن مراسم العزاء الحسيني، والشعائر الحسينية ليست موجهة ضد أحد، وإنما هي تعبير عن المحبة والمودة والموالاة لسبط رسول الله وريحانته الإمام الحسين ، وأهل بيت النبي الأطهار.
ودعا سماحته إلى مواجهة الفكر التكفيري الذي يتبنى الإرهاب والقتل واللجوء إلى العنف، والعمل على تجفيف منابعه الفكرية، وذلك من خلال:
1- إغلاق القنوات الطائفية، والتي تحرض وتعبىء ضد الشيعة ليل نهار، وضد كل من يختلف معها في الرأي أو الفكر أو العقيدة، إذ أن لهذا الإعلام الطائفي دوراً سلبياً في تغذية الكراهية والأحقاد بين المواطنين.
2- العمل على سن قوانين واضحة ومحددة تجرم كل من يحرض أو يغذي الكراهية والطائفية في المجتمع أو يسيئ للآخرين أو يزدري بمعتقداتهم وشعائرهم الدينية.
3- تنقية المناهج الدينية الدراسية مما فيها من إساءات موجهة لبعض المذاهب والفرق الإسلامية، وكتابة مناهج مقارنة بحيث يتعود الطلاب على احترام الرأي الآخر، والتحلي بروح التسامح والمحبة بين المواطنين.
4- إشاعة ثقافة التسامح والتعايش والمحبة والوئام بين مختلف مكونات أبناء هذا الوطن العزيز، ونبذ كل خطاب يدعو للكراهية والطائفية.
وشدد سماحته على أهمية بناء ثقافة جديدة تشجع على روح التسامح بين المواطنين حتى لا تتكرر مثل هذه الجريمة البشعة التي قام بها مجموعة من المجرمين التكفيريين، فالأوطان إنما تبنى بالمحبة والتسامح والتعايش بين مختلف مكونات الوطن، وليس بالكراهية والأحقاد والضغائن.
وأوضح سماحة الشيخ اليوسف أن الفكر التكفيري لم يعد خطره مقتصراً على طائفة دون أخرى، أو مجتمع دون آخر، أو مذهب دون مذهب آخر، وإنما يشمل الجميع سنة وشيعة، وما حدث أخيراً في العراق من إعدام مجموعة من العشائر السنية على يد مجموعة تكفيرية إلا خير دليل على ذلك.
واعتبر سماحته أن الفكر التكفيري قد شوه صورة لإسلام الذي يدعو للمحبة واحترام الآخر، وصَوّره في نظر الآخر وكأنه يدعو للعنف والقتل والإرهاب!
وأشار سماحته إلى أن نعمة الأمن والأمان لا يعرف قيمتها إلا من فقدها، ونحن نرى في البلاد المجاورة لنا كيف أن الناس تعيش في خوف وقلق نتيجة انعدام الأمن والسلام في مجتمعاتها، وأن الحفاظ على هذه النعمة يتطلب تظافر الجهود وعلى مختلف الأصعدة للقضاء على المجموعات التكفيرية التي تمارس الإرهاب والقتل.
داعياً الله سبحانه وتعالى أن يحفظ بلادنا وكافة بلاد المسلمين من شرور الجماعات التكفيرية الإرهابية، وأن يحفظ لنا وللجميع نعمة الأمن والأمان والسلام والاستقرار.