سماحة الشيخ عبدالله اليوسف أثناء إلقاء الخطبة (أرشيف)
|
شدّد سماحة الشيخ الدكتور عبدالله أحمد اليوسف في خطبة عيد الأضحى 10 ذو الحجة 1438هـ على ضرورة سن قانون لتجريم الكراهية والعنصرية بما يحمي الجميع من أي نوع من أنواع الإساءة الناتجة من الكراهية، والعمل على تعزيز قيم المحبة والتواصل والانفتاح بين مختلف المكونات الاجتماعية، ونبذ التقاطع والتدابر والتباغض بين الناس.
واعتبر سماحته أن العيد من أهم المناسبات الدينية التي تساهم في تعزيز قيم المحبة والانفتاح والتواصل بين أبناء المجتمع الواحد، كما أن العيد يرمز إلى قيم التعارف والتآلف والتراحم والتكافل والتسامح.
وأضاف سماحته: إن الإنسان يميل بطبيعته لبني جنسه، ويألف معهم، ويشعر بالسعادة والراحة النفسية عندما تكون علاقاته الاجتماعية قوية مع الآخرين ممن حوله، وخالية من المشاكل والأحقاد والضغائن والكراهية والعداوة معهم.
ولفت سماحته إلى أن النصوص الدينية تؤكد على أهمية التآلف والتواصل بين الناس، فقد قال رسولُ اللَّهِ : «خِيَارُكُمْ أحاسِنُكُمْ أخْلَاقاً، الّذِينَ يَألَفُونَ وَيُؤلَفُونَ» . وعنه قال: «خَيْرُ المُؤْمِنِينَ مَنْ كَانَ مَأْلَفَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، وَلَا خَيْرَ فِيْمَنْ لَايُؤلَفُ وَلَا يَألَفُ».
وشدد سماحته على وجوب التخلص من أي أغلال أو أحقاد، يقول تعالى: ﴿وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾. وروي عن رسول الله قوله: «لا تَقاطَعُوا، ولا تَدابَرُوا، ولا تَباغَضُوا، ولا تَحاسَدُوا».
وأوضح سماحته أن القرآن الكريم يعبّر عن علاقة المؤمنين ببعضهم بــ(الأخوة) كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ ويوصي الرسول الأكرم المسلمين إلى حسن العلاقة فيما بينهم، إذ يقول : «كُونوا عِبادَ اللَّهِ إخواناً، ولا يَحِلُّ لمُسلِمٍ أن يَهجُرَ أخاهُ فَوقَ ثَلاثٍ». ويقول الإمامُ عليٌّ : «علَيكُم بالتَّواصُلِ والمُوافَقَةِ، وإيّاكُم والمُقاطَعَةَ والمُهاجَرَةَ».
وأشار سماحته إلى أن القيم والتعاليم الدينية تؤكد على أهمية التآلف والتواصل والتحابب بين المؤمنين، وتنهى عن التقاطع والهجران والتباغض، فقد تحدث بين الأخوة المؤمنين، أو بين الأرحام بعضهم والبعض الآخر، أو بين الزملاء في العمل أو الدراسة سوء فهم، أو قطيعة لأي سبب كان؛ لكن يجب ألا تستمر هذه القطيعة، وهذا الهجران أكثر من ثلاثة أيام، فقد روي عن رسول الله أنه قال: «لا يَحِلُّ للمُؤمنِ أن يَهجُرَ أخاهُ فَوقَ ثَلاثَةِ أيّامٍ». وعنه : «لا هِجرَةَ بَعدَ ثَلاثٍ».
واعتبر سماحة الشيخ اليوسف أن العيد أفضل وقت ومناسبة لتعزيز التواصل مع الأرحام والجيران والزملاء والأصدقاء وسائر الناس، وتصفية القلب من أي غل أو حسد أو حقد أو كراهية أو عداوة.
وأكد سماحة الشيخ الدكتور عبدالله أحمد اليوسف في الخطبة الأولى لعيد الأضحى 10 ذو الحجة 1438هـ على ضرورة أداء جميع الواجبات والتكاليف الشرعية في أوقاتها المحددة من قبل الشارع المقدس من دون أي تسويف أو تأخير حتى ينال الإنسان رضا الله تعالى ومغفرته ورضوانه، والمسارعة إلى أعمال الخير والبر.
واعتبر سماحته أن التسويف من أخطر الآفات على مسيرة الإنسان وحياته، ذلك أن التسويف آفة النجاح في الدنيا وعدم الفلاح في الآخرة.
وأشار سماحته إلى أن المسوف يخسر الكثير من فرص التقدم والعطاء والإنجاز، فالمسوف - عادة - ما يكون ضعيف الإرادة، خائر العزيمة، وليس عنده همة عالية، ولا مثابرة أو مبادرة لإنجاز أي عمل.
ولفت سماحة الشيخ اليوسف إلى النصوص الدينية التي تنهى عن التسويف وهي مستفيضة، فقد حذر رسولُ اللَّهِ أبا ذر من مغبة التسويف قائلاً: «يا أبا ذَرٍّ، إيّاكَ والتَّسويفَ بِأمَلِكَ، فإنَّكَ بِيَومِكَ ولَستَ بما بَعدَهُ، فإن يَكُن غَدٌ لكَ فَكُن في الغَدِ كما كُنتَ في اليَومِ، وان لم يَكُن غَدٌ لكَ لَم تَندَمْ على ما فَرَّطتَ في اليَومِ».
وروي عن الإمامُ عليٌّ - فيما كَتَبَهُ إلى بعضِ أصحابِهِ-:« فَتَدارَكْ ما بَقِيَ مِن عُمُرِكَ، ولا تَقُلْ: غَداً وبَعدَ غَدٍ، فإنّما هَلَكَ مَن كانَ قَبلَكَ بِإقامَتِهِم على الأمانِيِّ والتَّسوِيفِ، حتّى أتاهُم أمرُ اللَّهِ بَغتةً وهُم غافِلونَ».
وفي مناجاة الإمام زين العابدينَ : «وأعِنّي بِالبُكاءِ عَلى نَفسي، فقد أفنَيتُ بِالتَّسويفِ والآمالِ عُمرِي، وقَد نَزَلتُ مَنزِلَةَ الآيِسِينَ مِن خَيرِي». وقال الإمامُ الباقرُ : «إيّاكَ والتَّسويفَ؛ فإنّهُ بَحرٌ يَغرَقُ فيهِ الهَلْكى».
وحذر سماحة الشيخ اليوسف من مغبة التسويف في واقعنا الاجتماعي؛ إذ نجد أن بعض الناس يسوفون في أداء أعمالهم في كل شيء سواء الدنيوية منها أم الأخروية، ولكن هناك صنف من الناس يؤدون أعمالهم الدنيوية بسرعة، وينجزون ما عليهم دون أي تأخير؛ أما الواجبات والتكاليف الدينية فتراهم لا يهتمون بأدائها في أوقاتها، ويسوفون إنجازها حتى تذهب أوقاتها، أو يأتيهم الموت بغتة قبل القيام بها.
وضرب سماحته بعض الأمثلة على التسويف عن أداء الواجبات الشرعية، من قبيل: تأخير صلاة الفجر عن أدائها في وقتها حتى تطلع الشمس، والتسويف في أداء الحقوق الشرعية، والتسويف في أداء الدين، والتسويف في كتابة الوصية، والتسويف في قضاء الصوم ...وغيرها من الواجبات والتكاليف الشرعية.
ونبّه سماحته إلى تسويف بعض الناس عن القيام بأداء فريضة الحج -مع توافر شروطه- سنة بعد أخرى تحت دواع وأعذار مختلفة، في حين أن عاقبة من يسوف الحج من دون عذر شرعي سيئة، فقد روي عن الرسول الأكرم قوله: «من سوّف الحج حتى يموت بعثه الله يوم القيامة يهودياً أو نصرانياً».
وأكد سماحة الشيخ اليوسف على أن الحج ركن من أركان الدين، ودعامة من دعائم الإسلام، ووجوبه على كل مستطيع من ضروريات الدين، وتركه أو التسويف في أدائه معصية كبيرة يأثم عليها صاحبها، إذ يجب الحج في أول سنة استطاعة المكلف، ولا يجوز له التأخير أو التسويف، وإذا أخر الحج عن السنة الأولى من دون عذر شرعي عصى وأثم، واستقر الحج في ذمته.
ولفت سماحته إلى أن من نعم الله سبحانه وتعالى على الإنسان المؤمن أن يوفق للحج من أول سنه استطاعته، ليؤدي هذا الواجب بنص القرآن الكريم ﴿وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾.
ونبّه سماحته الذين يسوفون ويؤجلون أداء فريضة الحج سنة بعد أخرى نتيجة للغفلة والابتعاد عن ذكر الله تعالى، أو التساهل في أداء هذه الفريضة إلى أنهم قد لا يستطيعون أداء الحج فيما بعد، فقد يمرض الإنسان، أو يصاب بعاهة، أو يفتقر، أو يموت، ولذلك قال الرسول الأكرم : «حجوا قبل أن لا تحجوا».
ولفت سماحة الشيخ عبدالله اليوسف إلى أن أفضل طريقة لمحاربة التسويف هي أن تتذكر محدودية عمرك، وأنك لا تدري متى ستموت؟ وأن الفلاح في الآخرة ونيل التقدم والنجاح في الدنيا لن تحوزه إلاّ بأداء الأعمال في أوقاتها، والجد والاجتهاد والنشاط واقتناص الفرص، وأن تهتم بمصادقة المجدين في حياتهم، وأن تنظر في أحوال الناجحين والعظماء؛ حيث لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه إلا بالنشاط والفاعلية والجد والعمل الدائم وإنجاز الأعمال في أوقاتها.
ودعا سماحته إلى الحرص الشديد على الالتزام بأداء الفرائض والواجبات في أوقاتها، وعدم التساهل أو التسويف أو التأجيل عن أداء ما أوجبه الله تعالى على عباده، بل يجب المسارعة إلى أداء كل فريضة في وقتها المحدد لها.