سماحة الشيخ عبدالله اليوسف أثناء إلقاء الخطبة (أرشيف)
|
تحدث سماحة الشيخ الدكتور عبد الله اليوسف في خطبة الجمعة التي ألقاها في مسجد الرسول الأعظم بالحلة في محافظة القطيف ١٥ محرم ١٤٣٩ه الموافق ٦ أكتوبر ٢٠١٧م، عن ضرورة القدوة الحسنة في حياة الإنسان بصفة عامة، وفي تربية الأطفال بصورة خاصة، وآثارها الإيجابية في العملية التربوية والحياتية.
وقال سماحة الشيخ اليوسف: من الوسائل المهمة في التربية والتهذيب هو التربية بالقدوة الحسنة، فالإنسان يتأثر بما يراه ويشاهده أكثر مما يتأثر بالقول والكلام.
وقد أشارت الآية الكريمة في قوله تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ إلى نقطة مهمة وهي وجوب الاقتداء برسول الله لأنه أفضل قدوة وخير أسوة، ومعنى الأسوة هو التأسي والاقتداء واتباع الآخرين في عمل الخير.
وأضاف سماحته قائلاً: إن الاقتداء يجب أن يكون بالشخصية الفاضلة الكاملة، ولذلك ينبهنا الرسول إلى ضرورة اختيار من نقتدي بهم، إذ روي عنه قوله: «إنَّ أئمَّتَكُم قادَتُكُم إلَى اللَّهِ فَانظُروا بِمَن تَقتَدونَ فِي دِينِكُم وصَلاتِكُم».
مؤكداً سماحته على ضرورة اختيار القدوة الطيبة الصالحة وهم رسول الله وأهل بيته الأطهار والصالحون من المؤمنين في كل زمان ومكان.
وأشار سماحة الشيخ اليوسف إلى بعض النقاط المهمة التي يجب أن تتوافر في القدوة الصالحة والحسنة، والقدوة الحسنة درجات تتفاوت على حسب مراحل العمر. فحينما نتكلم عن الشباب نقول لهم أن يقتدوا بمثل علي الأكبر والقاسم بن الحسن، هؤلاء هم قدوة الشباب الصالح. كما أن شبابنا اليوم يتأثر بما يشاهده ويراه من المؤمنين والرموز الطيبة والصالحة.
وقد جاء في حديث أمير المؤمنين علي : «مَن نَصَبَ نفسَهُ للنّاسِ إماماً فعلَيهِ أن يَبدأَ بتعليمِ نَفْسِهِ قبلَ تعليمِ غيرِهِ، وليكُنْ تأديبُهُ بسِيرتِهِ قبلَ تأديبِهِ بِلسانِهِ».
والشاهد في الموضوع أنك إذا تريد أن تعلم وتهذب وتؤدب الآخرين أو تؤثر فيهم عليك بتهذيب نفسك وسيرتك أولاً، فالخطيب – مثلاً- قبل أن يتكلم عن الأخلاق عليه أن يكون خلوقاً وقبل أن يتحدث عن الكرم عليه أن يكون كذلك وهكذا.
وشدد سماحته على ضرورة التحلي بالأخلاق الحميدة، فالإنسان قبل أن يكون عالماً وبعده عليه أن يتزين بالخلق الرفيع والحلم والتواضع والسيرة الكريمة قبل أن ينصح غيره حتى يكون قدوة حسنة في التربية والتأثير على الآخرين.
وبيّن سماحته أن من أهم الوسائل في تربية الأطفال هو التربية بالسلوك السليم والقدوة الحسنة لها تأثير كبير وجلي في خلق جيل صالح وسوي، فقبل أن تؤدبهم بالكلام علمهم بسيرتك الحسنة؛ فالأبوان إذا كانت أخلاقهم عالية ويهتمون بأوقات الصلاة وقراءة القرآن والكلام الطيب يؤثر في تربية الطفل تربية سليمة، بعكس الأب الذي يغضب ويشتم الآخرين في محضر أولاده فماذا تتوقع منهم بعد ذلك إلا أن يكونوا شتامين وسبابين؟!
فالأب الذي يريد أن يعلم أولاده على الصدق والتواضع والخلق الحسن ولكنه يفعل العكس فهذا خطأ تربوي إذ يعلمه على الكذب وعدم الوفاء فطبيعة الطفل تكون عنده نزعة فطرية في تقليد الكبار بالأخص الوالدين، لأن الطفل تكون عنده محاكاة لوالديه في كل الأمور.
وذكر سماحته أن مرحلة المراهقة والشباب عندهم أيضاً هذه النزعة الفطرية في تقليد الآخرين، فالشاب المؤمن عليه أن يقلد أهل الصلاح والتقوى والنماذج الطيبة والصالحة.
وانتقد سماحته ميل بعض الشباب بتقليد أهل الطرب والفساد من فنانين ونجوم السينما والتمثيل وغيرهم، فالخطورة تأتي بمن يقلدهم ويتماهى معهم في كل حركاتهم ولباسهم وأفعالهم، فهذه الحالة تدل على الفراغ الثقافي والخواء الروحي، وفي نفس الوقت تؤدي بالشباب إلى استلاب الهوية الحضارية لشخصية الإنسان المسلم منهم، فالإنسان المؤمن عليه أن يقلد أهل الخير والصلاح، ولذلك فإن مجتمعنا بحاجة ماسة إلى بروز القدوات الصالحة والنماذج الطيبة لأن الإنسان يتأثر بهم وبما يراه أكثر مما يسمع وينقل له عبر التاريخ.
وأوصى سماحته الشباب بأن يكون لهم نموذج وقدوة حسنة في حياتهم وأن يكونوا أيضاً هم قدوة صالحة في عملهم وأخلاقهم حتى يتركوا بصمة مؤثرة في المجتمع.
وبخصوص تربية الأطفال استشهد سماحته بالمثل الفرنسي الذي يقول ( الأولاد بحاجة إلى نماذج أكثر من حاجتهم إلى نقاد ) وما يحصل غالباً في تربيتنا إلى الأطفال هو العكس حيث تزيد نسبة النقد إلى تصرفاتهم بدل الاهتمام بتقديم نموذج صالح لهم. في حين أن التربية من خلال القدوة الحسنة مهم جداً، فالطفل بحاجة أن يكون له نموذج صالح يقتدي به مما يترك أثراً إيجابياً في حياته وسرته.