سماحة الشيخ عبدالله أحمد اليوسف أثناء إلقاء الخطبة
|
أكد سماحة الشيخ الدكتور عبدالله أحمد اليوسف في خطبة الجمعة 9 صفر 1440 هـ الموافق 19 أكتوبر 2018م على الحاجة الماسّة لتعريف الأمة الإسلامية والأمم الأخرى بشخصية الإمام الحسن المجتبى وتراثه وفكره، فهذا الإمام العظيم من أئمة المسلمين الكبار، وهو عَلَم بارز من أعلام الهدى والتقى والحق، وشخصية بارزة من كبار الشخصيات العظيمة الذين سطّروا بجهادهم وتضحياتهم الزكية تاريخ الإسلام والإنسانية.
وتابع: إن الإمام الحسن هو السبط الأوّل لرسول الله ، وريحانته وحبيبه وثمرة فؤاده، وأحد سيّدي شباب أهل الجنّة، ورابع أصحاب الكساء، وأحد الأربعة الذين باهل بهم رسول الله نصارى نجران، وأحد الثقلين الذي من تمسك بهما نجا، ومن تخلف عنهما غرق وهوى.
وأضاف: ومع ذلك كله، فقد عاش الإمام الحسن المجتبى مظلوماً، ومات مسموماً، واستمرت ظلامته حتى بعد شهادته، فقد ظلم في حياته وبعد مماته، وظلم من أعدائه كما ظلم من بعض أصحابه، وظلم من كثير من المؤرخين والكتُاب الذين ألصقوا به التهم الزائفة والشائعات الكاذبة والشبهات الباطلة.
وذكر أن من أبرز ظلاماته إنتاج الشائعات وبثها ضد شخصيته العظيمة، وتلفيق التهم الرخيصة ضده من أجل تشويه سيرته الناصعة، وشخصيته المباركة من قبيل: أنه كان مزواجاً مطلاقاً!
واعتبر أن الهدف من بث شائعة أنه كان (كثير الزواج والطلاق) إنما كان يهدف إلى إسقاط شخصية الإمام الحسن المجتبى بين الناس، وأنه غير مؤهل للإمامة والخلافة، وإن كان هو ابن بنت رسول الله ، وسبط الرسول الأكرم وريحانته، وسيد شباب أهل الجنة؛ وذلك لأجل إبعاد الناس عن الإمام الحسن المجتبى ، والتقليل من فضله ومكانته.
وأشار إلى خذلان الأمة له والتفافها حول أعدائه، وخيانة بعض قادة جيشه له، والتحاقهم بمعسكر الجيش الأموي، ووعدهم لعدوه بتسليمه إياه حياً أو ميتاً!
وقال: إن من أشد ظلامات الإمام الحسن هو تجاسر بعض أصحابه عليه بعد اضطراره لإبرام الصلح، حتى قال له بعضهم: يا مذل المؤمنين، وقال آخر: ليتك مت ومتنا معك، وقال ثالث: يا مسود وجوه المسلمين، وقال رابع: يا مسخم وجوه المؤمنين، وقال خامس: يا عار المؤمنين!
وحذّر سماحة الشيخ اليوسف من خطر بث الشائعات، إذ لها دور مؤثر وعظيم التأثير على تماسك المجتمع، وفي إحداث الفتن بين مكوناته وشرائحه، فدائماً ما تلعب الشائعة دوراً كبيراً في خلق مثل ذلك.
وبيّن تأثير الشائعات المغرضة في ضعضعة جيش الإمام الحسن وسلب الثقة من بعض أتباعه، وقد تعرض الإمام الحسن بسبب تلك الشائعات الكاذبة إلى عدة إساءات وانتهاكات لشخصيته العظيمة ومقامه الرفيع، حيث قام مجموعة بنهب أمتعته، وقام الخوارج ومن لفّ لفّهم بتكفير الإمام الحسن كما كفروا أباه من قبل، كما تعرض الإمام الحسن إلى ثلاث محاولات لاغتياله، ولكنه نجا منها.
ومن جهة أخرى أشار سماحة الشيخ عبدالله اليوسف إلى قلة ما كتب عن الإمام الحسن المجتبى من مؤلفات ومصنفات، قياساً للمكانة العظيمة والمقام الرفيع للإمام الحسن المجتبى ، ورغم ما سجلته كتب السيرة والتاريخ عن سيرته وحياته الحافلة بالعبادة والعلم والعمل والجهاد، إلا أن الملاحظ قلة ما كُتِب حوله من مؤلفات ومصنفات وكتب تحليلية ومفصلة، وقد كتب عن أكثر الأئمة أكثر مما كتب عن الإمام المجتبى الذي لم يتجاور الألف كتاب على أقصى حد، وبعضها مجرد كتيبات صغيرة.
وبحسب ما حققه الدكتور عبد الجبار الرفاعي حول عدد المؤلفات عن سيرة أهل البيت ، فقد ذكر أن عدد الكتب التي ألفت حول سيرة الرسول الأعظم وتاريخه قد بلغ (11427) كتاباً، أما عدد الكتب التي ألفت عن أمير المؤمنين الإمام علي فقد بلغ (4956) كتاباً في حين بلغ عدد الكتب عن حياة الإمام الحسين وسيرته (3215) كتاباً، أما الإمام الحسن المجتبى فلم يتجاوز (205) كتب فقط، وهو ما يجب أن يدفع الكُتَّاب إلى مضاعفة الكتابة عن حياة وسيرة هذا الإمام المظلوم لتعريف الأمة بمكانته وموقعيته ومقامه وشرفه وفضله في الإسلام.
واستطرد بالقول: بالطبع فإن العدد الآن قد تزايد، لأن هذه الإحصائية قد مَرَّ عليها عدة سنوات، لكنها تكشف عن أن الإمام الحسن لم يحظَ بما يستحق من كتابة وترجمة لحياته وسيرته، بل إن حياة الأئمة كلهم بحاجة إلى المزيد من التأليف والدراسة حول سيرهم العظيمة، وحياتهم المباركة.
وقال: ومع وجود بعض الدراسات والمؤلفات التي كتبت عن حياة وسيرة الإمام الحسن المجتبى ، إلا أنها قليلة ومعدودة، وشخصية بحجم الإمام ومكانته بحاجة للكثير من الدراسات التحليلية لمعرفة أبعاد شخصيته العظيمة، والظروف التي عايشها في حياته، وما تركه من آثار أخلاقية وعقائدية وتربوية واجتماعية وفكرية وعلمية ثرية.
وأشاد سماحة الشيخ الدكتور عبدالله اليوسف بتأسيس (مركز الإمام الحسن للدراسات التخصصية) الذي يعنى بالتعريف بتراث الإمام الحسن وفكره الأصيل، لسد هذا النقص الملحوظ حول التعريف بهذا الإمام العظيم؛ وهو الإمام الثاني من أئمة أهل البيت الأطهار الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً بنص القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾.
وأضاف: تأسس المركز في عام 2009م في النجف الأشرف وهو تابع للعتبة الحسينية المقدسة، ويُعنى هذا المركز بنشر فكر وتراث الإمام الحسن المجتبى والإسهام برفد المكتبة الإسلامية بإصدارات مقروءة وسمعية ومرئية وغيرها حول شخصيته العظيمة. وقد صدر عن المركز -لحد الآن- 54 عنواناً، و20 كتاباً جديداً جاهزة للطبع، كما بدأ المركز بمشروع لترجمة بعض الكتب عن الإمام الحسن باللغات الإنكليزية والفرنسية والأردو، كما لدى المركز مكتبة تخصصية عن الإمام الحسن تعد الأولى من نوعها في العالم، وقد وصل مجموع ما طبع عن الإمام الحسن في العالم 1000 عنوان تقريباً بحسب إحصائيات المركز.
وقال: إن هذا المركز التخصصي عن الإمام الحسن يقوم بجهود مشكورة ومقدّرة في سبيل التعريف بشخصية هذا الإمام المظلوم من جميع الأبعاد والنواحي، ونشر فكره وتراثه وأقواله وكلماته وحكمه النفيسة.
وختم خطبته بالقول: يجب أن تتضافر جهود المؤمنين في كل مكان للتعريف بتراث وفكر الإمام الحسن المجتبى ، وإبراز ما قام به في الحياة الإسلامية العامة، والعمل على تعريف الأمة الإسلامية وغيرها من الأمم الإنسانية بشخصية هذا الإمام العظيم.