سمحة الشيخ عبدالله أحمد اليوسف يلقي خطبته على المصلين (صورة أرشيفية)
|
تحدث سماحة الشيخ الدكتور عبدالله أحمد اليوسف في خطبة عيد الفطر الأولى عن نورانية القلب، وأن القلب يشع نوراً بالطاعات والعبادات والأعمال الصالحة، ويكون مظلماً عندما يكون صاحبه غارقاً في المعاصي والذنوب الكبيرة.
وأضاف: إن تعويد اللسان على ذكر الله تعالى دائماً ينير القلب، كما أن المداومة على تلاوة القرآن الكريم له أثر كبير في إنارة القلب، وتقوية البصيرة. فقد روي عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أنه قال: «عليك بتلاوة القرآن وذكر الله كثيراً، فإنه ذكر لك في السماء ونور لك في الأرض». وقال الإمامُ عليٌّ عليه السلام: «عَليكَ بِذِكرِ اللَّهِ، فإنّهُ نورُ القلوبِ».
وتابع: إن المحافظة على الصلوات الواجبة في أوقاتها، وقيام الليل، والتهجد في السحر، والإكثار من الصلاة على محمد وآل محمد من الأمور التي تجعل القلب نورانياً كما ورد في الأخبار والروايات.
وبيّن أن القلب النوراني يكون سليماً من الأحقاد والضغائن والعقد والأمراض النفسية والروحية، بينما القلب السوداوي يكون ملوثاً بالأحقاد والكراهية والبغض تجاه الآخرين.
وأما في الخطبة الثانية فقد تحدّث سماحة الشيخ عبدالله اليوسف عن الحاجة إلى الاعتدال والتوازن في جميع أمور الحياة، والابتعاد عن التشدد والتطرف؛ لأن الاعتدال قوة في العقل والشخصية والفكر، والتشدد ضعف في العقل والفهم والإدراك.
وقال- أمام حشد كبير من المصلين-: إن الدين الإسلامي يدعو إلى التحلي بصفة الاعتدال، لأنه الطريق الوسط الذي يجنب الإنسان الوقوع بين طرفي الإفراط والتفريط.
وتابع: إن الإنسان المتطرف شخص جاهل، وهو متطرف إما إلى طرف الإفراط أو إلى طرف التفريط، يقول الإمام علي عليه السلام: «لا تَرى الجاهِلَ إلّامُفْرِطاً أو مُفَرِّطاً»، وعنه عليه السلام قال: «الجاهِلُ لَن يُلْفى أبداً إلّامُفْرِطاً أو مُفَرِّطاً».
وأوضح أن الفضيلة حالة اعتدال ووسط بين رذيلتين؛ فالشجاعة وسط بين التهور والجُبن، والكرم وسط بين الإسراف والتقتير، والتواضع وسط بين التكبر والضعة.
وأردف بالقول: إن الاعتدال كالخيط الدقيق يحتاج إلى ضبط الميزان حتى لا يطغى جانب على آخر، وفيه وبه تنتظم جواهر الفضائل والأخلاق الفاضلة.
وأشار إلى جوانب من الاعتدال التي ينبغي مراعاتها في حياة المسلم، وحتى في الطاعات والعبادات يجب أن يكون الإنسان معتدلاً حتى لا يقصر في القيام بواجباته الأخرى.
فقد روى الإمام الصادق عليه السلام قال: إنَّ ثَلاثَ نِسوَةٍ أتَينَ رَسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله، فَقالَت إحداهُنَّ: إنَّ زَوجي لا يَأكُلُ اللَّحمَ، وقالَتِ الاخرى: إنَّ زَوجي لا يَشَمُّ الطّيبَ، وقالَتِ الاخرى: إنَّ زَوجي لا يَقرَبُ النِّساءَ.
فَخَرَجَ رَسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله يَجُرُّ رِداءَهُ، حَتّى صَعِدَ المِنبَرَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وأثنى عَلَيهِ، ثُمَّ قالَ: ما بالُ أقوامٍ مِن أصحابي لا يَأكُلونَ اللَّحمَ، ولا يَشَمّونَ الطّيبَ، ولا يَأتونَ النِّساءَ؟! أما إنّي آكُلُ اللَّحمَ، وأشَمُّ الطّيبَ، وآتِي النِّساءَ، فَمَن رَغِبَ عَن سُنَّتي فَلَيسَ مِنّي».
ولفت في جانب آخر إلى أهمية الاعتدال في المشاعر، فلا يكون متطرفاً في حبه وبغضه للآخرين، لأن التطرف في الحب والبغض يؤدي إلى العمى عن رؤية الحقائق، وعدم القدرة على التعامل الصحيح مع الأصدقاء وغيرهم.
وقد أشار الإمامُ عليٌّ عليه السلام إلى ذلك بقوله: «أحبِبْ حَبيبَكَ هَوناً ما فعَسى أن يَكونَ بَغيضَكَ يَوماً ما، وأبغِضْ بَغيضَكَ هَوناً ما فعَسى أن يَكونَ حَبيبَكَ يَوماً ما» . وعنه عليه السلام قال: «إذا أحبَبتَ فلا تُكثِرْ» أي لا تتطرف في حبك للأشخاص، بل كن معتدلاً في مشاعرك حتى في الحب.
وشدد على ضرورة الاعتدال في الطعام والشراب، حفاظاً على الصحة، والوقاية من الأمراض، وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك في قوله تعالى: ﴿ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾.
وبيّن أن كثيراً من الأمراض المعاصرة سببها عدم الالتزام بهذه القاعدة القرآنية، والإسراف في الأكل والشرب بدون اعتدال.
ودعا في ختام خطبته إلى الاعتدال في تبني الأفكار، وعدم التعصب أو التشدد تجاه الأفكار التي نتبناها سواء بقناعة أو بوراثة، مبيناً أن أي فكرة قابلة للخطأ والصواب، وأنها ليست معصومة عن الخطأ.
وقال: كل شخص منا يتبني بعض الأفكار في بداية حياته وشبابه، وعندما يكبر وينضج ويرشد أكثر يتضح له خطأ ما كان يتعصب له من أفكار، وربما يضحك على تبنيه لها!
وأكّد على أهمية الاستماع إلى أفكار الآخرين، وتقبل نقد ما نراه صحيحاً من أفكار، والاعتدال في التعامل مع أي فكرة؛ لأنه في أي وقت قد نرى خطأ ما كنا نعتقد بصحته، وصحة ما كنا نراه خطأ.