سمحة الشيخ عبدالله أحمد اليوسف يلقي خطبته على المصلين (صورة أرشيفية)
|
قال فضيلة الشيخ الدكتور عبدالله أحمد اليوسف في خطبة الجمعة 13 ربيع الأول 1442هـ الموافق 30 أكتوبر 2020م: إن الإساءة إلى رسول الله إساءة إلى كل الرسل والأنبياء؛ لأن النبي هو وارث جميع الرسل والأنبياء السابقين، وبه ختمت النبوات والشرائع السماوية.
وأضاف قائلاً: إن الإساءة إلى رسول الله هو إساءة إلى نبي الله عيسى ، وإلى نبي الله موسى، وإلى سائر أنبياء الله ورسله الذين بعثهم الله تعالى لهداية عباده عبر التاريخ.
واعتبر أن الإساءة إلى رسول الله بالقول أو الفعل، بالرسم أو بغيره هو استفزاز لمشاعر وعواطف أكثر من مليار ونصف من الناس الذين يتبعون هذا النبي العظيم الذي بعث رحمة للعالمين.
وشدّد على أهمية اتباع الوسائل السلمية والحضارية في الدفاع عن نبي الإسلام، لأن ذلك هو أكثر الوسائل إقناعاً وفائدة وتأثيراً في الرأي العام العالمي.
وأشار إلى أهمية التعريف بشخصية رسول الله بما يليق بمقامه العظيم، وإيصال رسالته الإنسانية إلى كل الناس في العالم.
ومن جهة أخرى حذّر فضيلته من التساهل في التكفير، وإتباع خطاب الكراهية والتحريض المذهبي والديني، والذي عانت منه البشرية كثيراً.
واعتبر أن ظاهرة التساهل في التكفير من أكثر المحن التي ابتليت بها الأمة، وأدت طوال التاريخ إلى نشوء الكثير من الصراعات والمآسي بين المسلمين.
وأوضح أن أول حركة تكفيرية نشأت في القرن الهجري الأول هي حركة الخوارج، وقد تبنت الرأي القائل بكفر أو شرك مرتكب الكبيرة من المسلمين، وعُرفت هذه الحركة التكفيرية بالقسوة والشدة والعنف، وانتهاك الأعراض والأموال والأنفس، ووصل بهم الجرأة إلى حد تكفير الإمام علي بن أبي طالب لأنه رفض التراجع عن قبول التحكيم، مما اعتبروه معصية كبيرة في نظرهم، وهو أمر يستوجب التكفير!
وقال: توالت بعد ذلك الحركات والتيارات التكفيرية في الأمة، فنشأت حركات تكفر المجتمع الإسلامي برمته، أو تكفر كل من يختلف معها في مذهب أو معتقد أو رأي اجهادي أو منهج في الفكر والتفكير.
وتابع: لم يقتصر التكفير على أصحاب المذاهب المختلفة كما كان بين المعتزلة والأشاعرة، أو بين السنة والشيعة، بل وصل الأمر إلى درجة تكفير حتى أصحاب المذهب الواحد لبعضهم البعض لمجرد اختلاف في بعض الآراء الاجتهادية، أو المناهج العلمية أو العملية.
وبيّن أن النصوص الدينية المعتبرة تنهى عن تكفير المسلم بغير حق، ويصدق المسلم على كل من أقرّ بالشهادتين، وصَدَّق بالتوحيد والرسالة والمعاد، وبذلك يدخل الإنسان في عداد المسلمين، ويعصم بذلك دمه وماله وعرضه، لقول رسول الله : «كُلُ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ».
وأن المناط في الإسلام وحقن الدماء والتوارث وجواز النكاح إنما هو شهادة أن لا إله إلَّا الله وأن محمداً رسوله، وهي التي عليها أكثر الناس، ويدل على ذلك ما في صحيح حُمْرَانَ بْنِ أَعْيَنَ: عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «الْإِسْلَامُ مَا ظَهَرَ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ، وَ هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ جَمَاعَةُ النَّاسِ مِنَ الْفِرَقِ كُلِّهَا، وَ بِهِ حُقِنَتِ الدِّمَاءُ، وَ عَلَيْهِ جَرَتِ الْمَوَارِيثُ، وَ جَازَ النِّكَاحُ».
وما في موثقة سَمَاعَةَ، عن أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: «الْإِسْلَامُ شَهَادَةُ أَنْ لَاإِلهَ إِلَّا اللَّهُ، وَالتَّصْدِيقُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ؛ بِهِ حُقِنَتِ الدِّمَاءُ، وَعَلَيْهِ جَرَتِ الْمَنَاكِحُ وَالْمَوَارِيثُ».
وأوضح الشيخ اليوسف: إن المشهور بين فقهاء الشيعة قديماً وحديثاً هو القول بإسلام كل من أقر بالشهادتين، ولم ينكر ضرورياً من ضروريات الإسلام، وهو ما عليه الفتوى والعمل.
وبيّن أن فتوى السيد السيستاني الأخيرة واضحة وجلية لا لبس فيها، ولا تحتمل التفسيرات والتأويلات المتعددة، حيث نصت على: «إن المسلم غير الاثني عشري مسلم واقعاً وظاهراً؛ لا ظاهراً فقط، ولذاك فإن عبادته كصلاته وصومه وحجه تكون مجزية ومبرئة لذمته من التكليف بها إذا كانت مستوفية الشروط».
وأكد على أهمية اتباع الأسلوب المناسب والحكيم في عرض الآراء والأفكار والاجتهادات المتعددة، بعيداً عن لغة التهييج والإثارة المضرة بمصالح الإسلام ووحدة المسلمين.
وقال: ليس كل ما في بطون الكتب صالحاً للنشر، ففي التراث الغث والسمين، الصحيح والسقيم، وبعض ما فيها أصبح من الأفكار الميتة غير القابلة للحياة، ولم يعد يقول بها أحد من أهل العلم والفضل.
وتابع: في تاريخ المذاهب والفرق الإسلامية الكثير من المذاهب التي انقرضت وماتت بموت أصحابها، وانقرضت مقولاتها التي لو قال بها أحد الآن لأصبح محلاً للتندر والضحك!
ولفت إلى أن الجماعات التكفيرية بأعمالها الإرهابية والمتطرفة شوهت شخصية النبي العظيم ، وصورة الإسلام ورسالته السمحاء.
ودعا المسلمين كافة إلى التوحد والاتحاد تحت راية رسول الله ، فالنبي الكريم محل إجماع عند جميع المسلمين على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم ومدارسهم المتنوعة، وأن يعملوا بحكمة ولباقة على تعريف العالم كله بالشخصية العظيمة للنبي الأكرم ، وإبراز تجليات ومعالم رحمته ورفقه وإنسانيته التي لا نظير لها إلى كل الشعوب والأمم في الأرض.