غلاف كتاب: التدبر ومناهج التفسير
|
هناك أسئلة معتبرة تواجه الفكر الإسلامي، في سياق ملاحقته للإشكالات والمشكلات والمعوقات النظرية أو العملانية في الحياة المعاصرة سواء على مستوى المقصد أو المنهج، وأهم سؤال في الواجهة الثقافية الإسلامية يتمثل في: ما مدى معرفتنا وفهمنا للقرآن الكريم؟ وكيف يتحقق ذلك وعلى أي محددات وأسس يكون تعاملنا مع القرآن حيوياً ومحققاً لمقاصده الحضارية؟
أحد أبعاد هذه الإشكالية التعامل مع القرآن الكريم، بحثها الشيخ الدكتور عبد الله اليوسف في دراسة مقتضبة، جاءت في سياق فكري وثقافي بدأ في التبلور، وهو البحث عن أجوبة خاصة بفعالية الروح القرآنية في واقعنا كمسلمين، يشكل هذا الكتاب الذي أقدمه للقراء حلقة من حلقات التعبير عن الاهتمام المعرفي والمنهجي بثقافة القرآن ضمن حلقات سابقة تعنى بالثقافة القرآنية عامة.
صدر كتاب «التدبر ومناهج التفسير» للمفكر الإسلامي الشيخ الدكتور عبد الله أحمد اليوسف عن دار أطياف للنشر والتوزيع في طبعته الأولى سنة 2021م، يقع في 70 صفحة من القطع المتوسط.
تستهدف هذه الدراسة المختصرة تقديم إضاءات على مطلبين مهمين متعلقين بالقرآن الكريم؛ المطلب الأول حول معنى التدبر والتفسير بالرأي وبيان الفرق بينهما، أما المطلب الثاني يدور حول مناهج التفسير الرئيسة، حيث التركيز على منهج تفسير القرآن بالقرآن ومنهج تفسير القرآن بالسنة مع ذكر نماذج لكل منهج من هذه المناهج التفسيرية.
ويشير الشيخ الدكتور اليوسف في مقدمة الكتاب إلى رسوخ اتفاق على أن فهم القرآن واستيعاب مطالبه هو نقطة الانطلاق نحو التطبيق العملي لمفاهيم القرآن وأحكامه، فيجب أن نتدبر في آياته وسوره، كما يؤشر إلى أننا كمسلمين علينا أن نعمل على تعظيم القٍرآن وتعاهده، والعناية به أشد عناية... [1] .
في الفصل الأول المعنون بـ «التدبر والتفسير بين المشروع والممنوع»، يتطرق الباحث إلى تسليط الضوء على ثلاث مطالب:
1. القرآن الكريم أنزل للعمل بما جاء به والاقتداء بنوره، حيث لا يتأتى ذلك إلا من خلال التدبر في مضامينه وفهم أحكامه وتفسير آياته والتفكر والتأمل في مقاصده ومعانيه ودلالاته، والحث على ذلك كله عبر الاستشهاد بآيات القرآن وروايات السنة الشريفة وأقوال العلماء الثقات.
2. مقاربة وتفكيك ماهية تفسير كتاب الله بالرأي، وتبيان الفرق بين ذلك النهج والتفسير والتدبر في آيات القرآن العظيم، انطلاقاً من روايات معتبرة حول النهي عن التفسير بالرأي، ومآلات وعواقب ذلك المنهج وأثره على العامل به.
3.ترسيخ مفهوم التدبر عبر عرض التعريفات اللغوية، وأهم المقاربات الاصطلاحية لدى العلماء والمفسرين للكشف عن الفرق بين التفكر والتدبر أولاً تمهيداً لوعي أن التفسير بالرأي خلاف التدبر، وصولاً إلى فساد الأول وصلاح الأخير.
وفي الفصل الثاني «مناهج في التفسير والتدبر»، يعتبر الباحث أن التفسير يمكن تقسيمه إلى قسمين كلاهما يتفرع إلى عدة مناهج تفسيرية معتمدة لدى مفسري القرآن الكريم:
1. التفسير بالعقل:
أ. بالعقل الصريح النظري.
ب. في ضوء المدارس الكلامية.
ت. التفسير الاجتهادي (النظر، التأمل والتفكير).
2. التفسير بالنقل:
أ. تفسير القرآن بالقرآن (أقدم المناهج التفسيرية)
ب. تفسير القرآن بالسنة.
ت. تفسير القرآن بأقوال الصحابة والتابعين.
حيث اكتفى الباحث الشيخ الدكتور اليوسف بإشارات مختصرة حول بعض هذه المناهج التفسيرية:
1. أقدمية منهج تفسير القرآن بالقرآن وأفضليته لدى معظم المفسرين لموضوعيته مع عرض بعض النماذج لهذا المنهج من خلال عدة روايات معتبرة لدى المسلمين.
2. أهمية المأثور من التفسير دون الاستغناء عن المناهج التفسيرية المشروعة الأخرى.
3. حاجة المفسر بالمأثور أو بالسنة لمعرفة صحة الروايات سنداً ومتناً، أي توافر شرائط الحجية خصوصاً فيما يتعلق بآيات الأحكام والعقائد.
4. حجية أخبار الآحاد المحفوفة بالقرائن والمعتبرة دون الضعيفة في التفسير بالسنة.
في ختام البحث، ينتهي الباحث لنتائج مهمة:
أ. مركزية التدبر في معادلة التفسير.
ب. التكامل الوظيفي بين مفهوم التدبر وصحة المنهج في التفسير.
ت. أفضلية تفسير القرآن بالقرآن تجنباً للوقوع في التفسير بالرأي.
ث. اعتماد تفسير القرآن بالمأثور من السنة يشترط توفر الأعلمية أو توافر شرائط الحجية فيه.
هذه الدراسة تعكس عدة نقاط مهمة ترتبط بموضوعات التدبر والتفسير ومناهجه على الرغم من أنها جاءت مختصرة جداً، مما يدفعنا لطرح بعض التوصيات للباحث المؤلف سماحة الشيخ الدكتور عبد الله اليوسف ليس نقداً للبحث ولا تقليلاً من الأهداف التي رسمها وحددها في مقدمة البحث وإنما سعياً لتطوير خريطة الكتاب وتعميقاً للمباحث وتفصيلاً للمطالب مستقبلاً، مع اعتماد الموضوعية في عرض جل سياقات الموضوع المركزي والرئيسي المتمثل في استراتيجية التدبر ومناهج التفسير (تحليلاً ونقداً):
1. إضافة مبحث خاص بدراسة علوم القرآن بين الفكر الإسلامي والفكر الحداثي.
2. دراسة تطور اتجاهات التفسير ومناهجها عبر التاريخ الإسلامي.
3. مقارنة المناهج التفسيرية لدى اتجاهات الفكر الإسلامي.
4. تأثير الاستشراق في مناهج التفسير بالرأي الحديثة والمعاصرة.
5. مقاربة جدلية تفسير القرآن بين الفقه والفلسفة في ظل تحديات الهرمنيوطيقا.
6. تخصيص فصل تحليلي نقدي لأهم الاتجاهات التفسيرية المعاصرة في المجال الاسلامي.
الشيء الأكيد أن هذه الدراسة نبعت من سعي فكري نقدي لمراجعة العلاقة بالقرآن والوقوف على اختلالاتها التي عطلت مقاصد القرآن، ولتخطي مآزق التعامل الخاطئة في فهم الآيات، كما استهدفت تجاوز التباسات مناهج التفسير وإخفاقات امتلاك الرؤية القرآنية، الكتاب هو دليل أولي عام حول أحد المباحث الأساسية في الصياغة الإسلامية للفكر والعمل والتطلع، اعتبره ارهاصة فكرية حول التدير ومناهج تفسير القرآن الكريم من عتمة الخطاب التقليدي المعتم مفاهيمياً إلى ضوء الفهم العام والمبسط، لكنه يبقى في النهاية خميرة دراسة أوسع وأعمق استنقاذاً لوعي التعامل مع القرآن بما يتناسب وتحديات الواقع والمستقبل.