صلاة المرأة جماعة في المسجد أفضل
المناضل - سيهات - 06/05/2006م
ماهو الأفضل للمرأة الصلاة في بيتها أم في المسجد (صلاة جماعة) علماً بأن للمسجد يحوي قسمين: قسم خاص بالرجال، وقسم آخر مخصص للنساء منفصل تماماً عن قسم الرجال بحيث أن المرأة لا ترى الرجال ولا الرجال تراها أثناء الصلاة ؟
الإجابة:
ذهب المشهور من الفقهاء إلى أفضلية صلاة المرأة في بيتها مستدلين على ذلك ببعض النصوص الدالة على ذلك. قال صاحب العروة الوثقى: (والأفضل للنساء الصلاة في بيوتهن وأفضل البيوت بيت المخدع؛ أي بيت الخزانة في البيت)(1)
لكن من الفقهاء المعاصرين من خالف المشهور، ويرون أفضلية الصلاة في المسجد للمرأة كما للرجل؛ وخصوصاً صلاة الجماعة. ومنهم السيد الشيرازي الذي علق على ما ذكره صاحب العروة بقوله: هذا ما ذكره جمع من العلماء بل بعضهم ادعى الشهرة عليه؛ بل عن العلامة في التذكرة ادعاء كراهة إتيانهن المساجد؛ لكن عن الدروس والذكرى إنه يستحب للنساء الاختلاف إلى المساجد كالرجال وإن كان البيت أفضل. خلافاً لإطلاق الغالب من الفقهاء حيث لم يخصص فضيلة المسجد بالرجال كما لم يخصصوا فضيلة الجماعة وزيارة المشاهد والحج والعمرة بهم؛ بل هذا هو الذي يقتضيه إطلاق دليل الاشتراك. ولقد أغرب في الجواهر حيث قال: ((لا نعرف خلافاً بينهم بل ظاهرهم الاتفاق عليه في أفضلية صلاتها في المنزل من صلاتها فيها- أي المساجد- رعاية للستر المطلوب منهن، وحذراً عن الافتتان بهن...الخ))(2) بعد أن ذكر هو أن بعض الأصحاب أطلق وأنه هو مقتضى أصالة الاشتراك في الأحكام فتأمل
وكيف كان فقد استدل للإطلاق بإطلاقات الأدلة، و بأنه كان المتبع من زمان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، حيث أنهن كن يحضرن المساجد والمشاهد في الصلوات والزيارات من غير إنكار من الرسول أو من الأئمة (عليهم السلام)، بل تقرير منهم لهن، بل هو سيرة المتدينات والمتدينين الذين يأذنون لهن إلى هذا اليوم، ولذا ترى المشاهد والمساجد تعج بالنساء كما يعج بالرجال، واستدل لما ذكره المصنف تبعاً للجواهر وغيره بأن المطلقات مقيدات، بجملة من الروايات:
كمرسلة الفقيه، قال أبو عبدالله (عليه السلام) :(( خير مساجد نسائكم البيوت)) (3).
ومرسلته الأخرى، قال: (( روي أن خير مساجد النساء البيوت، وصلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في صفتها، وصلاتها في صفتها أفضل من صلاتها في صحن دارها، وصلاتها في صحن دارها أفضل من صلاتها في سطح بيتها، وتكره للمرأة الصلاة في سطح غير محجر))(4).
وعن هشام بن سالم، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: ((صلاة المرأة في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها، وصلاتها في بيتها أفضل من صلاتها في الدار)) (5).
وعن أبي همام، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: ((إذا صلت المرأة في المسجد مع الإمام يوم الجمعة ركعتين فقد نقصت صلاتها، و إن صلت في المسجد أربعاً نقصت صلاتها،لتصل في بيتها أربعاً أفضل)) (6) .
وعن مكارم الأخلاق، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ((صلاة المرأة وحدها في بيتها كفضل صلاتها في الجامع خمساً وعشرين درجة)) (7) .
هذا ولكن شيء من هذه الروايات لا تصلح مقيدة للمطلقات البالغة أكبر قدر من التواتر، إذ ظاهر خبر يونس أن البيت بالنسبة إلى المرأة خير من المسجد، فهو يدل على أن البيت له فضل ولا يرتبط ذلك بالصلاة فهو من قبيل قولهم الكتاب محراب العالم فيكون ذلك تحريضاً لها في ملازمة البيت وخدمة الأب والزوج، ورواية هشام: إنما هي في تفاصيل بعض أجزاء البيت على بعض الأجزاء الأخر؛ فهي مثل ما دل على أفضلية طرف الرأس عند الإمام عن طرف الرجل، فليس فيه مقارنة بين المشهد والمسجد الحرام مثلاً.، هذا بالإضافة إلى أنه لم أجد من قال بمضمون الرواية، بل ظاهرها الاحتياط في الستر حتى بهذا المقدار، ومن الكلام في الروايتين يظهر وجه عدم الدلالة في مرسلة الفقيه.
أما رواية أبي همام فظاهر من تخصيصها الكلام بالجمعة عدم اطراد الحكم في سائر الصلوات، ووجه التخصيص أن الجمعة محل الازدحام ولا جمعة على المرأة، ورواية المكارم لا دلالة فيها على الأفضلية، بل على الأنقصية؛ إذ تقدم أن فضل الجامع مائة صلاة، هذا مع أن غالب هذه الروايات مراسيل فلا تقاوم المسانيد القطعية المطلقة، ولو قيل بالتسامح فمع المطلقات لا مع هذه الروايات، بالإضافة إلى معارضتها بما رواه العوالي، عن رسول الله (صلى الله عليه وآل وسلم) قال: ((إذا استأذنت أحدكم امرأته إلى المسجد فلا يمنعها)) (8) وإلى معارضتها بتقرير الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والإمام علي (عليه السلام) حيث كانت النساء يحضرن المسجد للجماعة في طول الأيام ولم يصدر من الرسول والإمام منع أو تنبيه على المنع، والسيرة القطعية مؤيدة لذلك، ثم هل يقال مثل الكلام في المساجد بالنسبة إلى المشاهد المشرفة والحج والعمرة، إذ القول بذلك في المسجد يستلزم القول به في المشهد للتلازم العرفي بين الأمرين، والمسألة حسب ما وجدت ممن تعرض لها قلة من الفقهاء المتأخرين كالعلامة والشهيد ومن تبعهما، كما أني لم أجد عبارة ( مسجد المرأة بيتها) في الروايات ولعله من عبارة الشهيد كما تنسب إليه، فالقول بمساواتهن للرجال في فضيلة المساجد والمشاهد أقرب) (9)
وقال السيد محمد الشيرازي أيضاً في رسالته العملية: ( الأفضل ـ في نفسه ـ أن يأتين بصلواتهن في البيوت بل في الغرف الخلفية، ولكن الأفضل لهن ان يأتين بالصلاة في المسجد لو قدرن أن يحفظن أنفسهن من الرجال الأجانب خصوصاً في الجماعة ) (10) .
وعلق السيد السيستاني (دام ظله) على ماقاله صاحب العروة بقوله: (بل الأفضل لهن اختيار المكان الأستر ويختلف حسب اختلاف الموارد) (11)
وقال السيد السيستاني أيضاً في رسالته العملية: ( ولا فرق في استحباب الصلاة في المساجد بين الرجال والنساء وان كان الأفضل للمرأة اختيار المكان الأستر حتى في بيتها ) (12) .
وقال السيد الخميني في جواب على السؤال التالي:
هل اشتراك النساء في صلاة الجمعة والجماعة فيه كراهية؟
فقال ( قدس سره): لا توجد فيه كراهية بل يكون مطلوباً في بعض الموارد (13) .
ويرى المرجع الديني الشيخ ناصر مكارم الشيرازي وجوب حضور المرأة للصلاة جماعة في المسجد في بعض الأحيان؛ حيث قال رداً على السؤال التالي:
هل ثمة كراهة في مشاركة النساء في صلوات الجماعة اليومية وصلاة الجمعة؟
قال (دام ظله): إن مشاركتهن في الظروف الحالية أفضل، وأحياناً تكون واجبة (14) .
وقال المرجع الديني السيد صادق الشيرازي في جواب على السؤال التالي:
جاء في الرسالة العملية أن من الأفضل للنساء أن يصلين في بيوتهن، ألا يوجد استثناء لهذا الحكم؟
فأجاب قائلاً (دام ظله): إن استطاعت المرأة أن تحافظ على حجابها وعفافها، وتستر نفسها عن غير المحارم، فالصلاة في المسجد أفضل (15) .
ومما تقدم يتضح أن مجموعة من كبار الفقهاء المعاصرين يرون أن صلاة المرأة في السجد - وخصوصاً لحضور صلاة الجماعة- أفضل، لما له من فوائد وثمار إيجابية، خلافاً لرأي المشهور بين الفقهاء، و بعض الفقهاء المعاصرين الذين يرون أفضلية صلاة المرأة في بيتها مطلقاً، وليس في المسجد.
ـــــــــــــ
الهوامش:
1 - العروة الوثقى، السيد اليزدي،مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، الطبعة الأولى 1410هـ-1990م،ج1، ص422، م4.فصل في الأمكنة المكروهة.
2- جواهر الكلام، الشيخ النجفي، ج14، ص149.
3- من لايحضره الفقيه، الشيخ الصدوق، ج1، ص 238، رقم718.
4 - من لايحضره الفقيه، الشيخ الصدوق، ج1، ص374، 1088.
5- من لايحضره الفقيه، الشيخ الصدوق، ج1، ص397، رقم1179.
6- تهذيب الأحكام، الشيخ الطوسيي، ج3، ص241، رقم644.
7 - مكارم الأخلاق، الشيخ الطبرسي، ص233، الفصل العاشر في نوادر النكاح.
8 - عوالي اللئالي،ابن أبي جمهور الأحسائي، ج1، ص136.
9- الموسوعة الفقهية: كتاب الصلاة، السيد الشيرازي، ج19، ص198-201.
10 ـ المسائل الإسلامية، السيد محمد الحسيني الشيرازي، ص 271، رقم المسألة 901.
11 - تعليقة السيد السيستاني على العروة الوثقى، ج2، ص83، م1380.
12 ـ منهاج الصالحين، السيد علي الحسيني السيستاني، ج1،ص 187، م561.
13 ـ أحكام المرأة في الإسلام، السيد مرتضى الميلاني، ص 87، سؤال 118.
14 ـ الفتاوى الجديدة، الشيخ ناصر مكار الشيرازي، ص 73، رقم السؤال 260.
15 ـ أحكام النساء، السيد صادق الحسيني الشيرازي، ص 64- 65.
سماحة الشيخ عبد الله اليوسف