من المواضيع الحساسة التي لا تزال المكتبة الإسلامية تفتقر إلى تناولها بالبحث والتحليل والفهم، موضوع الشباب، حيث أغفل الكثير من المفكرين الإسلاميين هذا المبحث الإستراتيجي في بلورة الرؤية الحضارية المتكاملة للأمة، كما أننا لو حاولنا القيام ببحث حول موضوع الشباب في الفكر الإسلامي المعاصر، سنصادف مقالات متناثرة ودراسات سطحية، أما البناء المعرفي للموضوع فهذا المطلوب المفقود في الواقع البحثي الأكاديمي العربي والإسلامي، أما في الإطار الديني والخطاب الإسلامي فهناك ثلة من خطباء المنبر الحسيني والجماهيري، أمثال الشيخ عبد الله اليوسف، عرفت بالدفاع عن حقوق الشباب وإرشاد الشباب المسلم، ويكفي المتابع الحصيف لنتاجات هذا المفكر الإسلامي المميز، دليلًا على رعاية سماحته وتكلفه عناء النهوض بواقع الشباب المسلم، حيث كان آخر ما اطلعت عليه من مؤلفات سماحته الخاصة بالشباب، كتاب صغير في حجمه، كبير في أفكاره، إنَّه كتاب «الشباب هموم الحاضر و تطلعات المستقبل».
وكم هو جميل ما ذكره المؤلف في مقدمته "ولأنَّ اليوم ليس الأمس، فشباب اليوم ليسوا هم شباب الأمس، وأحلام وآمال شباب اليوم تختلف بالتأكيد عما كان لدى شباب الأمس من قضايا وهموم وتطلعات "، فهذه رسالة صريحة تبين لنا أنَّ خطاب الشباب وحواره ونصحه وإرشاده يحتاج لآليات جديدة تتناسب وهذه التطورات.
يناقش الكتاب في فصله الأول المعنون بـ: "الشباب والقيم"، مبينًا دور التربية الروحية في صقل الشخصية ويبين دور القيم العليا في تحديد السلوك لدى هذه الفئة ويعقب سماحته ويبين فلسفة الإسلام تجاه الإنسان القائمة على التوازن بين أبعاد الإنسان ومكوناته الروحية والعقلية والجسمية.
أما الفصل الثاني فلقد خصصه العلامة الشيخ لدراسة بناء الذات وهذا ما بينه عنوان الفصل الثاني: "الشباب وبناء الذات"، حاول فيه التنبيه منبهًا الى دور التعليم في بناء الذات، بيد أنَّه يقف مبيناً الفارق الكبير بين التعليم التلقيني والتحليلي، فيبين لنا ما يشهده الواقع اليوم، إذ أصبح همّ الشباب النجاح في الامتحان بأيِّ تقدير، بعيداً عن الفهم والمعرفة حتى وصل الأمر إلى درجة أن بعض المتخرجين من الجامعات لا يحسنون القراءة والكتابة الصحيحة!! واضعًا الحلول المناسبة للقضاء على هذه الآفة. ثم يعرج مخاطباً الشباب ويذكِّرهم بفضل العمل معززًا ذلك بأحاديث استلهمت منها الدروس وأخذت العبر في سيرة الرسول والآل .
لم يغفل سماحته أهمية الوقت وضرورة تنظيمه، واضعاً القواعد الذهبية في تنظيم الوقت ولخصها لتكون وصايا مركزة في تنظيم الوقت. ويعالج الكاتب تلك المشكلة الكبيرة التي يشهدها مجتمعنا اليوم المتمثلة بأعداء الصحة:" التدخين، المسكرات، والمخدرات ".
فيواجه القارئ في الفصل الثالث عنوان "الشباب والزواج"، والجميل أن سماحة الشيخ اختصر الحديث بتوصيف فضل الزواج، مبينا أنَّ الجنس في المنظور الإسلامي واحدة من الطاقات الحيوية التي قنَّنها ووضع لها ضوابطها وأحكامها، فالحب المنضبط هو ما يريد الإسلام حرصاً ورعاية للشباب من حب النزوات والخداع.
وبعد التفكيك والتوصيف والتوجيه النظري، ينتقل سماحة الشيخ بالقارئ الشاب إلى البعد العملي في الفصل الرابع الذي عنونه بـ "الشباب والترويح عن النفس" حيث يضع برنامجًا ترويحيًا واعيًا عن النفس، فليس المطلوب في ديننا الحنيف أن ننزوي وندفن أنفسنا أحياء، فالترويح عن النفس من الأمور المندوبة التي حثَّ عليها شرعنا المقدس.
ثم يعرج الكاتب ويناقش تأثير وسائل الإعلام على الشباب والمبادئ الأخلاقية التي تأثرت كثيرًا بتكنلوجيا المعلومات في الفصل الخامس، ليضع الآليات الملائمة لمواجهة تلك المؤثرات ويبرز دور التربية الدينية للشباب والمراهقين في تنمية الوازع الديني لدى الإنسان.
لا مناص أنَّ هذا الكتاب بالغ الأهمية، على المستوى الثقافي والتربوي وكذا الإستراتيجي المستقبلي، فقد كان أسلوب وفكر العلامة اليوسف رائدًا في تحليل الأمراض الاجتماعية والثقافية في واقعنا الإسلامي وتشخيصها، وهذا الكتاب من شأنه أن يفتح المجال لبحوث أكاديمية دقيقة لكل مبحث من مباحثه، تسهم في بناء صورة معرفية علمية رصينة حول عالم الشباب وتطلعات المستقبل.
في الختام، أدعو كل الشباب، إلى مطالعة هذا الكتاب البسيط والمهم في آن واحد؛ لأنَّه لا يحتاج الى وقت كثير، لكن الأكيد أنك إذا فتحته سوف تزيد شهية مطالعته عندك؛ لأنه ببساطة كلام أبوي، وتكفيك واجهته التي تعبر لك عن كل بانوراما الشباب، وتجذبك نحو الخطاب الإسلامي المنفتح والبنَّاء، وأستسمح سماحة الشيخ عبد الله اليوسف، إن كنت قد جانبت الصواب في أي طرح طرحته، لكن لثقتي بشخصه الكريم ركبت الصعب، ونسأل الله أن يديمه ذخرًا لنا وللأمة الإسلامية أجمع. والحمد لله رب العالمين.
الجدير بالذكر أن كتاب (الشباب هموم الحاضر وتطلعات المستقبل) لسماحة الشيخ الدكتور عبدالله أحمد اليوسف قد صدر في طبعته الرابعة 1439 هـ - 2018م عن مركز عين للدراسات والبحوث المعاصرة في النجف الأشرف. وقد سبق أن صدرت الطبعة الأولى عام 1421هـ - 2000م مطبعة سيهات – السعودية. والطبعة الثانية عام 1423هـ - 2002م مؤسسة البلاغ، بيروت - لبنان. والطبعة الثالثة عام 1436هـ - 2015م، منشورات ضفاف، بيروت - لبنان.