فلسفة العيد
الشيخ عبدالله اليوسف - « محرر الموقع » - 12 / 11 / 2010م - 7:57 م
ويخطئ كثير من الناس عندما يتصورون أن العيد يوم للمرح واللعب واللهو، فالعيد في المفهوم الإسلامي يوم للعبادة والانطلاق في رحاب العمل الصالح، وهو يوم فرح لمن تقبل الله صيامه، ويوم حزن لمن لم يتقبل منه أعماله.
وقد أوضح أمير المؤمنين (عليه السلام) ذلك بقوله: (( إنما هو عيد لمن قَبِلَ الله صيامه، وشكر قيامه، وكل يوم لا يعُصى الله فيه فهو عيد )) (1) .
وبَيَّنَ الإمام الحسن بن علي (عليه السلام) فلسفة العيد، وأنه يوم للطاعة والعبادة وليس للعب واللهو، إذ مَرَّ (عليه السلام) في يوم فطر بقوم يلعبون ويضحكون، فوقف على رؤوسهم فقال: إن الله جعل شهر رمضان مضماراً لخلقه، فيستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته، فسبق قوم ففازوا وقصًّر آخرون فخابوا، فالعجب كل العجب من ضاحك لاعب في اليوم الذي يثاب فيه المحسنون ويخسر فيه المبطلون، وأيم الله لو كشف الغطاء لعلموا أن المحسن مشغولٌ بإحسانه والمسيئ مشغول بإساءته، ثم مضى (2) .
والعيد عيد لمن غُفِر له ذنوبه، يقول الإمام علي (عليه السلام): ((إنما هذا عيد من غفر له )) (3) . أما من لم تغفر له ذنوبه، ولم تتقبل أعماله، فعليه أن يعلن الحزن في يوم العيد! ويشعر بالفداحة الكبيرة، وعليه بتدارك الموقف قبل فوات الأوان.
والعيد يجب أن يكون يوم انطلاقة جديدة في حياة المسلم، فقد ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبة من يوم الفطر أنه قال: (( واعلموا عباد الله أن أدنى ما للصائمين والصائمات أن يناديهم ملك في آخر يوم من شهر رمضان: ابشروا عباد الله، فقد غفر لكم ما سلف من ذنوبكم، فانظروا كيف تكونون فيما تستأنفون )) (4) .
فليكن يوم العيد بداية مرحلة جديدة في حياة كل مسلم، مرحلة جديدة في عباداته، وفي سلوكياته، وفي أعماله الصالحة، وفي قربه لخالقه عز وجلَّ.
في معنى العيد
العيد لغة: مشتق من العود، وهو الرجوع والمعاودة، لأنه يتكرر. والعيد كل يوم يحتفل فيه بذكرى كريمة أو جيبة (5) ، والعيد: كل يوم فيه جمع، واشتقاقه من عاد يعود كأنهم عادوا إليه (6) .
والعيد: ما يُعاوِد مرة بعد أخرى، وخُصَّ في الشريعة بيوم الفطر ويوم النحر، وكما كان ذلك اليوم مجعولاً للسرور في الشريعة صار يُستعمل العيد في كل يوم فيه مسرة، وعلى ذلك قوله تعالى: ﴿ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيداً ﴾ (7) والعيد كل حالة تُعاوِدُ الإنسان (8) .
العيد اصطلاحاً: كل يوم أو ليلة دلَّ عليه دليل من الشرع، وجعله عيداً ورتب عليه آثاراً، كعيد الفطر وعيد الأضحى.
إحياء يوم العيد
يوم العيد ليس كسائر الأيام، بل هو يوم متميز من جميع الجهات والأبعاد، وهو يوم جعله الله تعالى للمسلين عيداً، لذلك ينبغي إحياء هذا اليوم بما يتناسب والرؤية الإسلامية له، وما يجب علينا القيام به في يوم العيد من أجل إحيائه بالصورة الإسلامية يمكن تلخيصها في الأمور التالية:
1ـ يوم العبادة:
يوم العيد يوم للعبادة والتقرب من الله تعالى، فيستحب للإنسان الاتيان بصلاة العيد قبل الظهر، ويذهب للصلاة على وقار واتزان، وأن يغتسل قبل الصلاة، كما يستحب بعد صلاة المغرب والعشاء من ليلة عيد الفطر، وبعد صلاة الفجر من يومه، وكذا بعد صلاة عيد الفطر أن يأتي بهذه التكبيرات: (( الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، ولله الحمد، الحمد لله على ما هدانا، وله الشكر على ما أولانا )) ويضيف في عيد الأضحى: (( الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام، والحمد لله على ما أبلانا )).
وقد أشار رسولنا الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى أن التهليل والتكبير والتحميد من الأمور التي تزين الأعياد، فقد روي عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله: (( زينوا العيدين بالتهليل والتكبير والتحميد والتقديس )) (9) .
فيوم العيد علينا أن نبدأه بالعادة، وبذكر الله تعالى، وبالدعاء لله سبحانه بطلب المغفرة، وقبول الصوم في الفطر، والحج في الأضحى، وطلب العفو والصفح والحصول على الأجر والثواب، فهو يوم المكافأة لمن فاز بقبول عمله، والتزم بأوامر خالقه. فالعيد يكون حقيقياً لمن أمن الوعيد، وليس لمن لبس الجديد؛ فلبس الجديد والفرحة بالعيد لا تعني شيئاً إذا لم تُقبل أعمال الإنسان، ولم يستثمر شهر رمضان في فعل الطاعات، والمداومة على إتيان الأعمال الصالحة.
2 ـ يوم التضامن
يوم العيد هو يوم التضامن مع الفقراء والمساكين والمحتاجين، فقد فرض الله تعالى في عيد الفطر زكاة الفطرة، وهي واجبة إجماعاً بين المسلمين، وإعطاء الزكاة من تمام الصوم، فعن زرارة، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنه قال: (( من تمام الصلاة إعطاء الزكاة، كالصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من تمام الصلاة، ومن صام ولم يؤدها فلا صوم له إذا تركها متعمداً، ومن صلى ولم يصل على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وترك ذلك متعمداً فلا صلاة له، إن الله تعالى بدأ بها قبل الصلاة (10) فقال: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ﴾ (11) .
وزكاة الفطرة فيها تضامن ومواساة وتراحم مع الفقراء والمساكين الذين قد اضطرتهم الظروف الحياتية كي يعيشوا في حالة ضعف ومسكنة، وهم بأمس الحاجة لمد يد المساعدة والمعاونة لهم، وخصوصاً في أيام العيد.
ومن أهم فوائد دفع زكاة الفطرة هو مساعدة الفقراء والمحتاجين كي يتمكنوا من تلبية متطلبات يوم العيد لأطفالهم ومن يعولون من أفراد أسرتهم.
وتشكل زكاة الفطرة واجباً مالياً مهماً وكبيراً، إذ يلتزم كل المسلمين ـ تقريباً ـ بدفع ما عليه من زكاة الفطرة، وفي ذلك عائد مالي كبير ومهم، لكن يجب تحسين الأداء في توزيع تلك الأموال على المحتاجين والفقراء والمساكين بما يغطي حاجاتهم في يوم العيد وما بعده.
وبهذه الفريضة الإسلامية ( زكاة الفطرة ) فإن الإسلام لم ينس معاناة المحتاجين في يوم العيد، فهذه الفريضة قادرة على تغطية كل متطلبات الفقراء في يوم العيد وتزيد، وهذا يدل على رؤية الإسلام البعيدة في تشريع روح التكافل الاجتماعي، والحفاظ على التوازن الاجتماعي من الانهيار.
3 ـ التزاور والتواصل:
تتجلى فلسفة العيد أيضاً في البعد الاجتماعي في يوم العيد، حيث نرى الناس يتزاورون في يوم العيد لتهنئة بعضهم البعض، وإذا كانت الزيارة والتزاور بين الناس أمر راجح في نفسه في كل الأوقات، فإن ذلك يترجح أكثر وأكثر في يوم العيد.
يقول الإمام الصادق (عليه السلام): (( التواصل بين الإخوان في الحضر التزاور، وفي السفر التكاتب )) (12) والتزاور يعني زيارة بعضهم بعضاً... هذا في الحضر، ويتأكد طبعاً في المناسبات كالعيد، أما في السفر فالوسيلة هي التكاتب أي المراسلة بواسطة الكتب وهي الرسائل، لأنها كانت الوسيلة الوحيدة في الماضي، أما الآن فيمكن إضافة الاتصال من خلال الهاتف أو الإيميل أو غيرها من الوسائل الحديثة، فالمهم هو التواصل سواء كان في الحضر أم السفر.
ويوم العيد فرصة مميزة لإزالة الجليد في العلاقات بين الناس الذين قد نشب بينهم خلاف أو اختلاف أو سوء فهم أو خصومة... فزيارة واحدة في يوم العيد ستقضي على جبل من الجليد!
يقول الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم): (( الزيارة تنبت المودة )) (13) وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) أيضاً: (( الزائر أخاه المسلم أعظم أجراً من المزور )) (14) وقال الإمام علي (عليه السلام): (( زوروا في الله ، وجالسوا في الله، وأعطوا في الله، وامنعوا في الله، زايلوا أعداء الله، وواصلوا أولياء الله )) (15) .
فالتزاور بين الناس ـ بالإضافة إلى استحبابه ـ ينبت المودة بينهم، ويعزز من المحبة فيما بينهم، ويذيب أي خلافات أو خصومات قد تحصل بمرور الأيام، ويوم العيد أفضل مناسبة لتحقيق كل ذلك.
لكن للأسف بدأت هذه الظاهرة تقل في السنوات الأخيرة، فأصبح كثيراً من الناس ينامون صباح يوم العيد، ولا يهتمون بزيارة أرحامهم وأقاربهم وأصدقائهم، وهذا شيء لا يتناسب مع أهداف وفلسفة يوم العيد.
إن علينا أن نجعل من يوم العيد فرصة للتلاقي والتزاور والتحابب والتوادد بين الناس بما يقوي العلاقات الاجتماعية فيما بين الناس بعضهم والبعض الآخر، وبما ينمي من التماسك الاجتماعي، ويعزز من التواصل الاجتماعي بين الناس.
وخلاصة القول: إن لفلسفة العيد أبعاداً متعددة، أبرزها: البعد الروحي وهو ما يرتبط بالجانب العبادي، والبعد الاقتصادي ويتمثل بدفع زكاة الفطرة وما تحدثه من حراك اقتصادي، والبعد الاجتماعي ويبرز في التواصل والتزاور بين الناس.
وبهذه الأبعاد المتعددة تكتمل الصورة الرائعة ليوم العيد الذي جعله الله سبحانه وتعالى عيداً للمسلمين، ولمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ذخراً وشرفاً وكرامة ومزيداً.
وآخر دعوانا أنِ الحمد لله رب العالمين
وصل الله على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين.
______________________
الهوامش
1 ـ نهج البلاغة، ج 4، ص 760، رقم 424.
2 ـ تحف العقول، ابن شعبه الحراني، ص 170.
3 ـ بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 40، ص 326.
4 ـ بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 87، ص362، رقم 13.
5 ـ القاموس المحيط، ص 635 ( حرف العين ).
6 ـ لسان العرب، ابن منظور، ج 3، ص 319 ( حرف الدال ).
7 ـ سورة المائدة: الآية 114.
8 ـ المفردات في غريب القرآن، الراغب الأصفهاني، ص 355.
9 ـ ميزان الحكمة، ج 5، ص 2198، رقم 14615.
10 ـ الاستبصار، الشيخ الطوسي، ج 1، ص 342 رقم 1.
11 ـ سورة الأعلى، الآيتان: 14 و 15.
12 ـ أصول الكافي، الشيخ الكليني، ج 2، ص 638، رقم 1.
13 ـ بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 71، ص 355، رقم 36.
14 ـ ميزان الحكمة، ج 3، ص 1192، رقم 7933.
15 ـ ميزان الحكمة، ج 3، ص 1192، رقم 7925.
30/9/1428