نشرت مجلة فقه الحياة- وهي مجلة فصلية متخصصة في المعارف الإسلامية- في عددها الأول، صيف1429هـ-2008م، والصادرة عن مركز الإمام الصادق(عليه السلام) للدراسات والأبحاث في حوزة خاتم الأنبياء في محافظة المحرق بمملكة البحرين، حواراً مع سماحة الشيخ عبدالله اليوسف بعنوان ( الشباب وخطاب العصر) وهذا هو نصه:
س1/ هل وجّه الدين خطاباً واضحاً للشباب من أجل الاهتمام بهم وتلبية احتياجاتهم؟
ج1/ اهتم الدين بالإنسان بمختلف مراحل عمره، باعتباره الكائن الذي كرمه الله سبحانه وتعالى كما أشار لذلك القرآن الكريم بقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ﴾ ومن مظاهر التكريم الإلهي للإنسان الاهتمام به، ودعوته لسلوك الطريق المستقيم، وتوفير كل ما يلزمه من أجل الوصول لذلك الهدف النبيل.
ومرحلة الشباب هي أهم مرحلة في حياة الإنسان، فهي مرحلة القوة والصحة بين ضعفين: ضعف الطفولة وضعف الشيخوخة، وقد أشار القرآن الحكيم إلى هذه الحقيقة بقوله تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ ﴾ وعليه يجب استثمار هذه المرحلة الحاسمة من عمر الإنسان بأفضل صورة، وأحسن طريقة لتحقيق الأهداف والغايات في الدنيا والآخرة.
وللدين خطاب موجه للشباب يرتكز على القواعد الكلية في التعامل مع شريحة الشباب، وليس من وظيفة الدين تقديم برامج تفصيلية ويومية للحاجات والمتطلبات الشبابية، إذ أن ذلك متغير وفقاً للمتغيرات الزمانية والمكانية، ولكن من خلال القواعد الكلية يمكن التفريع منها من أجل وضع برامج موجهة للشباب تستجب للمتغيرات والحاجات المتغيرة من زمان لآخر ومن مكان لمكان آخر.
س2/ ما هي السبل الكفيلة لإحداث التوازن بين المحافظة على القيم الدينية، وبين استيعاب مستجدات العصر، وتلبية الرغبات الفطرية الملحة للشباب؟
ج2/ يواجه الشباب في هذا العصر تحديات كبيرة، ومغريات قوية تدعو الشباب إلى السقوط في بحر الشهوات والغرائز المادية على اختلافها وأنواعها، ولأن النفس البشرية تميل بطبيعتها إلى الشهوات والغرائز فإن الشباب بحاجة دائمة إلى مجاهدة النفس، وممارسة الرياضة الروحية، وتهذيب الروح، وترويض الذات على سلوك طريق الحق والخير والصلاح.
ويستطيع الشباب الموازنة بين المحافظة على القيم الدينية، ومتطلبات العصر، فالقيم هي عنوان للصلاح والخير والفضيلة، وأية مستجدات معاصرة لا تتناقض مع تلك القيم والمثل والأخلاق لا مانع من الاستجابة لها، والتفاعل معها؛ بل قد يكون ذلك أمراً مطلوباً.
ولعل فهم معادلة الثابت والمتغير في الدين، والمطلق والنسبي، والمقدس وغير المقدس، والقيم والوسائل... تجيب على إشكالية المزاوجة بين الثبات على القيم الدينية والتفاعل مع مستجدات العصر ومتغيراته، كما تجعل من الشباب المؤمن قادراً على إحداث التوازن بين المحافظة على القيم الدينية و الاستفادة من مستجدات العصر، وتلبية الرغبات الفطرية عند الشباب.
بل إن الإسلام يدعو الشباب لتلبية رغباتهم المشروعة، فهو يحث على الزواج كما في قوله تعالى: ﴿وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ وهو يحث على الأكل والشرب ولكن بدون إسراف كما في قوله تعالى: ﴿وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُوا﴾ وهو نفسه يحرض على الاستفادة من الأشياء المحللة كما في قوله تعالى: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ .
فالإسلام لا يمانع من إشباع الغرائز والحاجات المادية، كل ما في الأمر أن يكون ذلك بوسائل مشروعة ومحللة، بل إن الإسلام ينهى عن الرهبانية والانعزال عن الحياة، ويدعو للتوازن بين الدنيا والآخرة كما في قوله تعالى: ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾
س3/ ما هو دور المؤسسة الدينية في استيعاب الشباب ومواجهة التحديات والمغريات؟ وهل يمكن للمؤسسة الدينية بإمكانياتها المتواضعة أن تواجه إمكانات الدول الهائلة؟ ما هي الخطوات التي تحتاجها المؤسسة الدينية لتحقيق التأثير أمام هذا التحدي؟
ج3/ بالرغم من أن إمكانات المؤسسة الدينية متواضعة بالمقارنة مع إمكانات الدول أو الشركات والمؤسسات المتعددة الجنسية، إلا أن ارتباط الناس بالمؤسسة الدينية يجعلها أقدر على جذب الشباب، وأكثر تأثيراً على قلوبهم من أية تيارات أو توجهات أخرى.
كما يمكن للمؤسسة الدينية استيعاب الشباب إذا ما اتبعت الوسائل والآليات التالية في التعامل معهم، وأهمها ما يلي:
1- الرفق بالشباب:
إن التعامل مع الشباب برفق ولين من أهم الوسائل والأساليب لاستيعابهم، والتأثير عليهم، وكسبهم نحو التدين، والالتزام بالقيم والمبادئ الدينية.
والباحث في سيرة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) يجد أنه(صلى الله عليه وآله) قد تعامل برفق مع الشباب وهذا مما زاد في إعجاب الشباب بالنبي (صلى الله عليه وآله)، والتفافهم حوله ، وقد مدح القرآن الكريم تعامل النبي (صلى الله عليه وآله)، مع الناس باللين والرفق ، يقول تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)
وقدكان النبي (صلى الله عليه وآله)، يحث على الرفق ، فقد روي عنه (صلى الله عليه وآله)، قوله : " إن الرفق لم يوضع على شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه " وعن أنس قال : كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إذا فقد الرجل من إخوانه ثلاثة أيام سأل عنه فإن كان غائباً دعا له، وإن كان شاهداً زاره، وإن كان مريضاً عاده. وروى عن زيد بن ثابت قال : كنا إذا جلسنا إليه ( صلى الله عليه وآله ) إن أخذنا في حديث في ذكر الآخرة أخذ معنا، وإن أخذنا في ذكر الدنيا أخذ معنا، وإن أخذنا في ذكر الطعام والشراب أخذ معنا، فكل هذا أحدثكم عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله).
وهذا من أسباب نجاح الدعوة، واستقطاب الشباب لرسالة الإسلام. وهذا ما يجب أن يتصف به الدعاة والقادة والعلماء إذا ما أرادوا استقطاب الشباب، والتأثير فيهم، وكسبهم نحو التدين، ومنهج الإسلام.
أما التعامل معهم بخشونة وقسوة، وعدم تفهم متطلباتهم واحتياجاتهم الجديدة، والاستعجال في الحكم عليهم بالانحراف أو الفساد لمجرد مسايرة الموضة غير المحرمة؛ فهذا مما يدفعهم إلى الابتعاد عن الدين، والنفور من العلماء والمشايخ.
2- الثناء على الشباب:
للثناء تأثير قوي على الشباب، فالإنسان في هذه المرحلة المهمة من حياته يسعى لتوكيد شخصيته وإثبات ذاته، والثناء يشبع عند الشباب هذا العامل، ويدفعهم نحو المزيد من العطاء والفاعلية.
وإذا كان الثناء من عالم دين، أو من شخصية مرموقة في المجتمع فإن ذلك سيؤثر بقوة في شخصية الشباب.
ولإدراك الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ذلك، فقد كان كثيراً ما يثني على الشباب المؤمن؛ فقد روي عن النبي(صلى الله عليه وآله) قوله : " ما من شاب يدع لله الدنيا ولهوها، وأهرم شبابه في طاعة الله، إلا أعطاه الله أجر اثنين وسبعين صديقاً" وعنه(صلى الله عليه وآله) أيضاً أنه قال : " إن أحب الخلائق إلى الله عز وجل شاب حدث السن في صورة حسنة جعل شبابه وجماله لله وفي طاعته، ذلك الذي يباهي به الرحمن ملائكته، يقول : هذا عبدي حقاً "وقال (صلى الله عليه وآله) أيضاً : " فضل الشاب العابد الذي تعبد في صباه على الشيخ الذي تعبد بعدما كبرت سنه كفضل المرسلين على سائر الناس ".
وقد كان لثناء الرسول (صلى الله عليه وآله) على الشباب دور مهم ومؤثر في كسب المزيد منهم، والتفافهم حول قيادة النبي (صلى الله عليه وآله)، وهذا ما جعل للشباب دور فاعل في تقدم الدعوة، ونشر رسالة الإسلام إلى مختلف المناطق. فالشباب هم عماد أي تقدم، وسر نهضة الأمم، وقوة أي مجتمع؛ لأنهم في مرحلة القوة، والقدرة على العطاء والإنتاج، والاستعداد للتضحية والفداء، وحب المغامرة، وتوكيد الشخصية.
وإذا ما أرادت المؤسسة الدينية استيعاب الشباب فعليها أن توظف (الثناء) على الشباب من أجل كسبهم نحو الحق، ودفعهم للعمل بفاعلية في خدمة قضايا الدين والمجتمع.
3- الاعتماد على الشباب:
إن تكليف الشباب بالقيام بأعمال وبرامج دينية واجتماعية، والاعتماد على قدراتهم وإمكاناتهم ومواهبهم، وسيلة مهمة لاستيعابهم، وكسبهم نحو التفاعل مع المؤسسة الدينية.
وهذا الأسلوب هو الآخر انتهجه الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله ) مع الشباب، فأعطاهم مسؤوليات كبيرة، واعتمد على قدراتهم في تثبيت دعائهم الإسلام
فقد بعث الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) مصعب بن عمير إلى المدينة المنورة ليكون أول مبلغ للإسلام بالرغم من أنه كان وقتئذ في ريعان شبابه.
كما عين عتاب بن أسيد قائداً لمكة المكرمة بعد الفتح الإسلامي، مع العلم أن عتاب لم يتجاوز من العمر عندئذ الواحد والعشرين عاماً.
وعندما عين الرسول الأعظم( صلى الله عليه وآله) أسامة بن زيد قائداً لجيش المسلمين في حربهم ضد الروم كان عمره آنذاك ثمانية عشر عاماً.
وباعتماد الرسول (صلى الله عليه وآله) على مثل هؤلاء الشباب نجح في تثبيت أركان الإسلام، ونشر الإسلام في الجزيرة العربية وما حولها، فالشباب يمتلكون مؤهلات وقدرات قوية، وطاقات خلاقة، وعندما يوظف كل ذلك في خدمة الإسلام فإن النتائج ستكون كبيرة.
وهكذا يجب على الدعاة والقادة والعلماء أن يعتمدوا على الشباب للاستفادة مما لديهم من مواهب وطاقات وإمكانات كبيرة، كما أن الاعتماد عليهم يرسخ الارتباط بهم، ويقربهم أكثر وأكثر نحو المؤسسة الدينية، والتفاعل مع القضايا الكبرى للأمة.
س4/ هل يمكن عرض الدين والقيم الدينية بصورة مغايرة للصورة النمطية السائدة، لإتاحة الفرصة أمام الشباب للتعرف على الدين بصورة جذّابة، وما هي أهم المعالم التي يمكن أن تحقق ذلك؟
ج4/ نحن بحاجة في هذا العصر أن نعرض الإسلام وقيمه ومثله ومنظومته الفكرية وفلسفته المتميزة بصورة جديدة، فلكل زمن وسائله وأساليبه وأدواته في التعبير عن الأفكار والقيم والأخلاق.
وإذا كان الدين - كدين – أمر ثابت لا يتغير، إلا أن طريقة تقديمه للأجيال الشابة أمر متغير، ويخضع لتطور الوسائل والأساليب. ومن الخطأ الفاحش أن نعرض الإسلام على شبابنا في الألفية الثالثة بنفس الطريقة النمطية القديمة، لأن ذلك لن يجعل الشباب يتفاعلون مع قيم الإسلام ومبادئه.
وإذا ما أردنا كسب الشباب - كل الشباب – فعلينا أن نوظف كل الوسائل والأساليب المشروعة، من قبيل : القنوات الفضائية، السينما، المسرح، المسلسلات والأفلام الهادفة، وسائل الاتصال الحديثة.... وغير ها من الوسائل والأساليب والأدوات الحديثة والجديدة التي يجب استثمارها في إقناع الشباب بالدين وقيمه وأخلاقياته ومثله العليا.
أما الجمود على الأساليب القديمة، وتقديم الدين بلغة عفى عليها الزمن، ومخاطبة الأجيال الشابة والمتعلمة بنفس الطريقة القديمة، فإن هذا سيجعل الشباب يبتعدون عن الدين، ويقعون ضحايا لأيديولوجيات باطلة، ونظريات خاطئة، لكنها مغلفة ببريق العرض الجمالي الرائع!
ولكن بالرغم من الحاجة للتطوير والتجديد في الأساليب المتبعة في عرض الدين وأفكاره، إلا أنه توجد خطوات مهمة على هذا الصعيد، فقد شهد الخطاب الإسلامي قفزات نوعية في تقنيات الأسلوب وطريقة العرض، وإن كان هذا لا ينفي الحاجة للمزيد من التطوير والتجديد والإبداع في الخطاب الإسلامي الموجه للشباب.