عاشوراء .. رؤية اجتماعية
محرر الموقع - « حوار/ باسم البحراني و رضي العسيف » - 12 / 11 / 2010م - 7:57 م

لجنة الإمام الجواد عليه السلام وإيماناً منها بأهمية الكلمة مكتوبة أو مسموعةً درجت منذ عدة أعوام على نشر بعض المقالات لكتّاب من المنطقة بالتزامن مع موسم عاشوراء، وفي هذا العام أجرت اللجنة بهذه المناسبة الأليمة على قلوبنا جميعاً حواراً مع سماحة الشيخ عبدالله اليوسف ( حفظه الله) حول بعض الأمور المتعلقة بهذه المناسبة، وهذا نص الحوار:

* ما هي الجوانب التي يمكن للشباب و الفتيات أن يستفيدوا منها من خلال قراءة سيرة عاشوراء ؟
يمكن استلهام الكثير من الدروس والعبر من خلال قراءة سيرة عاشوراء بالنسبة للشباب والفتيات، ومن أبرزها ما يلي:

1- التضحية من أجل الدين:
أهم درس نستلهمه من سيرة عاشوراء هو التضحية بالنفس من أجل المحافظة على الدين، ففي عاشوراء قدم عشرات الشباب من أهل البيت ( ع ) أنفسهم فداء للحفاظ على الدين والقيم والأخلاق، فعلي الأكبر والقاسم بن الحسن وغيرهما ضحوا بأنفسهم وهم في ريعان الشباب للدفاع عن الدين، ومناصرة الإمام الحسين ( ع ).
فعلى شباب وفتيات اليوم أن يكونوا مستعدين للتضحية بالمال والوقت والجهد وأي شيء نفيس من أجل خدمة الدين، والدفاع عن القيم والمثل والأخلاق.
2- تحمل المسؤولية:
درس آخر نتعلمه من سيرة الإمام الحسين ( ع ) وقصة عاشوراء الدامية هو تحمل المسؤولية الدينية والاجتماعية، فالإنسان – رجلاً كان أم امرأة – مسؤول عما يحدث من حوله، ومسؤول عن الارتقاء الحضاري بمجتمعه وأمته، ومسؤول عن الدفاع عن دينه وأخلاقياته وثقافته، وهذا ما قام به الشباب وكوكبة من النساء المجاهدات حيث تحمل الجميع - ممن ناصروا الإمام الحسين ( ع )- المسؤولية، وهذا الشعور والإحساس والالتزام بالمسؤولية الدينية والاجتماعية هو أحد الدوافع للالتحاق بثورة الإمام الحسين ( ع ).
وقراءة سيرة عاشوراء بتمعن وتأمل يجب أن يدفعنا جميعاً لتحمل المسؤولية، والقيام بما يجب علينا القيام به من واجبات ووظائف دينية واجتماعية.
3- رفض الظلم
سيرة عاشوراء تلهم كل حر بضرورة رفض الظلم نفسياً وعقلياً وعملياً، فالظلم قبيح في نفسه، وهو من أعظم الموبقات؛ لذلك قال الإمام الحسين مقولته الشهيرة: ( لا أرى الموت إلا سعادة، والحياة مع الظالمين إلا برما ) فالحياة في ظل الظلم والقهر والطغيان شقاء وتعاسة ، أما الموت في سبيل الحق وتحقيق العدل فهو سعادة كما يرى الإمام الحسين.
فعلى الشباب والفتيات أن لا يقبلوا بأي ظلم، ولا بظلم أي ظالم، فالقبول بالظلم معاونة للظالم على ظلمه، وفي المقابل العمل من أجل تحقيق العدل في كل شيء، ورفض الظلم في أي شيء. أما الأساليب والأدوات لتحقيق ذلك فيختلف باختلاف الزمان والمكان، لكن يبقى رفض الظلم ومقاومته والسعي لتحقيق العدل أمر ثابت لا يتغير.
* ما هي رسالة عاشوراء الاجتماعية ؟
رسالة عاشوراء الاجتماعية هو تحقيق العدل الاجتماعي، فالعدل هو محور كل شيء، وهو أساس تحقيق السعادة والرفاء والتقدم، وهو الذي يحافظ على التوازن الاجتماعي، فما طبق العدل في مجتمع من المجتمعات الإنسانية إلا وتحقق له الخير والرخاء والأمن والاستقرار الاجتماعي، لذلك كله أمر الله سبحانه وتعالى بالعدل في قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ النحل90
فالإمام الحسين ( ع ) إنما ثار ونهض واستشهد مع أهل بيته وخيرة أصحابه من أجل تحقيق العدل الاجتماعي، ومقاومة الظلم والظالمين، ومحاربة الفساد والمفسدين.
وعلى كل واحد منا أن يطبق العدل ضمن دائرته الاجتماعية ابتداء من الأسرة ومروراً بمكان العمل مع زملائه وانتهاء بالعمل من أجل تحقيق العدل في كل شيء.
وكل شخص يمارس الظلم ضد أحد أفراد أسرته أو ضد مرؤوسيه أو ضد أي شخص آخر في المجتمع، فهو بعيد عن الإمام الحسين ( ع ) وعن رسالته في عاشوراء، وعن أخلاقياته ومناقبياته الراقية.
* كيف نستثمر الوقف الحسيني فيما يخدم المجتمع ؟
في منطقتنا الكثير من الأوقاف العامة باسم الإمام الحسين ( ع ) والتي لو استثمرت بصورة صحيحة لحققت عوائد كبيرة جداً، ولساهمت في التعريف برسالة عاشوراء إلى كل شعوب العالم وأممه.
ولكن للأسف يوجد فهم خاطئ في التعامل مع الوقف الحسيني، بل ومع غيره من أنواع الوقف وأقسامه، ولتقريب الصورة نضرب مثلاً: توجد بعض الأوقاف التي باسم الإمام الحسين ( ع ) ومحدد في حجية الوقف بتحديد خاص للصرف كإطعام المؤمنين في ليلة عاشوراء، ويكون عائد الوقف كبيراً جداً، بحيث يبقى مبلغ زائد من عوائد الوقف. و حل هذه المسألة بتوزيع طعام آخر غير مطبوخ في ليلة عاشوراء ويوزع على الفقراء والمحتاجين باسم الإمام الحسين ، وبالتالي يتحقق شرط الواقف والاستفادة من عوائد الوقف في آن واحد.
ومثال آخر: بعض الأوقاف تكون عامة لكنها من حيث الجهة تكون خاصة، فمثلاً يوجد وقف للإمام الحسين ؛ لكنه غير مخصص في مصرف معين، ففي هذه الصورة يمكن طباعة كتب عن الإمام الحسين وترجمتها بمختلف اللغات حتى يطلع كل الناس على رسالة عاشوراء وأهداف الثورة الحسينية، أو تأسيس مراكز ومؤسسات باسم الإمام الحسين ، أو إنشاء قناة فضائية باسم الإمام الحسين وما أشبه ذلك من مصاديق صرف الوقف الحسيني فيما يخدم القضية الحسينية.
لكن قصر الرؤية، وضيق النظرة قد يؤدي بالبعض إلى الإصرار على الاستفادة من أوقاف الإمام الحسين في حدود ضيقة جداً، بما لا يخدم أهداف الثورة الحسينية في هذا العصر بالشكل المطلوب، في حين توجد معالجات فقهية للجمع بين شروط الواقف والاستفادة من ربع الوقف بصورة صحيحة وشرعية.
* كيف نجعل من مجالس عاشوراء منطلقاً للإصلاح الاجتماعي ومعالجة القضايا الاجتماعية؟
مجالس عاشوراء تكون منطلقاً للإصلاح الاجتماعي إذا استثمرت بصورة تتلاءم مع متطلبات المجتمع واحتياجاته، وتجيب على الأسئلة الجديدة للمجتمع، ويمكن للخطباء استثمار الحضور الجماهيري الواسع في مجالس عاشوراء من خلال تقديم ثقافة تعالج القضايا الاجتماعية الملحة، وتسلط الأضواء على المشاكل الاجتماعية، ومن المهم هنا الربط بين ثورة الإمام الحسين وقضايا المجتمع، فالإمام الحسين خرج رافعاً راية الإصلاح بقوله ))إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي )) يمكن استنطاق هذا النص للإمام الحسين . وتطبيق ذلك على ما يحتاجه مجتمعنا الآن من إصلاح في كل شيء، ودائماً المجتمعات الإنسانية تفتقر إلى إصلاح وتطوير وتقويم لمسيرتها كي يمكن الارتقاء بها نحو مدارج الكمال والتقدم.
كما أن لتوزيع الكتب والمقالات والنشرات التثقيفية الهادفة، وكذلك التسجيلات الصوتية والمرئية بمختلف أنواعها، أن تساهم بدور فاعل في جعل المجالس الحسينية منطلقاً للإرشاد والإصلاح والتغيير الاجتماعي.
ومع اختلاف الوسائل المتبعة في نشر الإصلاح الاجتماعي، فإن تشخيص الأمراض الاجتماعية، ومعرفة القضايا الاجتماعية الملحة، هو المدخل لمعالجة مختلف المسائل الاجتماعية، بما يحقق أفضل استفادة من الحضور الجماهيري العريض أيام العشرة الأولى من شهر محرم الحرام من كل عام.
وفي الختام، نشكر سماحته لاستجابته لنا لإجراء هذا الحوار من أجل رسالة عاشوراء وفكرها وثقافتها التي تعلمنا منها وسنتعلم منها الكثير الكثير، عسى أن ينتفع به الأخوة المؤمنين.

5/1/1430
اضف هذا الموضوع الى: