الشباب بين التدين والانحراف
محرر الموقع - 12 / 11 / 2010م - 7:57 م
وقد استهل سماحة الشيخ اليوسف كلمته بالآية الكريمة: ﴿ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ﴾(1) حيث تشير هذه الآية الشريفة إلى قصة فتية الكهف وكيف حافظوا على إيمانهم في مواجهة مجتمع منحرف.
كما تحدث القرآن الكريم عن نماذج رائعة للشباب المؤمن، وعرف قصصهم بأسلوب التصوير البياني الرائع، فقد أشار القرآن الحكيم إلى قصة إسماعيل واستعداده للتضحية في سبيل الله تعالى، كما أشار إلى قصة إبراهيم عندما كان شاباً يافعاً في مواجهة الأصنام والدعوة إلى توحيد الله تعالى.كما عرض قصة نبي الله يوسف وكيف استطاع مقاومة فتنة النساء وتفضيله السجن على إشباع الغرائز والشهوات.
وعندما يتحدث القرآن الكريم عن نماذج مؤمنة للشباب وبأسلوب التصوير البياني المعجز، وبأسلوب القصة المؤثر يريد أن يبعث برسالة للشباب في كل عصر ومصر إلى أهمية الثبات على القيم والمبادئ، والتضحية من أجل قيم العدل والحق والحرية.
ثم أشار سماحة الشيخ عبد الله اليوسف إلى موقف القاسم بن الحسن وعلي الأكبر في معركة الطف، حيث قدما نفسيهما فداء من أجل الدين، ونصرة للإمام الحسين( عليه السلام)، والتضحية بالنفس أغلى تضحية من أي شيء آخر. بعدها ذكر سماحته ( حفظه الله) محفزات التدين وأهمها: حاجة الإنسان إلى الدين وإلى إشباع الغريزة الدينية عنده. كما أن الفطرة السليمة أيضاً تدعو الإنسان إلى التدين، وكذلك الخوف من الله تعالى والرغبة في ثوابه، وأيضاً البيئة الاجتماعية، وتوافق الإنسان مع بيئته الاجتماعية.
لكن في مقابل ذلك يواجه الشباب اليوم ضغوطاً كبيرة باتجاه الانحراف والسقوط في الرذائل والموبقات. وأهم هذه الضغوط والمؤثرات ما تقوم به الثقافة المادية المنحرفة والذي تركز على تهييج الغرائز والشهوات عند جيل الشباب.
و تتقوم القنوات الفضائية المنحرفة، والمواقع الإباحية على شبكة الإنترنت وغيرها من وسائل الاتصال على بث مواد مثيرة ومهيجة للشهوات بما يدفع الجيل الجديد إلى الانحراف والفساد.
ومن الواضح أن الثقافة المادية المنحرفة قد ساهمت بشكل كبير في التأثير على الشباب من جوانب عدة؛ ويمكن الإشارة إلى بعض تلك التأثيرات ومنها:
1- الآثار النفسية:
تساعد الثقافة المادية المعاصرة على خلق المزيد من الاضطرابات النفسية عند جيل الشباب، بسبب ما تزينه هذه الثقافة للشباب من طموحات كبيرة، وأفكار خيالية، وتركيز على الماديات، مما يجعل الشباب يغرقون في عالم من الأحلام والأمنيات قد لا يستطيعون تحقيقها ثم تبدأ المشاكل والآثار النفسية عند الشباب؛ ومن أبرز هذه الآثار النفسية ما يلي:
1- الإحباط والتذمر الذي قد يؤدي إلى الاكتئاب النفسي.
2- النرجسية الزائدة عن اللازم وما يترتب عليها من مشكلات في الحياة الواقعية.
3- اللجوء إلى أساليب مختلفة من العنف لتحقيق أمنياته وغاياته النفسية.
4- المزاجية المتقلبة مما يؤدي به إلى عدم الثبات والصمود أمام مشكلات الحياة.
5- ضعف الإرادة بسبب الغرق في بحر الشهوات والملذات.
6- الشعور بالعجب والغرور، وحب المغامرة، والتهور، واللامبالاة، وعدم تحمل المسؤولية.
والثقافة المادية المعاصرة التي تضخم هذه الحالات النفسية عند الشباب، بل وهي أحياناً السبب الرئيس في تولدها عند الجيل الجديد، لا تقدم له حلولاً، ولا تقف معه عندما يتعرض لهذه المشاكل النفسية.
ولو أمعنا النظر في المراهقين والشباب ممن حولنا لرأينا عمق التغيرات النفسية التي تمر بهم نتيجة لتأثير الثقافة المعاصرة، ومدى المشكلات والاضطرابات النفسية التي تواجه قسماً معتداً به من الشباب.
ولذلك علينا الانتباه لشبابنا، ومحاولة معرفة ما يدور في باطنهم من أفكار وتصورات بل واضطرابات نفسية قد تكون خطيرة!
إن الدين يدعو إلى توفير كل الاحتياجات الفيزيولوجية كالحاجة إلى الأوكسجين، والحاجة إلى الغذاء والماء، والحاجة إلى النوم والراحة.. وكذلك يدعو الدين لتوفير الاحتياجات النفسية المهمة كالحاجة إلى المعنويات والروحانيات، والحاجة إلى توكيد الذات، والحاجة لتحقيق التوافق مع المجتمع..إلخ.
2- الآثار الأخلاقية:
تنتشر في عصرنا وبشكل كبير بين شريحة المراهقين والشباب مختلف أشكال وأنواع الانحرافات الجنسية، وذلك بفعل تركيز الثقافة الغربية - وغيرها من الثقافات غير الملتزمة- على أن أي وسيلة للإشباع الجنسي أمر مشروع، وأن ذلك من الحرية الشخصية التي لا يحق لأحد التدخل فيها!!!
وعملوا بكل ما استطاعوا على نشر الأفلام الخليعة، وبث القنوات الفضائية الإباحية، وكذلك المجلات الخليعة... كل ذلك بهدف إفساد الشباب، والسيطرة على عقولهم، وسلب أموالهم من خلال هذا الطريق المشبع بالشهوات الجنسية.
3- الآثار السلوكية والتربوية:
من أوضح التأثيرات للثقافة المادية الغربية هو الإفرازات السلوكية والتربوية التي نلحظها على جيل الشباب، وفي هذا الإطار يمكن الإشارة إلى مجموعة من السلوكيات الخاطئة ومنها:
1- التقليد الأعمى لنجوم ومشاهير الفن والغناء والتمثيل والرقص.
2- قصات الحلاقة غير اللائقة، والتي فيها تقليد واضح لصيحات الحلاقة الغربية.
3- ارتداء الملابس الضيقة والقصيرة جداً للشباب والفتيات، إذ نلاحظ أن بعض الشباب يستعرضون أمام الناس وفي الشوارع العامة أحدث الموديلات في الأزياء الرجالية، أما الفتيات فإن مسايرة الموضة في الألبسة أصبحت شيئاً من طبيعة المرأة المعاصرة!
4- تشبه الرجال بالنساء، والفتيات بالشباب (البويات)، لدرجة أصبح الإنسان أحياناً لا يفرق بين الشاب والفتاة!
5- لبس بعض الشباب لحلي الذهب، كالخواتيم والأساور والسلاسل الذهبية، وهذا أمر محرم على الرجال.
هذه مجرد نماذج من السلوكيات التي تنم عن تأثر بعض الشباب بالثقافة المادية التي تضخ لجيل الشباب عبر مختلف الوسائل والأساليب الحديثة لنشر الفساد والانحراف، وهو مصداق لقوله تعالى: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ (2).
وهذا يستدعي من الآباء والمربين الانتباه جيداً لسلوكيات وتصرفات أولادهم وتلامذتهم، ومعالجة أية سلوكيات منحرفة تبدأ بالظهور منهم، قبل أن يصل الأمر لدرجة لا يمكن معها الإصلاح أو التربية.
حتى نحافظ على تديننا
لمواجهة تلك الآثار السلبية و الخاطئة للثقافة المعاصرة يجب على الشباب ما يلي:
1- تقوية الارتباط بالله تعالى:
من أقوى الأساليب الوقائية في مواجهة الثقافة المادية المعاصرة الارتباط بالله تعالى في كل وقت ومكان، فهذا الارتباط يقوي إيمان الإنسان، يقول تعالى: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾(3) ، فالمؤمن يذكر الله في كل حال، في القيام والقعود، وفي كل وقت، أما المنافق فلا يذكر الله إلا قليلاً كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾(4). ومن ينغمس في الشهوات والملذات المحرمة فإن الشيطان قد استحوذ عليه، ومن يستحوذ عليه الشيطان ينسى ذكر الله تعالى كما في قوله تعالى: ﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾(5) ، في حين إن الشاب المؤمن عندما يكون إيمانه قوياً فلا شيء في الدنيا من مغريات وإغراءات يمكن أن تؤثر عليه، يقول تعالى: ﴿رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ﴾(6).
2- تنمية الإرادة والعزيمة:
يعيش الإنسان في مرحلة الشباب فترة ثوران الشهوات والغرائز، وفي مواجهتها يجب بناء الإرادة وتقويتها، فهي من الأساليب والوسائل الوقائية التي تحمي الإنسان من الوقوع في الأخطاء والموبقات والمحرمات.
إن الشاب بقوة إرادته يستطيع الانتصار على كل المغريات والشهوات، وفي هذا العصر، عصر الإعلام الفاضح، عصر الإثارة لكل شيء شهواني، عصر المغريات والإغراءات الداعية لارتكاب الفواحش والموبقات، يمكن للشباب مواجهتها بقوة الإرادة النابعة من صلابة الإيمان.
3- إعمال العقل:
يجب على الشباب أن ينموا في شخصياتهم صفة التعقل والتفكير حتى يستطيعوا مواجهة مغريات الثقافة المادية المعاصرة، فالشباب الذين يملكون صفة (إعمال العقل) يملكون البصيرة التي تنجيهم من الوقوع في الموبقات والمحرمات، يقول تعالى: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴾(7) .
أما من يتخلى عن عقله، وينساق وراء شهواته وغرائزه، فإنه يكون كالأنعام كما يعبر القرآن الكريم عن ذلك بقوله تعالى: ﴿أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً ﴾(8) وقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴾(9) فحتى لا يقع الشباب في دائرة (الغافلون) عن طريق الحق والخير والصلاح عليهم أن يُعْمِلوا عقولهم، وليفكروا فيما حولهم حتى لا يكونوا كالأنعام بلا عقل ولا تفكير!!
4- تفعيل المواسم الدينية:
توجد عندنا في كل عام مجموعة من المواسم الدينية المهمة، والتي لها وقع خاص على قلوب وعقول الناس، ومن أهمها موسم عاشوراء حيث يقبل كل الناس، وخصوصاً الشباب على حضور المآتم الحسينية، والتفاعل مع الشعائر الحسينية، وهو ما يجب استثماره وتفعيله لا ستقطاب الشباب نحو طريق الخير والصلاح، والابتعاد عن طرق الشيطان والفساد، لذلك علينا التفكير في خلق برامج تفاعلية مع الجيل الجديد بما يخلق الفرص المناسبة لجذب الشباب نحو التدين والاستقامة.
وفي نهاية كلمته دعا سماحة الشيخ عبدالله اليوسف الله سبحانه وتعالى أن يحفظ الشباب من الوقوع في الانحراف والفساد، وأن يثبتهم على طريق الحق والخير والصلاح، إنه سميع مجيب الدعاء.
ــــــــــ
الهوامش:
1 - سورة الكهف، الآية: 13.
2 - سورة: الروم، الآية:41
3 - سورة: آل عمران، الآية: 191.
4 - سورة: النساء، الآية: 142.
5 - سورة: المجادلة، الآية: 19.
6- سورة النور، الآية:37.
7 - سورة: الحج، الآية: 46.
8 - سورة: الفرقان، الآية: 44.
9 - سورة: الأعراف، الآية: 179.
9/1/1431