صناعة الخطاب الثقافي عند الشيخ اليوسف
الدكتور حسن الشيخ * - 12 / 11 / 2010م - 7:57 م
وهذا الخطاب الثقافي المتعدد الأوجه ، تحول إلى منهج سلوكي في شخصية الشيخ اليوسف . يتميز بالتواضع والانفتاح على مختلف الأفكار و الشرائح الفكرية والاجتماعية . لذلك تجده متواجدا بين مختلف الشرائح العلمائية ، والفكرية ، والشبابية ، متعلما ومعلما .
ولكني الآن لا أريد التركيز على هذا الجانب البهي في شخصية الشيخ اليوسف ، لسطوعه ووضوحه لكل من عرف الشيخ عن قرب . بل لكل من عرف الشيخ في منطقة القطيف وسيهات والأحساء . بحكم تواجده فكريا وعمليا بين أهله وطلبته ومحبيه . وسأكتفي – في هذه العجالة – بتسليط الضوء على آخر إصداراته الفكرية ، والتي تصلني باستمرار عبر زميلنا الأستاذ علي المحمد علي ، وأستمتع بالإطلاع عليها ، وأعتز باقتنائها في مكتبتي ، وأستفيد منها بالرجوع إليها من حين لآخر . والكتاب الجديد للشيخ اليوسف جاء بعنوان ( الشباب والثقافة المعاصرة ) يطرح فيه شيخنا الفاضل رؤية قرآنية متوازنة في معالجة التحديات الثقافية الراهنة . وهو بذلك يسعى نحو بناء ثقافة قرآنية متكاملة لمجتمع الشباب المسلم .
والكتاب الجديد ينسجم مع منهج الشيخ عبد الله اليوسف كما أشرنا . فالشيخ اليوسف له معالجات فكرية جريئة في هذا السياق . فقد كتب كتابا عن الشباب وهمومهم ، وكتب كتابا ثانيا عن تساؤلاتهم الجديدة . وثالثا عن كيفية صعودهم للقمة ، وآخر عن بناء شخصياتهم الناجحة . الأمر الذي يشكل بالمقابل قدرة الشيخ اليوسف على صناعة خطاب شبابي ثقافي إسلامي خاص به ، مجتمعاتنا في شديد الاحتياج إليه .
ولكن السؤال الأهم الآن لماذا نحن بحاجة إلى خطاب ثقافي خاص بفئة الشباب ؟ . الشيخ عبد الله اليوسف يرى أهمية خاصة لدور شريحة الشباب الفاعل في المتغيرات الحياتية . ولكل عملية إصلاحية نجد الشباب في مقدمة تلك العمليات الإصلاحية . بالإضافة إلى أن هذه الفئة تحديدا ، تواجه – دون غيرها – تحديات هائلة ، تستهدف التأثير عليها ، وتغيير اتجاهاتها . أما المتهم الأول في نظر الشيخ اليوسف ، فهو الغرب ، الذي يملك من الأساليب والخداع والتكنولوجيا مالا يملكه غيره . وبالتأكيد هناك متهمون آخرون يسعون إلى التأثير على سلوكيات الشباب وأخلاقهم ، إلا أن الشيخ اليوسف لم يشر إليها في هذا الكتاب . وركز جلّ خطابه الثقافي الإصلاحي ، على اعتبار أن الغرب بما يملك من وسائل إعلامية ، يحاول التأثير على الشباب عبر إشاعة الغرائز ، ونشر الصور المتحركة ، والزج به في صراع الموضات الحديثة ، وتحريضه على الاهتمام بالأذواق والأمزجة الشبابية . كل هذه الوسائل بهدف إضعاف معنويات الشباب ، وتغيير بنيتهم الثقافية ، وإفسادهم أخلاقيا .
ولمعالجة تلك التحديات يطرح الشيخ اليوسف الرؤية القرآنية المتكاملة لتحدي الموجة الثقافية المشبوهة المعاصرة . ويحصرها في محورين رئيسيين : الأول يسميه ( الأساليب الوقائية ) . حيث تقي الشباب المسلم من الانزلاق للرذيلة . فلابد من تزكية النفس ، وتقوية الإرادة ، وإعمال العقل ، والزواج المبكر . أما المحور الثاني فهو ( الأساليب العلاجية ) وتتمثل هذه الأساليب بالرجوع إلى الدين ، والتوبة من كل ذنب ، وتعديل الغرائز والميول ، والتركيز على عيوب الثقافات المادية ، بالإضافة إلى إيجاد البدائل للشباب المسلم .
وبهذا الكتاب والكتب الأخرى للشيخ عبد الله اليوسف نستطيع أن تلمس محاولات الشيخ لصنع خطاب ثقافي مميز . خطاب خاص بالحوار مع تلك الفئة الشبابية . لحمايتها من الانزلاق الثقافي . و لعل من سمات خطاب الشيخ اليوسف إتكائه على المفاهيم القرآنية ، والأخذ بدلالات السنة النبوية الشريفة . واستخدام لغة معاصرة قريبة من فهم الشباب ، وأفكارهم ، وتطلعاتهم . لغة حوارية – مكتوبة ومنطوقة - سهلة ، تعتمد على توظيف الأمثال ، والعضة ، والقصة ، والتساؤل .
وبهذا الخطاب الثقافي الخاص الذي يتميز به الشيخ اليوسف ، استطاع أن يصل إلى عقول وقلوب الشباب المسلم في مجتمعنا . واستطاع خطابه الثقافي أن يقي بالفعل شريحة كبيرة من الشباب المسلم من الانزلاق الثقافي .
ولا نجد في كتابات الشيخ اليوسف إلا الكلمة الحسنة ، ولا نجد المجادلة إلا بالتي هي أحسن . بأسلوب بليغ ، ولغة ناصعة ، وعبارات واضحة لا لبس فيها . ذلك لان الشيخ بخطابه الثقافي يهدف لإصلاح المجتمعات . مبتعدا في جميع – كتبه وحواراته – عن الخلافات المذهبية ، والتيارات الدينية ، والمعارك الفكرية التي لا يرى إقحام الشباب فيها جدوى أو فائدة . فمهمة المصلح الاجتماعي أن يصنع خطابا توافقيا بين شرائح المجتمع ، بعيدا عن العنف والتحريض والمشاحنات .
ولابد من الإشارة إلى أن محاولات الشيخ اليوسف لصناعة خطاب ثقافي خاص به ، ليست هي موقف كتابي فقط . بل أن خطابه هو منهج سلوكي حياتي . يتجسد يوميا في نشاطاته المختلفة . ومن أبرز سمات هذا الخطاب انفتاحه على كل الشرائح الشبابية ، وهمومها ، وتطلعاتها والعمل معها على تخطي المعوقات التي تصادفها .
بقي أن نقول أن ( الخطاب الثقافي ) بالأمس لم يكن سوى محاضرة عابرة أو طبع كتاب صغير . أما مفهومنا للخطاب الثقافي اليوم هو ( صناعة ) تحتاج إلى الكثير من الجهد والمال ، عبر وسائل إعلامية ضخمة ومتعددة من إذاعات ، ومحطات فضائية ، وصحف ، وشبكة عنكبوتيه . وقد أدرك الشيخ اليوسف المفهوم الجديد للخطاب الثقافي . فشارك بجد وساهم بالكثير في كل تلك الوسائل المختلفة من أجل صناعة خطابه الخاص به .
• كاتب وأكاديمي - الدمام
25/4/1431
كاتب وأكاديمي - الدمام