قراءة في كتاب ( فقه النفقات الواجبة )
الأستاذ علي المحمد علي * - 12 / 11 / 2010م - 7:57 م

اسم الكتاب: فقه النفقات الواجبة
تأليف: الشيخ عبدالله أحمد اليوسف
الناشر: مؤسسة أم القرى للتحقيق والنشر، قم ـ إيران.
الطبعة: الأولى 1427هـ – 2006 م
عرض: الأستاذ علي محمد المحمد علي

يمتاز الفقه الإسلامي الإمامي عن غيره من المذاهب الفقهية الإسلامية الأخرى بمواكبة العصر وملاحظة عنصري الزمان والمكان في التأثير على الموضوعات الخارجية للحكم الشرعي نظراُ لفتح باب الاجتهاد عند فقهاء الإمامية حيث واكب الفقه الإمامي تطورات الحياة. من هذا المنطلق كتب الفقهاء مئات الكتب والرسائل والموسوعات والمدونات الفقهية الوفيرة التي تمد الفقيه والباحث بما يحتاجه من وسائل وأدوات اجتهادية معتمدة عند المدرسة لإمامية( الأصولية ) كما يعبر بذلك علماء الأصول .
ومن المسائل الفقهية المهمة التي تمس واقع الإنسان في بعده الاجتماعي ( فقه النفقات الواجبة ) بحيث تعالج ضمن منظومة تشريعية متكاملة الأبعاد والجوانب .
ولكن تبقى هذه المسائل المهمة حبيسة الموسوعات الفقهية الكبيرة أمثال ( الجواهر، الحدائق ، الرياض ) وأمثالها، ولا يتسنى للشاب المسلم الوقوف عليها بسبب عدم توافر كتابات فقهية ميسرة ومختصرة تساعد الشاب للولوج إلى عوالم هذا الفقه الحي ليفيد منه في حياته الاجتماعية كفرد مسلم، من هنا انبرى أعلامنا الكرام وبعض الباحثين لتيسير الثقافة الفقهية في كتابات منهجية ومختصرة ، وقد حاول بعض المراجع المجددين تيسير الرسالة العملية كخطوة أولية لتكون في متناول عامة الناس كمحاولة الشهيد السيد محمد باقر الصدر ( ت1400م) في رسالته العملية ( الفتاوى الواضحة )، وكذلك محاولة السيد الشيرازي ( 1422هـ ) في رسالته العملية ( المسائل الإسلامية ) وأيضاً يأتي في هذا السياق محاولة الشيخ محمد جواد مغنية في ( فقه الإمام جعفر الصادق ) ومحاولة أستاذنا الشيخ الدكتور عبد الهادي الفضلي في ( مبادىء علم الفقه ) وغيرها من المحاولات الجادة والرائدة .
وبين يدي محاولة فقهية استدلالية مبسطة للكاتب الشيخ عبدالله أحمد اليوسف الذي أوقف قلمه السيال لخدمة الفكر والثقافة الأصيلة ، وأخيراً أصدر أكثر من كتاب ودراسة فقهية مبسطة ومختصرة ككتاب ( الخمس..فلسفته وأحكامه ) و ( الاجتهاد والتجديد ) و ( مسائل الاجتهاد ) ، واليوم يكتب عن مسألة تعد من المسائل الحيوية والابتلائية التي تمس واقع الإنسان كفرد يعيش وسط مجموعة ، وهي مسألة ( النفقات الواجبة ) هذا الموضوع الثر الذي لم تتناوله الأقلام بصورة منهجية إلا فيما اعلم محاولة الشهيد الشيخ عارف البصري ( رحمه الله ) في كتاب ( نفقات الزوجة في التشريع الإسلامي ) المطبوع عام 1401هـ . وهي عبارة عن رسالة جامعية، ويلاحظ عليها أنها أكتفت فقط في ذكر نفقة الزوجة دون النفقات الواجبة الأخرى كنفقة الأقارب والمملوك وغيرها مما ورد في التشريع الإسلامي. وسأحاول باختصار في هذا المقال تقديم عرض مختصر لمحاولة الشيخ عبدالله أحمد اليوسف في هذا السفر الجديد المطبوع هذا العام 1427 هـ والصادر عن مؤسسة أم القرى للتحقيق والنشر في 235 صفحة من القطع الكبير. وقد قَدَّم لهذا الكتاب المحقق الإسلامي الكبير آية الله الشيخ جعفر السبحاني المعروف بكتاباته العلمية وتحقيقاته العقائدية والتاريخية والفقهية بالإضافة إلى أنه أستاذ قدير في حوزة قم المقدسة منذ سنوات طويلة .
وقد أشاد بجهد الشيخ عبدالله اليوسف ، إذ أشار في تقديمه للكتاب بالخصائص التي تميز بها وهي:
أ‌- نقل أقوال الفقهاء متقدميهم ومتأخريهم برحابة صدر دون أن يمنعه حجاب المعاصرة من نقل أقوال المعاصرين .
ب- لا ريب في أن للزمان والمكان دوراً مهماً في بعض موارد النفقة, إذ رب أمر لم يكن من لوازم الحياة, قد أصبح اليوم من ضرورياتها, فالمؤلف قد استمد في استنباط الحكم الشرعي من هذه القاعدة التي تمس موضوع الأحكام نفسها؛ فإن الشريعة خالدة ماكر الجديدان .
ج- عقد المؤلف فصلاً بحث فيه نفقة الحيوان , وكنا نأمل أن يشبع هذا الموضوع أكثر.
ولاحظ الشيخ السبحاني على الشيخ اليوسف أنه لم يتوسع في بحثه عن نفقة الحيوان نظراًَ لأهمية الموضوع في حياتنا المعاصرة، وما يتشدق به الغرب طولاً وعرضاً بأنهم أصحاب الحقوق متغافلين أن التشريع الإسلامي له ريادة في ذلك وهو ما أشار إليه الشيخ اليوسف. باختصار كما ستعرف من خلال هذه القراءة للكتاب.
الفصل الأول: نفقة الزوجة
بدا الشيخ عبدالله اليوسف في كتابه بالحديث عن نفقة الزوجة وكتب مدخل للدراسة كتمهيد للبحث، وذلك من خلال تعريف مفهوم النفقة اللغوي والاصطلاحي وخلص إلى التعريف التالي : -
( النفقة الواجبة على الزوج لزوجته من الإطعام والكسوة والمسكن وآلات التنظيف والطبخ وسائر ما تحتاجه بحسب حالها عرفاً )
ثم ذكر موجبات النفقة بالسبب والتي هي:
1ـ الزوجية.
2ـ القرابة.
3ـ الملك.

وأضاف السيد السيستاني ( دام ظله ) الاضطرار .
ثم عرض للأدلة الشرعية من مصادر التشريع الإسلامي وتتنوع على النحو التالي:
1ـ القران الكريم.
2ـ السنة الشريفة.
3ـ الإجماع.
4ـ العقل.

وذكر أن الشرع المقدس لم يحدد مقدار النفقة الواجبة للزوجة بل أوكل ذلك إلى العرف لأنه من الحقائق الشرعية التي ترجع فيها إلى العرف.
وعرض بالتفصيل إلى مكونات النفقة وهي ثمان أصناف :
1- الإطعام.
2- الإدام.
3-الكسوة.
4- الفراش.
5- السكن.
6- آلات الطبخ والشرب.
7- آلات التنظيف.
8- نفقة الخادمة.

وقد حاول الشيخ اليوسف استعراض الآراء الفقيهة من مصادرها باستدلال مختصر واضح يفي بالمطلوب، وعرض لمسألة نفقات العلاج وهي من المسائل الخلافية بين الفقهاء وأشار إلى أكثر من رأي في المسألة، ثم دلف إلى مسألة ( المعيار في تقدير النفقة ) واستدل برأي صاحب ( الجواهر ) وغيره من العلماء القدماء والمعاصرين وخلص إلى أن المسالة تتحدد بالعرف وبمقتضيات الزمان والمكان والأحوال والظروف المختلفة. وبين تلك أشار إلى رأي الشيخ السبحاني في تأثير الزمان والمكان على المسائل الفقهية وهو رأي أستاذه السيد الخميني ( قدس سره ) .
وذكر أن الزوجة تستحق النفقة بشرطين أساسين هما:
1ـ أن يكون العقد دائماً.
2ـ التمكين الكامل (1) .

وفصل القول في جزئيات المسألة وحاول أن يعرض الآراء الفقهية المختلفة والخلوص إلى مجمل الآراء في المسالة .
ومن المسائل التي تطرق إليها ( أحكام عدم التمكين وحق النفقة) مثل:-
1ـ الممنوعة من الوطء فلا تسقط نفقتها لإطلاق النصوص والأمر بالمعاشرة بالمعروف وذلك مثل الأعذار الشرعية كالحيض، النفاس، والاشتغال بالواجب المضيق (2) .
2ـ الزوجة المسافرة بإذن الزوج فلها أحكام تَعَرَّض لها الكاتب بإسهاب.
3ـ خروج الزوجة من البيت وهي محل إجماع الفقهاء بعدم جواز خروج الزوجة بدون إذن زوجها إن كان منافياً لحقه في الاستمتاع، أما مع عدمه فيه خلاف بين الفقهاء.
4ـ حكم الزوجة المشتغلة بالعبادات. وذكر الشيخ اليوسف أيضاً تفصيلات لهذه المسألة بنوع العبادة إذا كانت مندوبة أو واجبة حسب الحكم التكليفي.
5ـ حكم اختلاف الزوجين من حيث الكبر والصغر. وقد ذكر الشيخ اليوسف صوراً متعددة لحالات الزوج والزوجة من ناحية العمر، ثم دلف إلى مسقطات نفقة الزوجة متمثلة في أمور مهمة مثل:-

1- نشوز الزوجة.
2-البينونة الدائمة.

ثم تطرق الى مسائل مثل :-
1ـ وقت استحقاق الزوجة للنفقة وذلك بالتمكين كما عليه أغلب الفقهاء دون مجرد العقد، وهذه من المسائل الخلافية حيث اختار السيد الشيرازي ( قدس سره ) والسيد السيستاني الرأي القائل بأن النفقة تجب من حين إجراء العقد إلا أن تكون هناك قرينة تدل على الإسقاط كما هو رأي السيد السيستاني ( دام ظله ).
2ـ حكم النفقة الطارئة كالمطلقة رجعياً أو البائن حيث فصل الشيخ اليوسف ذلك، وأشار إلى مسألة نفقة المتوفى عنها زوجها.
وبعد ذلك عقد بحثاً عن تقديم نفقة الزوجة على نفقة الأقارب كما هو واضح في الفقه وعليه أغلب الآراء الفقهية.
ومن المشاكل الاجتماعية الشهيرة والتي تسبب حالات الطلاق مسألة الامتناع عن النفقة سواء كان الزوج قادراً على الإنفاق أولا. وقد ربط موضوعه بمسألة ( الكفاءة ) سواء كانت إجبارية أو اختيارية كما هو رأي الشهيد الأول في كتابه الموسوم(غاية المراد ).
ومن المطروح فقهياً أيضاً مسألة هل النفقة ملك أو إمتاع وهي مسألة تختص بتملك الزوجة، وقد حرر الفقهاء بتفصيل الأمور التي تمتلكها الزوجة أو التي للإمتاع فقط. وأيضاً حرر مسالة وقت دفع النفقة باليوم أو الأسبوع أو الشهر أو السنة ثم ربطها بمسألة وجوب ( الكسب ) من أجل الوفاء بحق النفقة للزوجة؛ وقد أفتى بذلك الفقهاء المعاصرين كالسيد الخوئي والسيد السيستاني والسيد صادق الشيرازي والسيد محمد سعيد الحكيم وغيرهم.
الفصل الثاني: نفقة الأقارب
بعد أن فَصَّلَ الشيخ اليوسف الحديث عن نفقة الزوجة تطرق إلى مسألة الأقارب واستعرض بعض الأدلة من القران والسنة الشريفة على ذلك ، وأوضح رأي الفقهاء بإطلاق لفظة ( الأبوين ) هل تطلق على الجد والجدات عرفاً أو تخص الوالد المباشر فقط؟ وخلص إلى أن الرأي الفقهي المعاصر يفتى بوجوب الإنفاق على الأجداد والجدات وأولاد الأولاد كما هو رأي السيد الخميني والشيخ لطف الله الصافي ولكن قال بعض الفقهاء المعاصرين بالاحتياط الوجوبي كالسيد السيستاني والسيد محسن الحكيم وعقد باباً على استحباب النفقة على سائر الأقارب كما هو رأي المحقق الحلي في الشرائع والشهيد الثاني في كتابه ( مسالك الأفهام ) وأجمل الحديث في شروط نفقة الأقارب وهي :-
1- أن يكون المنفَقُ عليه فقيراً.
2- أن يكون عاجزاً من الاكتساب.
3- أن يكون المنفق قادراً على النفقة.
4- الحرية.

وبعد الكلام عن شروط نفقة الأقارب حرر بحثاً عن ترتيب المنفقين بشرط أن يكون من عمودي النسب وهما ( الأصول و الفروع ) بأن يراعى الأقرب فالأقرب وذكر ذلك بالتفصيل فليراجع هناك.
وذكر حكم الممتنع عن الإنفاق بحيث يجبره الحاكم الشرعي على ذلك، فإن أصر على الامتناع تخير الحاكم الشرعي بين حبسه أو بيع بعض أملاكه بما يراه مناسباً، وعرض لرأي الشهيد الثاني في كتابه ( مسالك الأفهام ). وتناول ذلك مفصلاً فلا نحتاج للإطالة فيه
ومن متممات البحث عرض المؤلف لتقدير نفقة الأقارب بأن القدر الواجب فيها هو الكفاية من الإطعام والإدام والكسوة والمسكن مع ملاحظة الشأن والزمان والمكان ، كما أوضح مسألة عدم انشغال ذمة الشخص لنفقة الأقارب بخلاف الزوجة حيث تقتضي انشغال الذمة فيه، وعليه خلص إلى آراء مستثناة تشغل ذمة نفقة الأقارب مثل:-


1ـ ما إذا لم ينفق عليه لغيبة المنفق ورفع المنفق عليه أمره إلى الحاكم فأمره بالاستدانة عليه فاستدان عليه.
2ـ ما إذا امتنع المنفق عن إنفاقه مع القدرة عليه ويساره ، ورفع المنفق عليه أمره إلى الحاكم كذلك.


الفصل الثالث: ( نفقة المملوك )

ذكر الشيخ اليوسف أنه من موارد الإنفاق بالسبب هو الإنفاق على المملوك، واستدل على ذلك من الكتاب الكريم ﴿وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ (3)
ومن السنة قول الإمام الصادق ( ع ) (( خمسة لا يعطون من الزكاة : الولد والوالدان والمرأة والمملوك لأنه يجبر على النفقة عليهم )) (4) .
وذكر بأن علماء الإسلام لا خلاف بينهم في وجوب نفقة المملوك على مولاه من غير فرق بين الصغير والكبير والصحيح والأعمى والمدبر وأم الولد والمنتفع به وغيره والمرهون والمستأجر والكسوب وغيرهم .
واستعرض أيضاً كيفية الإنفاق على المملوك، وأنها ترجع إلى ما هو متعارف ومقدارها يرجع إلى قدر الكفاية وسد الخلة.
ثم تعرض لمسألة امتناع المولى عن الإنفاق وذكر رأي المحقق الحلي والشهيد الثاني، وطرح رأي صاحب الجواهر وغيره في مسألة ما يستحب في نفقة الرقيق.
ثم تعرض لنفقة ( الحيوان ) وذكر أن الفقهاء أجمعوا على وجوب النفقة على البهائم المملوكة، ولا تقدير لنفقات الحيوان.
ولكنه لم يتوسع في باب نفقة ( الحيوان ) كما أشار إلى ذلك الشيخ السبحاني في تقديمه للكتاب ، ولكنه فصل القول في حقوق الحيوان وعرض لجملة أمور مهمة تعطي صورة مشرقة لحقوق الحيوان في الإسلام. ومن آراء الفقهاء التي ذكرها رأي السيد الشيرازي ( قدس سره ) في عدم جواز إيذاء الحيوانات حتى للتجارب العلمية إلا إذا كان من باب الأهم والمهم .
وختم بحثه في الحديث عن نفقة من لا روح فيه كالعقار، والأشجار، وذكر رأي العلامة الحلي والشيخ الأصفهاني والشهيد الثاني وصاحب الجواهر وصاحب الحدائق والسيد السبزواري .
وفي ختام الدراسة ذكر ملاحق روائية قسمها إلى :-

1- باب استحباب التوسعة على العيال.
2- باب وجوب كفاية العيال.
3- باب الإنفاق وكراهة الإمساك.
4- باب استحباب الاقتصاد في النفقة.
5- باب انه ليس فيما أصلح البدن إسراف.
6- باب عدم جواز السرف و التقتير.
7- باب عدم جواز جمع المال وترك الإنفاق منه.
8- باب حد الإسراف والتقتير.
9- باب استحباب صيانة العرض بالمال.
10ـ نوادر ما يتعلق بأبواب النفقات.
ثم أضاف قائمة بالمصادر والمراجع التي استفاد منها في هذا البحث الفقهي، وفي نهاية هذا العرض السريع نقول أن سماحة الشيخ عبدالله بن أحمد اليوسف قَدَّم للمكتبة الإسلامية سفراً مبسطاً كتِب بأسلوب رشيق وجذاب، سائلاً الله تعالى أن يوفقه لكل خير،إنه ولي التوفيق وهو الغاية .
ــــــــــــ
الهوامش:
1 ـ انظر الكتاب، ص 51.
2 ـ انظر الكتاب، ص 56.
3 ـ سورة النحل: الآية 76.
4 ـ الوسائل، ج9، ص 241.

12/6/1428
اضف هذا الموضوع الى:
كاتب وباحث - الدمام، صدرت له عدة مؤلفات مطبوعة، وخاصة في التراجم والسير