في ملتقى الإمام الجواد (ع)
الشيخ اليوسف: استثمار الوقت أولى خطوات النجاح
الأستاذ باسم البحراني * - 12 / 11 / 2010م - 7:57 م
ضمن الأنشطة التي يقيمها ملتقى الإمام الجواد عليه السلام، بالقطيف (شرق المملكة العربية السعودية)، استضاف الملتقى سماحة الشيخ عبد الله اليوسف ليلة الأحد الموافق لـ 2 / 12 / 1424هـ، في ندوة بعنوان: (استثمار الوقت وصناعة النجاح)، وهذا ملخص ما جاء فيها:
افتتح سماحة الشيخ اليوسف كلمته بالسورة الكريمة (سورة العصر)، ثم ذكر سماحته بأن الإسلام كثيراً ما أكّد على أهمية استثمار الوقت، وذلك من خلال الآيات القرآنية الكريمة، والسنة المطهرة للرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، وأهل بيته الكرام عليه السلام. فالقرآن الكريم في سورٍ عديدة يقسم بالوقت بصيغٍ مختلفة، وكما يقول المفسرون: بأن الله إذا أقسم بشيءٍ ما فإن ذلك يُعدُّ إشارة إلى أهمية وعظمة ذلك الشيء.
ففي السورة (سورة العصر) التي افتتح بها سماحته الندوة -كما يقول- يقسم الله سبحانه وتعالى بالوقت، وقد ذكرت السورة بأن الإنسان هو في خسارةٍ دائمة؛ لأنه دائم الإنفاق من عمره، مع استثناء يذكره القرآن الكريم، وهذا الاستثناء يتمثَّل في أولئك الثلة الذين آمنوا بالله أولاً، وعملوا الصالحات ثانياً، وشمفعوا ذلك بالتواصي والتناصح فيما بينهم على الحق والصبر، هذه الثلة هي التي استطاعت أن تكون رابحةً لا خاسرة في صفقة الحياة الدنيا.
وهكذا في كثيرٍ من الآيات يقسم جل وعلا بالوقت، كما في قوله تعالى في سورة الفجر ﴿والفجر وليالٍ عشر﴾، وكما في سورة التكوير: ﴿والليل إذا عسعس﴾...، وهكذا ورد التأكيد على أهمية الوقت في روايات عديدة كذلك.
وبعد ذلك تحدُّث سماحته عن محاور ثلاثة، وهي:
· معنى الوقت:
حينما تسأل الكثير من الناس عن معنى الوقت، وماذا يعني لكم؟! تجد أن الوقت بالنسبة إليهم هو عبارة عن تلك الدقائق والثواني التي تمرُّ على الإنسان، لكن ما نعنيه نحن بالوقت هو غير ذلك، فما نعنيه بالوقت هو العمل والإنجاز الذي يتم في ذلك المقطع الزمني، وذلك بأن يحاول الإنسان أن يستفيد من ذلك المقطع الزمني في إنجاز أعماله في أقصر وقتٍ ممكن، وبأقصى استفادةٍ أيضاً، لذلك يمكن أن نقسِّم عمر الإنسان إلى قسمين:
أ) العمر الزمني: وهو ذلك المقدار الزمني الذي يعيشه الإنسان في هذه الحياة.
ب) العمر الإنتاجي: وهو مقدار ما ينجزه الإنسان في عمره، وهذا -في الحقيقة- هو العمر الذي يُعتدُّ به، فالذي ينجز عملاً أكبر من عمره الزمني هو إنسان عظيم بمعنى الكلمة، وهكذا كان الإمام الشيرازي الراحل ، الذي مضى على رحيله عن هذه الدنيا عامان، ومع ذلك لا نزال نرى أن المطابع بين يومٍ وآخر تطلع علينا بكتاب جديد، وكأنه ما زال حياً بجسده الطاهر.
وهذا في الحقيقة هو العمر الحقيقي للإنسان.
· خصائص الوقت:
1)أن الوقت أنفس شيءٍ.
فربما يأتي المال ببذل الوقت، ولكن العكس لايمكن أن يحصل أبداً؛ لذلك يجب أن نتعامل مع الوقت على أنه شيء نفيس وثمين جداً، بحيث لا يمكن تعويضه مهما كان الثمن المبذول. وغالباً نجد أن الإنسان الناجح هو الذي يتعامل مع الوقت على هذا الأساس.
ولكن، وللأسف الشديد، نرى الكثير من الناس يتعاملون مع الوقت على أنه شيءٌ غير ثمين وغير مقدَّس.
2)أن الوقت ينقضي بسرعة.
يقول الإمام علي عليه السلام: "ما أسرع الساعات في اليوم، وأسرع الأيام في الشهر، وأسرع الشهور في السنة، وأسرع السنين في العمر"، فعمر الإنسان يمضي بسرعة كبيرة، بحيث أن الإنسان إذا ما تأمّل في حياته قليلاً لوجد أ، عمره يمضي بسرعةٍ مذهلة، وهذا يدعونا إلى المسارعة إلى استثمار كل لحظة منه؛ بإنجاز أكبر قدرٍ ممكن من الأعمال.
3)أن الوقت غير قابلٍ للتعويض.
فعقارب الساعة لا يمكن أن تعود إلى الوراء مجدداً، فما مضى لا يعود مطلقاً، مهما بُذِل من أثمانٍ باهضة، حتى أن الإنسان كثيراً ما يتحسّر على ما مضى من عمره، كما قال الشاعر:
ألا ليت الشباب يعود يوماً فأخبره بما فعل المشيب
فالإنسان يتحسر على ما مضى؛ لأنه يدرك أنه لا يستطيع أن يعوِّض شيئاً منه، وحتى لا يتحسر الإنسان يجب عليه أن يعمل قدر المستطاع في كل لحظةٍ من لحظات حياته، وأن يحرص على أوقاته.
قال الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله: "كن على عمرك أشح منك على درهمك ودينارك".
وقال الإمام علي عليه السلام: "ما نقص من دهرك، إلا بقطعةٍ من عمرك".
وقال أيضاً عليه السلام: "إن الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما".
· إدارة الوقت:
في البداية لنتساءل: كيف ينبغي أن ندير أوقاتنا بصورةٍ صحيحة؟!
من أجل الإجابة على هذا التساؤل ينبغي أن نتبع الخطوات التالية:
1) ضع خطةً لبرنامجك اليومي.
لأسأل نفسي أولاً، ماذا أريد أن أفعل غداً؟!!
ومن ثم أحاول أن أُبرمج يومي القبل، بحيث أتبع تلك الخطة أو ذلك البرنامج، وهذا الأ/ر كما ينطبق على الشؤون الدنيوية، هو كذلك ينطبق على الأمور الأخروية أيضاً.
لذلك ينبغي لكل واحدٍ منا أن يخصص وقته لأشياء مفيدة، كالقراءة والتفكير والعمل، ومن الجيد أيضاً أن نستخدم (المذكرة) التي نحدد فيها ما ينبغي إنجازه، لنحاسب أنفسنا فيما بعد، إذا ما قصّرنا في إنجاز بعض الأعمال.
2) اجعل لكل وقتٍ عملاً مناسباً.
فليس من المهم أن تعمل في أي وقتٍ أي عمل، وإنما المهم أن تعمل العمل المناسب في الوقت المناسب له، لئلا يقع الإنسان في حالةٍ من الفوضى.
3)لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد.
مشكلة الكثيرين هو المماطلة والتسويف في إنجاز الأعمال والمهام، وكما جاء في الحديث: "إياك والتسويف، فإنه بحرٌ قد غرق فيه الهلكى"، لأن الغد له أعماله الخاصة به، وإذا ما سوَّف الإنسان وماطل في إنجاز أعماله، فإن ذلك مدعاة إلى تراكم الأعمال عليه، بحيث يصبح عاجزاً عن إنجاز كثير منها. فالمسوِّف هو ذلك الإنسان الذي يمضي عليه الوقت دون أن ينجز ما عليه من أعمال، بينما الإنسان الناجح هو ذلك الإنسان الذي ينجز أعماله في مواعيدها المخصصة لها.
4)استثمر الوقت الضائع.
وهنا لا نعني يالوقت الضائع وقت الفراغ، وإنما قد يكون لدى الإنسان عملٌ ما ولكن يحصل له من المعوقات ما يحول بينه وبين إنجاز عمله في ذلك الوقت، كأن تكون على موعد في رحلة طيران، ولكن تفاجأ في المطار بأن الرحلة قد تأجلت بضع ساعات، هنا ينبغي أن تفكر في كيفية استثمار هذا الوقت الضائع أثناء انتظارك لموعد إقلاع الطائرة الجديد، وهذا ما نعني به الوقت الضائع.
فالإنسان ينبغي له أن يستثمر كل لحظةٍ حتى لا يضيع أيُّ مقدارٍ من الوقت مهما كان قليلاً.
فالناجح ليس من الضرورة أن يكون هو الأذكى، ولكن الناجح هو الذي يستثمر أوقاته بشكلٍ أفضل.
ومن المؤسف أن الكثير من الناس من يتفنن في إضاعة أوقاتهم في أمور قد لا تحتاج إلى -ربما- ربع الوقت المحدد لها.
فإذا أراد إلإنسان أن ينجح في دنياه ويفلح في آخرته، فعليه أن يستثمر عمره فيما يفيده.
وكعادة الملتقى، فُتح المجال فيما بعد أمام مداخلات الحضور وأسئلتهم، التي أثرت الندوة، وأضفت عليها شيئاً من الحيوية والتفاعل.
2 /12 /1424
كاتب وباحث إسلامي- القطيف