كد سماحة الشيخ الدكتور عبدالله أحمد اليوسف على أهمية استحضار شخصية الإمام جعفر الصادق كرائد للتسامح المذهبي، والانفتاح على مختلف التيارات المذهبية، ويبدو ذلك واضحاً من خلال السماح لطلاب العلم من مختلف المذاهب الإسلامية بالدراسة في جامعة أهل البيت الكبرى التي أسسها أبوه الإمام محمد الباقر ووسعها وطورها الإمام الصادق؛ حيث تحولت تلك الجامعة -التي تعتبر أول جامعة إسلامية تأسست في التاريخ الإسلامي - إلى مقصد لطلاب العلم والمعرفة من مختلف الأقاليم الإسلامية. كما يتجلى تسامحه من خلال إفتائه للناس بحسب مذاهبهم، وأمره لتلامذته وأصحابه بفعل ذلك أيضاً.
جاء ذلك في الكلمة التي ألقاها الشيخ اليوسف في يوم الجمعة 29شوال 1431هـ الموافق 8 أكتوبر 2010م في مسجد الرسول الأعظم، حيث تحدث عن خصائص ومميزات جامعة أهل البيت العلمية التي قادها الإمام جعفر الصادق وربي من خلالها ما يربو على الأربعة آلاف طالب علم.
وأشار سماحة الشيخ الدكتور عبدالله اليوسف إلى أن من أبرز خصائص تلك الجامعة انفتاحها على مختلف طلاب العلم من جميع الاتجاهات والتيارات والمدارس المذهبية، والخصيصة الثانية لتلك الجامعة هو تعليم العلوم والمعارف المختلفة، فلم تقتصر على العلوم الشرعية كالفقه والأصول والكلام والسنة والقرآن؛ وإنما كان يدرس فيها العلوم الأخرى كالطب والكيمياء والفيزياء والفلك وغيرها من العلوم المهمة.
وأضاف سماحته قائلاً: إن جامعة أهل البيت كانت مهتمة بتدوين الحديث، خصوصاً بعد شياع الوضع في الأحاديث، ومنع الأحاديث التي تتناول فضائل ومناقب أهل البيت من التدوين، فجاء الإمام الصادق ليوضح الأحاديث الموضوعة، وأمر تلامذته بكتابة وتدوين الأحاديث؛ ولذلك نجد ان ما روي عن الإمام الصادق من الأحاديث لا تقارن بما ورد عن بقية الأئمة الأطهار؛ لأن الإمام سنحت له الفرصة في نشر العلم، وتدوين الأحاديث، حيث كانت فترة إمامته نهاية الدولة الأموية التي سقطت عام 132هـ، وقيام الدولة العباسية، مما أعطى الفرصة للإمام الصادق في تربية الأفراد، ونشر علوم وتعارف أهل البيت.
وانتقد سماحة الشيخ اليوسف تغييب شخصية الإمام الصادق العظيمة، وما ورد عنه من تراث ضخم في شتى الحقول العلمية والمعرفية، وفقهه الثري والموسوعي عن المناهج التعليمية في كثير من البلاد الإسلامية، في حين يذكر بعض تلامذته بإسهاب وتفصيل! معتبراً أن هذا التغييب والتهميش لفقه أهل البيت، خسارة للعلم، وتجهيل للأجيال التي يجب أن تتعرف على الرموز الحقيقية للإسلام.
معتبراً سماحته أن الدراسات الفقهية المقارنة لو طبقت في المدارس والجامعات لخرجت شخصيات منفتحة، تؤمن بالتسامح والحوار والاعتدال والاحترام للآخر، كما هو معمول به في جامعة الأزهر العريقة؛ في حين أن الاقتصار على الرأي الواحد، والفكر الواحد، والمنهج الواحد يؤدي إلى صنع التطرف والتشدد والتعصب، إذ لا يرى أبعد من ذلك، مما يكّون لدى المتلقي ضيقاً في الأفق، وسطحية في التفكير، وتطرفاً في السلوك والتعامل مع الآخرين.
وفي نهاية كلمته دعا سماحته الجميع للاستفادة من التراث العلمي الضخم للإمام الصادق وبقية أئمة أهل البيت ، والانفتاح الجاد على علومهم ومعارفهم الخصبة والثرية.