قال سماحة الشيخ الدكتور عبدالله أحمد اليوسف إن الإمام السجاد يعد مؤسساً لثقافة حقوق الإنسان، فهو أول من وضع رسالة لحقوق الإنسان قبل أربعة عشر قرناً من الزمان، وذلك لإدراكه أهمية احترام حقوق الإنسان، وأنها تشكل المنطلق لبناء نظام اجتماعي متماسك، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وضمان سلامة العلاقات الفردية والاجتماعية في إطار من الاحترام المتبادل، والتسامح تجاه الآخر، والقبول بالرأي المخالف.
وطالب سماحة الشيخ الدكتور عبدالله أحمد اليوسف في كلمته ليوم الجمعة 25 محرم 1432هـ الموافق 31 ديسمبر 2010م، بإدراج مادة لـ(حقوق الإنسان) في مناهج التعليم، وذلك لنشر ثقافة الحقوق بين الطلاب، وما يمكن أن يتركه ذلك من آثار إيجابية على السلوك الفردي والاجتماعي، بما يؤسس لثقافة التسامح واللين في التعامل مع الرأي المخالف.
وأضاف سماحته قائلاً: إن غياب ثقافة حقوق الإنسان يؤدي إلى شيوع التعصب والتشدد والتطرف، في حين أن معرفة حقوق الذات ، فضلاً عن حقوق الآخر يؤدي إلى سيادة القانون، و نمو ثقافة الاحترام والتكريم للإنسان، تطبيقاً لقوله تعالى، ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ﴾ [1] ، فالآية الشريفة تشير إلى تكريم الإنسان بغض النظر عن دينه أو مذهبه أو قوميته أو لونه أو عرقه ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ﴾.
وأشار سماحة الشيخ اليوسف إلى أن الإمام علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب بيّن للناس حقوق الإنسان بعد واقعة الطف التي انتهكت فيها أبسط الحقوق الإنسانية فضلاً عن تعاليم الإسلام وأحكامه.
وتأتي أهمية رسالة الحقوق للإمام السجاد باعتبارها أسبق وثيقة تحدثت عن حقوق الإنسان، في حين أن أقدم الوثائق الدولية التي صدرت عن حقوق الإنسان لا تزيد عن قرنين من الزمن. إذ أن أهم ما صدر من وثائق عن حقوق الإنسان، وثيقة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 10/12/1948م، وكان هذا الإعلان قد اقتبس قواعده من إعلان الثورة الفرنسية - التي حدثت عام 1789م- لحقوق الإنسان، واعترافها بالحقوق الطبيعية للأفراد.
وقد امتازت وثيقة (رسالة الحقوق) للإمام السجاد بأنها تطرقت إلى حقوق أكثر مما هو مدون في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان؛ إذ اشتملت رسالة الحقوق على خمسين حقاً، وفي رواية أخرى على واحد وخمسين حقاً، في حين أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لم يتجاوز 29 مادة، كما أشارت رسالة الإمام الحقوقية إلى حقوق تجاهلتها الوثائق الدولية لحقوق الإنسان، كحق الله سبحانه وتعالى بالنسبة لعبده، وهي أكبر الحقوق؛ بل أصلها.
ثم أشار الإمام السجاد إلى حقوق الإنسان المفروضة من الله تعالى تجاه نفس الإنسان، وأنواع علاقة الإنسان بنفسه من خلال رؤية الإسلام لذلك.
ويمكن تقسيم حقوق الإنسان الرئيسة التي أشار إليها الإمام السجاد في رسالته الحقوقية ضمن المحاور التالية:
1- حق الخالق وحق المخلوق (حق الله، وحق النفس ).
2- حقوق الأعضاء:
وتشمل الحقوق التالية: حق اللسان- حق السمع- حق البصر- حق اليد- حق الرجل- حق البطن- حق الفرج.
3- حقوق الأفعال:
وتشمل هذه الحقوق ما يلي: حق الصلاة- حق الحج- حق الصوم- حق الصدقة- حق الهدي.
4- حقوق الأئمة:
وتشمل هذه الحقوق ما يلي: حق السلطان- حق سائسك بالعلم- حق سائسك بالملك.
5- حقوق الرعية:
وتشمل حقوق الرعية الأصناف التالية: حق رعيتك بالسلطان- حق رعيتك بالعلم- حق الزوجة- حق المملوك.
6- حقوق الرحم:
وتشمل حقوق الرحم الأصناف التالية:
حق الأم- حق الأب- حق الولد- حق الأخ- حق مولاك المنعم عليك- حق مولاك الذي أنعمت عليه.
7- حقوق عامة الناس:
وتشمل هذه الحقوق24 حقاً منها:
حق المؤذن- حق إمام الجماعة- حق الجليس- حق الصاحب- حق الخليط- حق الشريك- حق الكبير- حق الصغير- حق أهل الإسلام- حق أهل الذمة.... وغيرها من الحقوق العامة.
ونلاحظ أن الإمام السجاد قد ختم رسالته الحقوقية بحقوق أهل الإسلام، وإن اختلفوا في مذاهبهم وآرائهم ومرجعياتهم الفكرية، فلكل مسلم أن يمارس عباداته وشعائره ومعتقداته بحسب مذهبه. ثم بحقوق من يشترك مع الإنسان في الأرض الواحدة والنظام السياسي الواحد، وإن اختلف معهم في الدين، لكنهم يشتركون في الإنسانية، وفي النظام السياسي الواحد، فلهم حقوق المواطنة، ولهم حرية ممارسة شعائرهم الدينية، دون أن يدعوا المسلمين إليها. ولهم الحرية في إجراء مراسيم عباداتهم، كما أن لهم أن يعملوا حسب شريعتهم في عقودهم وطلاقهم... وغيرها من الأحوال الشخصية؛ يقول الإمام السجاد : (( وحق أهل الذمة: أن تقبل منهم ما قبل الله عز وجل، ولا تظلمهم ما وفوا لله عز وجل بعهده)).
وانتقد سماحة الشيخ اليوسف الدول الغربية التي تتعامل مع حقوق الإنسان بمعايير مزدوجة، وتستخدمها كأداة سياسية ومن منطلق مصلحي؛ فنراها ترفع راية حقوق الإنسان بقوة وحزم ضد الدول التي لا تتفق مع سياستها كالصين وكوريا الشمالية وإيران والسودان في حين تتعامى عن واقع حقوق الإنسان في الدول الحليفة لها كإسرائيل التي تنتهك حقوق الشعب الفلسطيني يومياً، ولكن من دون أي عقاب أو محاسبة؛ وإن كان هذا لا يلغي وجود منظمات حقوقية في الغرب تنطلق من منطلقات إنسانية بنسبة كبيرة.
وختم سماحة الشيخ عبدالله اليوسف كلمته بالقول: يجب أن نعطي اهتماماً أكبر بمسألة حقوق الإنسان، ونعمل على نشر ثقافة الحقوق بين الناس، حتى يعلم كل شخص حقوقه وواجباته الفردية والمدنية والاجتماعية والاقتصادية بما يحقق العدالة الاجتماعية للجميع.
وفقك الله وإيانا لللسير على درب أهل البيت وهديهم وسيرتهم.
بانتظار المزيد