أكَّد سماحة الشيخ الدكتور عبدالله اليوسف على أهمية التربية الروحية، وتهذيب النفس، وتزكية الذات، لأنها السبيل نحو الفلاح والفوز في الآخرة، في حين أن الخيبة والخسران من نصيب من يتبع هواه، يقول تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا ﴾، فالإنسان لديه القابلية للصلاح وإتباع الحق والخير، ولديه القابلية للفساد والإفساد والانحراف ﴿وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ﴾ نجد الخير ونجد الشر، لكنه مسؤول عن اختياره ومحاسب عليه.
وشدَّد سماحته على ضرورة الاستفادة من أجواء شهر رمضان المبارك في تنمية الجانب الروحي والمعنوي في الشخصية، والارتقاء نحو سلالم الكمال والسمو الروحي، معتبراً أن الصوم إحدى الوسائل المهمة في التربية الروحية، وتجاوز ضغوط الشهوات والغرائز، باعتبار أن الصوم يقلل من الشهوة عند الإنسان.
وتحدث سماحة الشيخ اليوسف في خطبته ليوم الجمعة 20 شعبان 1432هـ الموافق 22يوليو (تموز) 2011م في مسجد الرسول الأعظم بالحلة في محافظة القطيف إلى البرنامج العملي في التربية الروحية، وتركية النفس، والتي من أهمها - بالإضافة إلى الصوم – الانشغال بذكر الله كثيراً، الأمر الذي يجعل المؤمن دائماً على ارتباط بالله تعالى من خلال تسبيحه وتحميده وتهليله، وهذا هو الذكر اللفظي، أما المعنى الآخر للذكر فهو الذكر الذهني والذي يعني الشعور الوجداني والعاطفي بعقيدة وجود الله تعالى، واستمداد القوة منه، يقول تعالى ﴿ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ ويقول الرسول الأعظم : (( من أكثر من ذكر الله عز وجل أحبه الله، ومن ذكر الله كثيراً كتبت له براءتان: براءة من النار، وبراءة من النفاق)) في حين ذم الله عز وجل المنافقين لأنهم بعيدون عن الله، ويتصفون بالرياء، وقليلو الذكر، يقول تعالى: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾.
ثم أشار سماحة الشيخ الدكتور عبد الله اليوسف إلى الوسيلة الأخرى من وسائل التربية الروحية وهي قيام الليل، إذ ورد الحث الشديد على صلاة الليل في الكتاب والسنة، فمن القرآن قوله تعالى: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً ﴾ ومن السنة: ورد عن الإمام الصادق: ((شرف المؤمن صلاته بالليل)) وعنه أيضاً قال: ((لا تدع قيام الليل فإن المغبون من حرم قيام الليل)) فلصلاة الليل والتهجد فيه أثره الكبير في تنمية البعد الروحي عند الإنسان.
وحث سماحته جموع المصلين على المداومة على تلاوة القرآن الكريم والتدبر والتأمل في آياته، فالقرآن كلام الله تعالى الذي يجب العمل بما فيه، وقد ورد في الحديث عن الإمام الصادق أنه قال: (( من قرأ القرآن وهو شاب مؤمن اختلط القرآن بلحمه ودمه، وجعله الله عز وجل مع السفرة الكرام البررة، وكان القرآن حجيزاً عنه يوم القيامة )) وتلاوة القرآن في رمضان فيه أجر مضاعف، فقد ورد عن الرسول الأعظم قوله: (( من تلا فيه آية من القرآن كان له مثل أجر من ختم القرآن في غيره من الشهور)).
كما حث سماحته كذلك على ضرورة المواظبة على قراءة الأدعية المأثورة كدعاء كميل ودعاء أبي حمزة الثمالي ودعاء السحر ودعاء البهاء ودعاء الصباح ودعاء الافتتاح وغيرها من الأدعية المهمة التي تترك تأثيراً قوياً في التربية الروحية.
ودعا سماحة الشيخ اليوسف الجميع إلى المشاركة والحضور في الأجواء الإيمانية، لما لها من أثر فعال في التربية الروحية، والتهذيب النفسي، وخصوصاً حضور المساجد والمواظبة على صلاة الجماعة لما لها من فوائد جمة، وقد أشار أمير المؤمنين الإمام علي إلى ذلك في قوله: (( من اختلف إلى المسجد أصاب إحدى الثمان: أخاً مستفاداً في الله، أو علماً مستطرفاً، أو آية محكمة، أو يسمع كلمة تدل على هدى، أو رحمة منتظرة، أو كلمة ترده عن ردى، أو يترك ذنباً خشية أو رجاء)) فالحضور إلى المساجد لا يخلو من الظفر بإحدى هذه الفوائد التي أشار إليها أمير المؤمنين، والمحروم حقاً من لا بذهب إلى أي مسجد، ويصلي في منزله أو أي مكان آخر غير المسجد.
وختم حديثه بالدعوة إلى محاسبة الذات، والمراجعة النقدية، مشيراً سماحته إلى أن من السهل أن ننتقد غيرنا لكن من الصعب أن ننتقد ذواتنا، وهنا تكمن الشجاعة الأدبية، إذ على كل واحد منا أن يحاسب نفسه يومياً، لقول الرسول الكريم : (( حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا)) ومن الضروري أن يبني الإنسان على نقاط قوته، ويتخلص من نقاط ضعفه في سبيل بناء ذاته، وتزكية نفسه، ومجاهدة غرائزه وشهواته، ويتطلب نجاح ذلك أن يكون مجاهدة النفس مستمراً، حتى يتغلب على ضغوط الغرائز والشهوات والأهواء.