أكد سماحة الشيخ الدكتور عبد الله اليوسف على أن التنوع المذهبي مصدر ثراء فقهي ومعرفي وثقافي، وأنه يسهم في إضفاء الجمال الثقافي والحضاري، ويعزز من الجذب المعرفي إذا ما نظر إليه كعنصر للتكامل بين المذاهب وليس كعامل تنافر بينها؛ مع العلم أنه لا بوجد مجتمع بشري من دون تنوع، ويحسب إحصائية اليونسكو بوجد أكثر من عشرة آلاف أقلبة عرقية ودينية و إثنية ومدهبية في العالم، وهو الأمر الذي يستوجب التعارف واالتكامل والتعاون بين مختلف المكونات الاجتماعية.
وأشار إلى أنه من أجل تنشيط الذاكرة فإن كتب التاريخ تؤكد كلها على أن منطقة الخط - والتي تشمل القطيف والأحساء - منطقة موغلة في القدم وتعود لأكثر من خمسة آلاف سنة قبل الميلاد، وسكانها من العرب الأقحاح، وهم ينتمون إلى قبائل عربية عريقة ومعروفة (عبد القيس و بكر بن وائل) ومقيمة فيها منذ آلاف السنين، وقد دخل أهل هذه المنطقة في الإسلام منذ أن بعث الرسول الأعظم في السنة السادسة للهجرة مبعوثه العلاء بن الحضرمي برسالة إلى والي المنطقة وقتئذ المنذر بن ساوي العبدي. كما أقيم في مسجد جواثا بالأحساء أول جمعة بعد المدينة المنورة، وقد أصبحت هذه المنطقة موالية لأهل البيت منذ ذلك الوقت، وكانت قبيلة عبد القيس من أنصار أمير المؤمنين ، وفي عصره كان الوالي عليها عمر بن أبي سلمة المعروف بولائه ووقوفه مع أمير المؤمنين ؛ فلم يكن التشيع في هذه المنطقة أمراً طارئاً عليها، بل ممتداً في أعماق التاريخ، وقد انتشر منها إلى المناطق المجاورة وليس العكس.
وأضاف سماحته قائلاً: إن وجود التنوع المذهبي في أي مجتمع يجب أن يكون مدعاة للثراء المعرفي والفكري، وليس سبباً للتنافر الاجتماعي، والتجييش الطائفي، والتسعير المذهبي الذي لا يؤدي إلا إلى إثارة الفتن بين المسلمين، والانشغال بقضايا هامشية بدلاً من الاهتمام بصناعة التقدم العلمي والحضاري.
وأكد سماحة الشيخ اليوسف في خطبته ليوم الجمعة 15 ذو القعدة 1432هـ الموافق 14 أكتوبر 2011م أن ولاء الشيعة كان دائماً وأبداً لأوطانهم، فالشيعة في كل بلد، وفي كل مجتمع، وفي كل دولة؛ ولاؤهم لوطنهم ومجتمعهم ودولتهم، وليس لديهم أي مشروع خاص بهم، وإنما هم جزء من النسيج الوطني لمجتمعهم. يقول الإمام علي : (( عمرت البلاد يجب الأوطان)) وقوله : (( من إيمان الرجل حبه لقومه))، مشيراً إلى أن من مصاديق حب الأوطان إعمارها بالإيمان والصلاح، ونشر الفضيلة والحق والخير.
ورأى سماحة الشيخ د. عبدالله اليوسف أن العدل والإحسان، والبرامج الوطنية الجامعة، والخطاب الوحدوي الواعي، والتسامح الثقافي هو السبيل نحو تعزيز مفهوم المواطنة، والذي على أساسه يجب أن يعامل الناس، كل الناس، إذ يجب أن يكون التعامل على أساس أنهم مواطنون متساوون في الواجبات والحقوق، وليس على أساس الانتماء المذهبي أو الطائفي أو الديني، أو من منطلق الأقلية والأكثرية؛ فالمواطن له حقوق المواطنة وإن كان فرداً واحداً.
واستهجن سماحة الشيخ اليوسف الحملة على الشيعة وعلى تاريخهم ومعتقداتهم وأفكارهم من قبل البعض، مبيناً أن السخرية من عقائد الناس وآرائهم الدينية والمذهبية والفكرية يعقد الأمور، ويزرع الكراهية بين المواطنين، ويثير الفتن.
ودعا سماحته في ختام حديثه الجميع إلى التحلي بروح المسؤولية والحكمة والوحدة، والابتعاد عن كل ما يثير الفتنة، ويزرع البغضاء والكراهية، وكل ما لا ينسجم مع القيم والمبادئ الإسلامية الأصيلة.