تحدث سماحة الشيخ الدكتور عبد الله أحمد اليوسف عن جود وكرم وسخاء الإمام الجواد ، وهو الإمام التاسع من أئمة أهل البيت، وبالرغم من الألقاب العديدة للإمام إلا أن أميز وأشهر ألقابه (الجواد) لكثرة عطائه وكرمه وسخائه، إذ كان يعطي من يسأله ومن لا يسأله؛ فالجواد مأخوذ من الجود وهو كثرة العطاء من غير سؤال.
وأضاف سماحته قائلاً: بالرغم من أن الإمام الجواد لم يعش فترة طويلة، بل كانت حياته قصيرة، فلم يتجاوز عمره عندما مضى لربه شهيداً الخمس والعشرين عاماً، إلا أنه أعطى مجتمعه وأمته الشيء الكثير، فالإمام الجواد أنجز الكثير من الأعمال في القليل من الوقت، وكان مثالاً متميزاً في العطاء والكرم والسخاء والجود مستشهداً بعدة قصص من سيرة الإمام الجواد تؤكد على تلك الحقيقة.
وسلّط سماحة الشيخ الدكتور عبد الله اليوسف في خطبته ليوم الجمعة 29 ذو القعدة 1432هـ الموافق 28 أكتوبر 2011م بمسجد الرسول الأعظم بالحلة في محافظة القطيف الأضواء على أهمية العطاء والإنفاق في سبيل الله، وهي تشمل كل ما فيه مصلحة للمجتمع، وتقدم الأمة، منبهاً إلى أهمية إقامة مشاريع تطوعية وأهلية كبناء مشاريع تعليمية أهلية، ومشاريع صحية أهلية، ومشاريع ثقافية أهلية بما يُسهم في إنماء المجتمع علمياً وثقافياً وصحياً واجتماعياً وحضارياً.
واستدل سماحة الشيخ اليوسف على نماء الأعمال التطوعية بقوله تعالى: ﴿مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ فالإنفاق والعطاء في سبيل الله يثمر تقدماً علمياً واجتماعياً، بالإضافة للأجر والثواب الجزيل الذي يحصل عليه المنفق ﴿ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ﴾.
وأكد سماحة الشيخ اليوسف على أهمية أن نستلهم من سيرة الإمام محمد الجواد روح العطاء والإنفاق في سبيل الله، وأن الكرم والسخاء والجود من صفات المؤمنين، وأن السخي محبوب من الله ومن الناس، يقول الرسول الأكرم : ((إن السخي قريب من الله، قريب من الناس، قريب من الجنة، بعيد من النار)) وقوله : ((الجنة دار الأسخياء)) وقوله : ((طعام الجواد دواء وطعام البخيل داء)) لأن للنفس تأثيراً كبيراً حتى على الطعام كما ثبت في علم النفس الحديث.
ينما ورد في الكثير من الأحاديث والروايات ذم البخل وأنه مبغوض عند الله وعند الناس، يقول الرسول الأعظم : ((البخيل بعيد من الله، بعيد من الناس، بعيد من الجنة، قريب من النار)) وقوله : ((لا يدخل الجنة بخيل)) وقوله : ((خصلتان لا تجتمعان في مؤمن: البخل وسوء الخلق)). وهذه الروايات والأحاديث التي تمدح الإنسان الكريم والسخي والجواد وتذم الإنسان البخيل والشحيح تدل بصورة واضحة على ضرورة أن يتحلى الإنسان بالكرم والسخاء والعطاء، ويتخلص من الشح والبخل.
و أهاب سماحة الشيخ اليوسف برجال الأعمال لتبني مشاريع كبيرة واستراتيجية تساهم في تقدم المجتمع وتنميته؛ إذ نجد أنه في الغرب من يتبرع بنصف ثروته أو بثلث ثروته للأعمال التطوعية والإنسانية، فقد أعلن الملياردير الأمريكي ( بيل غيتس ) رئيس مجلس إدارة ((مايكروسوفت)) العالمية وأحد مؤسسيها، عن تبرعه بمبلغ ثمان وعشرين بليون دولار من ثروته لأعمال الخير، أي ما يقارب نصف ثروته، كما أن مؤسس شبكة CNN الأمريكية واسمه ( تيد تورنر ) تبرع بثلث ثروته إلى المنظمات الإنسانية في الأمم المتحدة، ويساوي مبلغ مليار دولار أمريكي، وإذا كان دوافع مثل هؤلاء الشهرة أو الدعاية أو الحس الإنساني فإن الأحرى برجال الأعمال عندنا الذين ينتمون لدين عظيم يحث على العمل التطوعي، ويرغب فيه بالأجر الجزيل، وبرضا الخالق أن يتسابقوا في تبني المشاريع التطوعية والاجتماعية قربة إلى الله تعالى.
وختم سماحة الشيخ اليوسف خطبته بالقول: إن العطاء والكرم والسخاء لا يعتمد على مقدار المال الذي يمتلكه الإنسان، وإنما يعتمد على روح العطاء، فإذا كان الإنسان يتصف بالكرم والسخاء فإنه سيكون معطاء وكريماً تجاه أهله ومجتمعه وأمته وإن كان لا يملك إلا القليل من المال، وأما من يتصف بالبخل والشح فلن يقدم شيئاً لأهله ومجتمعه وأمته وإن كان غنياً وثرياً، فالمعيار هو روح العطاء والكرم وهو ما يجب أن نتحلى به، لنكون على نهج الإمام الجواد وآبائه الطاهرين.