تحدث سماحة الشيخ الدكتور عبدالله أحمد اليوسف في خطبة يوم الجمعة 17 ربيع الأول 1433هـ الموافق 10 فبراير 2012م بمسجد الرسول الأعظم بالحلة بمحافظة القطيف عن أهم الأعمال التي قام بها الرسول الأعظم في السنة الأولى للهجرة في المدينة المنورة، وهي مرحلة بناء المجتمع الإسلامي، وإدارة الدولة الإسلامية الناشئة.
وأشار سماحته إلى إن أول عمل قام به الرسول الكريم في المدينة المنورة بناء مسجد فيها للعبادة، وتدريس العلوم الإسلامية، والفصل في المنازعات والخصومات والدعاوى. فالمسجد لم يكن يقتصر على العبادة؛ وإنما كان مكاناً للتربية والتعليم، ونشر المعارف الإسلامية، وإنجاز الأمور القضائية.
وبيّن سماحة الشيخ اليوسف الخطوات التي اتبعها الرسول الأعظم في بناء المجتمع الإسلامي، والسياسة الحكيمة والمحنكة في إدارة الاختلاف والتنوع؛ إذ كان يوجد اختلاف ديني في المدينة، واختلاف قبلي واجتماعي، وهو الأمر الذي جعل النبي الكريم يتبع خطوات عملية ومهمة من أجل إدارة الاختلاف، وتقوية الجبهة الداخلية من خلال المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار؛ إذ كان يوجد اختلاف في بعض الأمور بين الأنصار أنفسهم - وهم الأوس والخزرج - وقد قامت بينهم حروب قبل الإسلام استمرت لعقود طويلة. كما كان يوجد اختلاف بين المهاجرين والأنصار، فقد كان الأنصار من أهل المدينة، وكان يغلب عليهم الزراعة والفلاحة، بينما المهاجرون وهم من أهل مكة كان يغلب عليهم التجارة. وللبيئة أثرها في السلوك والتفكير والعادات والتقاليد؛ إلا أن الرسول الأعظم استطاع أن يذيب الاختلافات الجوهرية بين المهاجرين والأنصار من خلال المؤاخاة بينهم، إذ جمعهم وقال لهم : (( تآخوا في الله: أخوين أخوين)). وفي عقد المؤاخاة بين المؤمنين دلالات رمزية عدبدة ؛ كتنمية التعاون، وتأكيد الألفة الجماعية، وإذابة الفوارق الطبقية، وصهر الجميع تحت إطار الأخوة الإسلامية.
وأضاف سماحته قائلاً: إن مفهوم الأخوة مفهوم إسلامي نصّ عليه القرآن الكريم كما في قوله تعالى : ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ وهو أعم من مفهوم المواطنة الذي يتداول في عصرنا والذي يعني المساواة في الواجبات والحقوق على أساس الاشتراك في وطن واحد، بغض النظر عن الاعتبارات الأخرى كالمذهب أو القبيلة أو المنطقة أو غيرها. ويجب التأكيد هنا على عدم وجود تناقض بين المفهومين، إذ لكل مفهوم دائرته الخاصة به.
وشدد سماحة الشيخ اليوسف على أهمية استيعاب أي دولة حديثة للجميع كما عمل الرسول الأعظم ، وصهر الجميع تحت مظلة الوطن، من خلال سيادة القانون، وتكافؤ الفرص، وتحقيق العدالة الاجتماعية.
وأوضح سماحة الشيخ الدكتور عبدالله اليوسف أن العمل الثالث الذي عمله الرسول الكريم هو عقد ميثاق للتعايش بين المسلمين وغيرهم كاليهود والنصارى الذين كانوا يعيشون في المدينة المنورة، حيث أعطاهم الرسول حق العبادة، وممارسة أمورهم الخاصة بهم، لكن بشرط عدم الاعتداء على المسلمين، والوقوف مع المسلمين في أي حرب تشن ضدهم. وقد كان لهذه المعاهدة التاريخية المهمة أكبر الأثر في تحقيق الانتصارات السياسية التي حققتها الدولة الإسلامية الناشئة بقيادة الرسول الأكرم .
وقال سماحة الشيخ اليوسف إن على حكام الدول الإسلامية التأسي والاقتداء بالرسول الأعظم في استيعاب جميع المكونات الاجتماعية، وعدم ممارسة التصنيف وفق اعتبارات ضيقة، لأن بناء أي دولة حديثة واستمرارها يحتاج إلى رؤية عميقة وشاملة، وهو الأمر الذي يقلل من المشاكل، ويساعد على التقدم العلمي والحضاري.
وأكد سماحة الشيخ الدكتور عبدالله اليوسف على أن ما يجمع بين المسلمين أكثر مما يفرقهم، وأن عليهم أن يتحدوا في مواجهة أعداء الإسلام، وأخطر الأعداء في هذا العصر هي الصهيونية العالمية التي تعمل على بث الفرقة بين المسلمين، وتهويد القدس الشريف في الوقت الذي ينشغل فيه المسلمون بخلافات جزئية، والاستغراق في قضايا التاريخ وتوظيفها في صناعة الفتن الطائفية التي تضر بمستقبل الأمة الإسلامية ومصيرها.
وانتقد سماحة الشيخ اليوسف الخطاب المأزوم الذي يمارسه البعض ضد مخالفيهم في المذهب أو المنهج أو الفكر، من خلال تكفيرهم أو تفسيقهم، أو الدعاء عليهم بالموت والهلاك، وتتييم أولادهم، وإصابتهم بمختلف الأمراض !! معتبراً أن مثل هذا الخطاب مناقض لسيرة الرسول الأعظم ، رسول الرحمة والإنسانية والذي كان يدعو لأعدائه بالهداية ويقول: ((اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون)).
وختم سماحة الشيخ عبدالله اليوسف خطبته: بأن الإسلام دين عالمي، ويستوعب الجميع، ويعتبر كل من يتشهد بالشهادتين فهو مسلم له ما للمسلمين وعليه ما عليهم، وهذا هو أحد أهم أسرار انتشار الإسلام في العالم. أما من لا يريد ذلك، ويصور الإسلام ويضيقه وفقاً لمقاسه ورؤيته، ، ويعتبر نفسه وجماعته فقط من سيدخلون الجنة، أما الآخرون فمصيرهم النار! فهذا لا يستقيم مع السيرة المباركة للرسول الأعظم ، وتعاليم الدين الحنيف.
داعياً سماحته الجميع للتأسي برسول الله ، والسير على نهجه، والاقتداء بسيرته: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً ﴾.