سماحة الشيخ د. عبدالله اليوسف أثناء إلقاء الخطبة (أرشيف)
|
تناول سماحة الشيخ الدكتور عبدالله اليوسف في خطبته ليوم الجمعة 11 ذو القعدة 1433هـ الموافق 28 سبتمبر 2012م مناظرات وحوارات الإمام الرضا مع علماء الأديان المختلفة، وعلماء المذاهب الإسلامية، وسائر أصحاب الفرق والمقالات والمدارس الفكرية، وقد تميزت تلك المناظرات بحوار علمي عميق اعتمد فيه الإمام على الدليل والبرهان والحجة، وهو الأمر الذي أدى إلى إسلام بعضهم، وأثر ذلك على أتباعهم، إذ استخدم الإمام الرضا أسلوب الاستدلال على الخصم بما يعتقده من كتب وأنبياء، وهو الأمر الذي جعل الطرف الآخر ينقطع عن الإجابة، ويقر بهزيمته العلمية أمام الإمام .
وأضاف سماحته قائلاً: إن عصر الإمام الرضا قد تميز بانتشار العلم، وتأسيس الكثير من المكتبات والمدارس، والانفتاح على الأمم الأخرى نظراً لتوسع مساحة البلاد الإسلامية، وهو الأمر الذي أدى إلى التداخل بين علماء الأديان المختلفة، وسعي كل دين؛ بل وكل مذهب لإثبات صحة معتقداته وأفكاره. وقد كان من أكثر الوسائل المتبعة في ذلك الوقت لإثبات كل طرف صحة ما يعتنقه هو المناظرة مع الآخر.
وعندما تولى الإمام الرضا ولاية العهد سعى المأمون العباسي لعقد الكثير من المناظرات والحوارات بين الإمام الرضا وكبار العلماء من مختلف الأديان والمذاهب، وبغض النظر عن هدفه من ذلك، فقد استفاد الإمام الرضا من ذلك أيما استفادة؛ إذ أن ذلك أعطى الإمام الفرصة لنشر عقائد ومفاهيم وأفكار الإسلام وفق رؤية أهل البيت إلى كبار العلماء والنخبة العلمية والقادة والوزراء وغيرهم.
وأوضح سماحة الشيخ اليوسف إن الإمام الرضا استطاع بتفوقه العلمي على أرباب الأديان المختلفة أن يقوي من أصول الفكر الإسلامي، ويعمق القناعة الفلسفية بهذا الفكر، وفي المقابل إضعاف الفكر غير الإسلامي الذي أخذ يتغلغل إلى عقول المسلمين من خلال أعمال الترجمة التي راجت في عهد المأمون العباسي. وعمل الإمام على توجيه المسلمين إلى اتباع منهج وفكر الإسلام الأصيل من خلال المواجهة العلمية القوية بين الإمام الرضا وعلماء الأديان والمذاهب والفرق المختلفة. وهذه المواجهة الفكرية والعلمية تركت آثاراً قوية على الساحة الإسلامية، وصنعت تموجات علمية تجاوزت المتحاورين إلى الرأي العام في كل مكان.
وبيّن سماحته أن مناظرات الإمام الرضا تناولت أعقد المسائل الكلامية والفكرية والعلمية، فقد شملت مناظراته التوحيد وما يرتبط بتفاصيل الأصل الأول للدين، وعصمة الأنبياء، والإمامة وغيرها من المسائل، وشكلت هذه المناظرات بمجموعها رصيداً علمياً مهماً في تلك القضايا الفكرية وغيرها.
وانتقد سماحة الشيخ الدكتور عبدالله اليوسف من جانب آخر استخدام الخطاب الطائفي، ولغة التهريج والإساءة التي تمارسها بعض القنوات الفضائية الطائفية، والوسائل الإعلامية الأخرى، والتي تفتقر إلى أبسط درجات الخطاب العلمي في خطابها الإعلامي، داعياً إلى الاستفادة من لغة المناظرات العلمية التي كان يجريها الإمام الرضا - وباقي الأئمة الأطهار - مع خصومهم، بما فيهم الزنادقة والملاحدة وغيرهم، فقد اعتمد الأئمة الأطهار على لغة الحوار العلمي كأسلوب قوي ومؤثر لإقناع الطرف الآخر.
وأشار إلى أن الفيلم المسيء للنبي الأكرم يدخل في إطار الإساءة والتهريج الإعلامي، وأن تبادل الإساءة بين أصحاب الأديان المختلفة، أو المذاهب، أو الفرق ليس من أخلاق الإسلام وآدابه، داعياً إلى تغليب لغة الحوار والمناظرة بدلاً من لغة الإساءة والتهريج الإعلامي الرخيص. يقول تعالى: ﴿ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾.
وختم خطبته بالقول: إن الإساءة للآخرين، وكيل التهم والافتراءات ضدهم عمل رخيص، ويستطيع الجميع القيام به؛ إلا أن مخاطره السلبية كبيرة كالتفرقة بين المسلمين وتنمية خطاب الكراهية، ولذلك فإن تعاليم الإسلام تنهى عنه، وتدعو إلى الحوار العلمي الرصين القائم على الدليل والحجة والبرهان.