سماحة الشيخ اليوسف يلقي الخطبة أمام المصلين (أرشيف)
|
أوضح سماحة الشيخ الدكتور عبدالله أحمد اليوسف في خطبته ليوم الجمعة 8 ربيع الأول 1435هـ الموافق 10 يناير 2014م أن الإمام العسكري عمل على تأصيل مرجعية الفقهاء العدول، ووجوب الرجوع إليهم في معرفة مسائل الشريعة، وأخذ الموقف الشرعي تجاه القضايا الحادثة، ولتحقيق ذلك كان الإمام يوجه أتباعه وشيعته إلى مراجعة الفقهاء وتقليدهم، وأخذ معالم الدين وأحكامه منهم، حيث جاء عنه الحديث المشهور:
((من كان من الفقهاء صائناً لنفسه، حافظاً لدينه، مخالفاً على هواه، مطيعاً لأمر مولاه، فللعوام أن يقلدوه)).
وفي هذا الحديث يبين الإمام العسكري صفات الفقيه الذي يجوز الرجوع إليه في التقليد، إذ يجب أن تتوافر فيه أربع صفات: صيانة النفس، وحفظ الدين، ومخالفة الهوى، وإطاعة أمر الله تعالى.
وأضاف سماحته قائلاً: إنه منذ ابتداء الغيبة الكبرى سنة 329هـ والتي ابتدأت بوفاة السفير الرابع علي بن محمد السمري رجع الناس في كل عصر إلى الفقهاء العدول لأخذ معالم دينهم منهم، ومعرفة مسائل الحلال والحرام، والإجابة على تساؤلاتهم المختلفة.
وبيّن سماحته أن الاجتهاد يمثل في عصر الغيبة الكبرى الوسيلة الوحيدة لمعرفة أحكام الدين، والإجابة على تساؤلات المكلفين، وتوضيح رأي الإسلام تجاه المستجدات الحادثة، وأن بقاء الاجتهاد مفتوحاً لكل من تتوافر لديه شرائط الاجتهاد أثرى الفقه الإسلامي، وجعله قادراً على الإجابة على التساؤلات الجديدة، ورد الشبهات والإشكاليات التي تثار بين الفينة والأخرى.
وأشار سماحة الشيخ عبدالله اليوسف إلى تطور مؤسسة المرجعية الدينية، وأنها مرت بمراحل مختلفة، وأخذت تتطور تبعاً لتطور الزمان والمكان، وتوسع الحاجات والأهداف، حتى أصبحت اليوم لها من التأثير والقوة ما لا يمكن لأحد تجاهله، بل تحولت إلى عامل قوة لدى الطائفة الشيعية؛ إلا أن ذلك لا يعني أنها لا تعاني من بعض النواقص والثغرات ونقاط الضعف. فبالرغم من أن المرجعية الدينية كجهاز وكيان ومؤسسة تمتلك الكثير من عناصر القوة والتأثير إلا أنها في الوقت نفسه بحاجة مستمرة للتطوير والتجديد والتحديث إذا ما أريد لها أن تحافظ على قوتها، وأن تنمي من قدرتها على مواكبة المتغيرات المتسارعة، والتطورات المتلاحقة في حياتنا المعاصرة.
وأكد سماحته على أن قدرة المرجعية الدينية على التحرك والنشاط والفاعلية قد يتسع وقد يضيق تبعاً لظروف كل مرحلة، وفترة زمنية. كما أن لشخصية المرجع نفسه، ولقناعاته الفقهية والثقافية والسياسية دوراً مؤثراً في تحديد مسيرة المرجعية ومسارها.
ولفت سماحته إلى أن الواقع السياسي والظروف المحيطة بالمرجعية قد يحول دون قيام (المرجعية الدينية) بمسؤولياتها وواجباتها على أكمل وجه كما هو واضح في بعض فترات التاريخ.. أما عندما تسمح الظروف السياسية للفقهاء الأعاظم بالتحرك والنشاط نجد أن هناك نشاطاً ملحوظاً وربما تحركاً غير عادي في مؤسسة (المرجعية الدينية) كما هو مسجل في بعض الانعطافات التاريخية المهمة.
وانتقد سماحته الدعوات إلى إلغاء المرجعية، والقول بأننا لسنا بحاجة إلى المراجع، معتبراً أن هذا الكلام غير علمي، إذ أن الرجوع إلى أهل التخصص في كل فن مسألة عقلية قبل أن تكون نقلية، وأن رجوع العامي -غير المجتهد- إلى المرجع الجامع لشرائط الفتوى هو نوع من رجوع غير العالم إلى أهل التخصص في علوم الشريعة كما قال تعالى: ﴿فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ﴾، مبيناً أن الفقهاء يفنون أعمارهم للوصول إلى مرتبة الاجتهاد، وإتقان العلوم العقلية والنقلية.
وأشار سماحته إلى اتساع البحوث الفقهية وتضاعف المادة الفقهية بمرور الزمن، بفضل الفقهاء المتميزين والمبدعين في كل عصر ممن أدركوا ضرورة معرفة (الحوادث الواقعة) والإجابة على تساؤلاتها. مبيناً أن الفقه كان محدوداً جداً، فعندما نرجع إلى الكتب الفقهية السابقة على الشيخ الطوسي (شيخ الطائفة) سنجدها صغيرة ومختصرة جداً، إلا أن الشيخ الطوسي بكتابه (المبسوط) قد وسع من محتويات المادة الفقهية حتى جاء الشيخ الجواهري فألف موسوعته القيمة (جواهر الكلام) والتي تقع في 43 مجلداً من الحجم الكبير ليعطي آفاقاًً أرحب في علم الفقه، ثم جاء من بعده فقهاء وعلماء وكتبوا موسوعات فقهية كبيرة، ساهمت بمجموعها في إثراء الفقه الإسلامي، وزيادة موضوعاته وأبحاثه بما يتناسب والحاجات الفعلية للمجتمع، والتطور العلمي الهائل في القرنين الأخيرين.