سماحة الشيخ عبدالله أحمد اليوسف 1436هـ - 2014م
|
أجرى موقع (شفقنا) حواراً مع المفكر الإسلامي سماحة الشيخ الدكتور عبدالله أحمد اليوسف حول الإساءة للرسول الأعظم والقيم الدينية في الغرب، ونشر الرسوم المسيئة لنبينا الكريم في العديد من الصحف والمجلات الغربية بصورة متكررة، والسبل الكفيلة بمواجهة الازدراء بالقيم والمقدسات الإسلامية.
وقد أكد سماحة الشيخ اليوسف على أن المجموعات الإرهابية باختلاف مسمياتها شوهت صورة الإسلام وأضرت بمصالح المسلمين؛ ولذلك يجب أن تتظافر كل الجهود لمعالجة فكر وثقافة التكفير، والتصدي علمياً وعملياً للمجموعات التكفيرية والإرهابية، وإشاعة روح التسامح والرفق والتعايش بين المسلمين، وبينهم وبين غيرهم من أصحاب الديانات الأخرى من أجل تعزيز العيش المشترك، وتنمية السلم الأهلي في المجتمعات الإنسانية.
وشدد سماحته على أهمية عرض الإسلام بصورة علمية وحضارية، حتى نؤثر إيجابياً على الرأي العام العالمي؛ وإلا فإن الأفكار الجميلة، والمعتقدات الإيمانية لا يمكن إقناع الآخرين بها ما لم تكن مصحوبة بالعرض المناسب؛ فالدعوة إلى الله تعالى ما لم تكن مصحوبة بالحكمة في العرض والأسلوب قد تتحول إلى معول هدم ضد الإسلام! وكم من أساليب خاطئة في الدعوة إلى الله تعالى قد نفرت المخاطبين بها عن الإسلام، وعن القيم الروحية والأخلاقية!
وقال سماحته إن من أهم الأمور التي يجب على الدعاة إلى الله تعالى أن يتعلموها ويدرسوها ـ وخصوصاً في بلاد الغرب ـ أساليب العرض، وفنون الإقناع للآخرين، كي يمكنهم التأثير الإيجابي على من يتلقى تلك العقائد والأفكار.
وإليكم نص الحوار بالكامل:
ما هي قراءتكم للحوادث الأخيرة ضد المسلمين؟ و ماذا يبين هذه الأحداث؟
ما وقع مؤخراً من حوادث ضد المسلمين والمراكز الإسلامية في البلاد الغربية أمر متوقع وإن لم يكن مبرراً، فمن قاموا بالعمل الإرهابي المدان في فرنسا ضد المجلة الفرنسية ((شارلي ايبدو )) ) لا يمثلون إلا أنفسهم، وليس من العدل في شيء الإساءة للآخرين لمجرد ادعائهم الانتساب إلى الإسلام، إذ يجب التفريق بين الأعمال الإرهابية التي لا دين لها وبين الإسلام الذي يحرم قتل الأبرياء من الرجال والنساء والأطفال، وسفك الدماء، ويعده من أشد المحرمات، إذ هو عدوان على النفس البشرية التي حَرَّمَ الله قتلها إلا بالحق .
لكن المؤسف حقاً أن ممارسة الإرهاب والعنف تنعكس آثارها السلبية على الجميع، ولا تقتصر على من يقوم بها فقط، وقد كان للممارسات الإرهابية التي وقعت في بلاد الغرب أو في بلاد المسلمين تأثيرات سلبية كبيرة على مصالح المسلمين، والإضرار بمكانة المسلمين في العالم، هذا فضلاً عن الخسائر في الأرواح والممتلكات.
وهذه الأضرار لا تقتصر على الخسائر المادية؛ بل تشمل الخسائر المعنوية أيضاً، وهذه الخسائر أكثر ضرراً على المستوى البعيد من الخسائر المادية، وهو ما يجب معالجته، والسعي نحو التخفيف من آثاره السلبية.
إن تنامي الأعمال الإرهابية في العالم واللجوء إلى العنف والقتل وسفك الدماء أحد آثار ومخاطر التكفير الخطيرة جداً، إذ تلجأ الجماعات التكفيرية إلى استخدام العنف ضد مخالفيها، وتستهين بإزهاق الأرواح، وقتل البشر، واستباحة الأموال، وانتهاك الأعراض تحت دعاوى أنهم كفار، ومشركون، ومرتدون عن الدين.
ولذلك يجب أن تتظافر كل الجهود لمعالجة فكر وثقافة التكفير، والتصدي علمياً وعملياً للمجموعات التكفيرية وإشاعة روح التسامح والرفق والتعايش بين المسلمين، وبينهم وبين غيرهم من أصحاب الديانات الأخرى من أجل تعزيز العيش المشترك، وتنمية السلم الأهلي.
في رأيکم ما هو أهم الاسباب الرئيسية لأحداث أخيرة کإساءة مجلة تشارلي ايبدو الساخرة في باريس إلي النبي لهجوم علي مکتب هذه المجلة و من ثم إساءته من جديد إلي النبي الأكرم و من أين جاءت هذه الأحداث؟
الأسباب عديدة ومتنوعة، ولكن يمكن الإشارة إلى بعضها والتي من أهمها: البحث عن الشهرة والكسب السريع، فبعد أن كانت المجلة الفرنسية ((شارلي ايبدو )) على وشك الإعلان عن إفلاسها، وإذا بها بعد العمل الإرهابي الذي استهدفها، وإعادة الرسوم المسيئة إلى الرسول الأكرم توزع بملايين النسخ، وتطبع بعدة لغات، ويقبل عليها الملايين، فأتت النتائج عكسية لما فعله الإرهابيون.
ومن جهة أخرى فإن استخفاف الغرب بالقيم الدينية والاستهانة بالمعتقدات الإسلامية يعبر عن الشعور بضعف العالم الإسلامي، وعدم قدرته على اتخاذ مواقف قوية وحازمة ومؤثرة، وما نشرته المجلة الفرنسية هو امتداد لما قامت به صحيفة" يولاندز بوستن " الدنماركية بتاريخ 30 سبتمبر (أيلول) 2005م، وما تلتها من صحف غربية أخرى من نشر اثني عشر رسماً كاريكاتيراً مسيئاً للنبي محمد .
أما تبرير ذلك بأنه يعبر عن حرية الرأي في فرنسا فمردود عليه؛ إذ أن الغرب يمارس معايير مزدوجة في الحرية، ففي الوقت الذي يسمح فيه بالاستهزاء من النبي الأكرم يمنع على أي غربي أو غيره التشكيك في صحة ( الهولوكست). كما أن الحرية لا تعني الاستهزاء بمعتقدات الآخرين، أو السخرية من المقدسات الدينية، ولا يمكن أن يكون ذلك من الحرية المسؤولة، وإلا تحولت إلى فوضى.
وما قامت به المجلة الفرنسية ومن قبلها الصحيفة الدنماركية وما تبعتها من الصحف الغربية الأخرى يشير إلى الاستخفاف بعقائد الآخرين، وانتهاك مقدسات المسلمين، وهو الأمر الذي يدل على الاستغراق في العنصرية والكراهية للشعوب المسلمة، كما أنه ناتج من الانفصام الغربي بين الدين والدنيا الحادث من الصراع الذي حدث بين الكنيسة والعلم؛ وهو ما يجعل اللادينيين والملاحدة يتجرؤون على قدسية الأنبياء كمجمد وعيسى ولصق الأباطيل والاتهامات بشخصيتهما وكأنه أمر عادي.
أما الحرية التي يدعو إليها الإسلام فهي التي تقوم على التعبير المسؤول، والتي لا تتجاوز حقوق الآخرين، فحرية الأنا تنتهي عندما تبدأ حرية الآخر ، كما أن الحرية لا تكون إلا في ما يقع في دائرة المباح والمشروع.
وليس من الحرية في شيء الإساءة إلى رسول الله بالقول أو الفعل أو بأي وسيلة توحي بالإساءة والإهانة لمقامه الشامخ إذ أن الإساءة إليه تعد إساءة لكل الأنبياء والرسل والأديان والمعتقدات الدينية، وهي لا تدخل في دائرة التعبير عن الرأي وإنما الازدراء بالمقدسات الدينية.
ماهو الهدف الرئيسي وراء الإساءة إلي النبي و الاسلام و من يقف وراء هذه الاهانات؟
الهدف الأساس هو التقليل من شخصية الرسول ومقامه وفضله من خلال أسلوب الاستهزاء أو السخرية أو الاستهانة بشخصية الرسول الأكرم ، إلا أن كل تلك المحاولات باءت بالفشل الذريع في تحقيق أهدافها وغاياتها الخبيثة.
وقد تكفل الله تعالى بحماية مكانة ومقام النبي الأعظم من شرور المستهزئين، وإن مجيئ الفعل بصيغة الماضي في الآية الشريفة ﴿إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ ﴾ مع أن المقصود بذلك المستقبل يشير إلى حتمية الحماية الإلهية، أيّ: سندفع عنك شرور المستهزئين، حتماً مقضياً.
وقد ذكر المفسرون رواية تتحدث عن ست جماعات كلاً منهم يمارس نوعاً من الاستهزاء تجاه الرسول الأعظم فكلما صدع الرسول بالدعوة قاموا بالاستهزاء والسخرية تفريقاً للناس من حوله إلا أن الله تعالى قد ابتلى كلاً منهم بنوع من البلاء، حتى شغلهم عن الرسول الأعظم .
أما من يقف وراء هذه الإهانات والإساءات فهم الصهاينة والملحدون والماديون بصورة مباشرة، ويساهم أصحاب الفكر التكفيري والإرهابي في تحفيز أولئك على الإساءة للإسلام والرسول الأكرم بفعل أعمالهم الإجرامية.
تؤثر الإساءات المتکررة علي ساحة المسلمين ايجابيا أم سلبيا؟ فکيف؟
يعتمد على كيفية ردود الأفعال من قبل المسلمين، فيمكن أن تؤثر سلباً، ويمكن أن تؤثر إيجابياً؛ فردود الأفعال الانفعالية تجاه هذا الحدث وغيره لا يعدو كونه مؤقتاً بسخونة الحدث ثم يعود ما كان كما كان، مثل ما حدث مع مقاطعة البضائع الأمريكية احتجاجاً على الدعم اللامحدود لإسرائيل، ثم ضعفت تلك المقاطعة مع مرور الوقت، ونفس الكلام ينطبق على المقاطعة للبضائع الدنماركية أو غيرها، لكن هذا لا يعني أن المقاطعة ليست أمراً جيداً، بل هي أسلوب حضاري، فالأمريكان قاطعوا البضائع الفرنسية احتجاجاً على عدم دعم فرنسا لأمريكا في حربها على العراق؛ لكن المشكلة أنها مؤقتة وغير فعالة على المدى البعيد ما لم ترافقها خطة لتطوير الصناعة في المجتمعات المسلمة، وتوفير البدائل. ولذلك فالمفروض أن نضع الخطط، ونخطط للمستقبل، ونبحث عن أسرار التقدم العلمي والحضاري، ونبدأ في العمل الجاد من أجل اللحاق بقطار التقدم الهائل في هذا العصر، وبذلك نصنع البدائل، ونتحول من ردود الأفعال إلى صناعتها، ومن الانفعال المؤقت إلى الفعل الدائم، ومن الاستهلاك إلى الإنتاج، ومن الاستنكار إلى الإبداع.
وإذا ما عرضنا الإسلام بصورة علمية وحضارية، وأوضحنا ما يحمله من مميزات يفتقدها غيره من الأديان والإيديولوجيات، مع العرض الجيد والمناسب للإسلام وقيمه وأحكامه نستطيع أن نؤثر إيجابياً على الرأي العام العالمي؛ وإلا فإن الأفكار الجميلة، والمعتقدات الإيمانية لا يمكن إقناع الآخرين بها ما لم تكن مصحوبة بالعرض المناسب، فالقرآن الكريم يدعونا إلى التحلي بالحكمة في عرض الإسلام، يقول تعالى: ﴿ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾.
فالدعوة إلى الله تعالى ما لم تكن مصحوبة بالحكمة في العرض والأسلوب قد تتحول إلى معول هدم ضد الإسلام! وكم من أساليب خاطئة في الدعوة إلى الله تعالى قد نفرت المخاطبين بها عن الإسلام، وعن القيم الروحية والأخلاقية!
إن من أهم الأمور التي يجب على الدعاة إلى الله تعالى أن يتعلموها ـ وخصوصاً في بلاد الغرب ـ أن يدرسوا أساليب العرض، وفنون الإقناع للآخرين، كي يمكنهم التأثير الإيجابي على من يتلقى تلك العقائد والأفكار.
البعض يقولون أن کهذه الإستفزاءات تؤدي إلي المزيد من الوحدة في ساحة المسلمين و البلاد الاسلامية علي مستوي العالم؟ فهل هذا کلام صحيح؟ فکيف؟
لا أظن أن ذلك صحيحاً ودقيقاً، وإن كان يبدو ذلك للوهلة الأولى لكنه مؤقت بسخونة الحدث، ثم يعود الكل إلى دائرته الخاصة به، وللأسف هناك الكثير ممن يعمل ضد الوحدة بين المسلمين، ويستخدم التفرقة كأسلوب وأداة لتحقيق بعض الغابات والأهداف فلا يبدو أن هذا الأمر متاح خصوصاً في هذا الوقت، والذي كان يجب فيه على المسلمين أن يتحدوا تحت هذا العامل المهم والمشترك وهو الدفاع عن رسول الله الذي يؤمر به كل مسلم.
هل تربط الاساءات المتکررة الي النبي و الاسلام بالجماعت المشددة ؟ فکيف؟ و إلا فمن يقف وراء هذه الإجراءات الاستفزائية وما هو الهدف؟
نعم، فهذا أحد أهم الأسباب التي جعلت الغربيين يسيئون إلى النبي والإسلام، فالجماعات التفكيرية والإرهابية التي تمارس العنف والقتل ضد كل من يختلف معها قد ساهمت بصورة كبيرة في تشوية صورة الإسلام، وصورة الرسول الأكرم .
إن ما قامت به الجماعات التكفيرية والإرهابية في البلاد الغربية وغيرها قد شكل بصورة قوية في تشويه صورة الإسلام السمحة في نظر الرأي العام العالمي، وقد أدى هذا الأمر إلى تشويه حقيقة الإسلام في نظر المجتمعات الأخرى، وأعطى هؤلاء صورة خاطئة عن الدين الإسلامي، والمفاهيم الإسلامية، والشريعة السمحاء.
إن القيام بأي عمل إرهابي ضد الأبرياء من الناس يعطي انطباعاً عميقاً وخاطئاً بأن الإسلام يدعو للعنف والكراهية، في حين أن الإسلام دين السلام والمحبة والتسامح. ولكن الملايين من الكتب التي تتحدث عن التسامح واحترام الآخر في الإسلام لا يمكن أن يساوي تأثيرها في الرأي العام أي عمل إرهابي في خَلق صورة نمطية خاطئة عن الإسلام وقيمه ومبادئه ومثله السامية والنبيلة.
والإسلام الذي جاء رحمة للناس كما قال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ شوهت صورته وحقيقته ومفاهيمه بفعل الأعمال الإرهابية الوحشية التي تقوم بها الجماعات التكفيرية، وهو ما يتطلب جهوداً كبيرة من الواعين في الأمة وعلى مختلف الأصعدة الفكرية والإعلامية والتربوية والأخلاقية لبيان الإسلام على صورته الناصعة والسمحة.
کيف يمکن تحسين اوضاع المسلمين و الوضع الذي هو ألاكثر ضد المسلمين حاليا؟ و العبئ الاکبر حاليا يقع علي أي جماعة و أي من الشخصيات؟
إن المطلوب هو الاستعداد والعمل من أجل تأهيل العالم الإسلامي كي يمتلك القدرة على التنافس الحضاري مع الغرب. ويتطلب ذلك العمل على امتلاك أسرار التقدم الحضاري من صناعة وتقنية وتكنولوجيا واقتصاد ومعرفة ... وغير ذلك من علوم العصر.
إن ما يجعل الغرب يتجرأ على دعم أعدائنا، وتشويه مقدساتنا، والتجاسر على شخصية نبينا هو التخلف الحضاري الذي يعاني منه مسلمو اليوم في مختلف المجالات والأصعدة.
وبالرغم من الإمكانات الهائلة التي يمتلكها العالم الإسلامي في كل شيء، إلا أن ضعفه عائد إلى غياب التخطيط، وسوء التوزيع للثروات والإمكانات، وعدم الاهتمام بالتصنيع في المجالات المتقدمة، مما سَهَّل على الغرب أن يفرض توجهاته السياسية والاقتصادية على بلاد المسلمين.
وكي نفرض احترامنا على الآخرين لابد من أن نبني أنفسنا علمياً، وننهض من سباتنا، ونعمل على تطوير صناعاتنا، ونبدع ونبتكر في مختلف الميادين والأصعدة، وهذا هو الرد الحقيقي والاستراتيجي على ما قام به الغرب طوال القرنين الماضيين ضد العالم الإسلامي.
کيف تقدر واقع الشيعة بالنسبة إلي هذه الأحداث؟ و ما هو تأثيرها علي ساحة الشيعة؟و أين تبرز التأثيرات؟
الشيعة بصورة إجمالية لا يؤمنون بالعنف ضد الآخر المخالف، ولا يوجد في صفوفهم جماعات تكفيرية تؤمن بالعنف والقتل، لكن ما يحدث في أي مجتمع ينعكس على الجميع، وتأثيراته لا تقتصر على جماعة معينة، أو جهة معينة، وإنما يشمل كل المسلمين في الغالب.
وأتصور أن المسلمين الشيعة بحاجة ماسة لإبراز ثقافتهم المستمدة من ثقافة الإسلام وفكر ومنهج أئمة أهل البيت الأطهار والتي ترتكز على فكرة التسامح والمحبة والتعايش مع المخالف في المذهب أو الدين أو الفكر.
فالإسلام يشجع الإنسان على البحث عن الحقيقة والصواب، وهذا يتطلب الانفتاح على الأفكار الأخرى، إذ أن قوة المنطق في الفكر الإسلامي الأصيل تجعله في موقف لا يخشى فيه من الاطلاع على الأفكار والثقافات المتنوعة.
ومن جهة أخرى يحث الإسلام على التسامح مع الآخر الديني فضلاً عن الآخر في نفس الدائرة الإسلامية، إذ أن الإسلام دين الرحمة والمحبة، ويربي أتباعه على ذلك بالتسامح تجاه الآخرين، بل والإحسان إليهم، يقول تعالى : ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾.
إن الانفتاح على الفكر الآخر، والتسامح تجاه الأفكار والأديان الأخرى هو الذي يقضي على حالات التشنج والانفعال، ويقلل من وجود أرضية لنمو فكر الإرهاب والكراهية والحقد في المجتمعات الإنسانية.
أما عندما يفرض رأياً واحداً على الجميع، ويسمح لفكر واحد بالتعبير عن نفسه، وتمنع الأفكار الأخرى من التداول؛ فهذا يؤدي لنمو التطرف والكراهية تجاه الآخر حتى في ضمن الدائرة الواحدة فضلاً عن الآخر في الدوائر المغايرة.
والإسلام عندما يشجع على الانفتاح والحوار، ويدعو لاحترام الآخر، وضمان حقوق الناس ـ كل الناس ـ، ويحرم القتل والعدوان؛ فإنما يهدف من وراء ذلك لتشجيع التعارف بين الناس، وتنمية الأمن الاجتماعي، والحفاظ على التماسك الاجتماعي، وزرع المحبة والمودة بين كافة البشر، وبذلك ينمو فكر الاعتدال، وتزدهر قيم التسامح والحوار والتعاون، ويتقلص فكر الانغلاق الذي يؤدي للتكفير والتطرف والإرهاب.
کيف تسهم الشيعة في تقديم المفاهيم الصحيحة من الاسلام و النبي و في مواجهة المسلمين ضد التشدد و الإرهاب؟
يمكن تحقيق ذلك من خلال العمل الجاد على التعريف بالإسلام المحمدي الأصيل، وتعريف الأمم والشعوب غير المسلمة بالإسلام، وهي مسؤولية كل قادر على القيام بدور ما في التعريف بالإسلام، ونشر الثقافة الإسلامية، والقيم الدينية والأخلاقية بين الشعوب والأمم المختلفة.
ولعلَّ من أهم أسباب الأزمة ين الغرب والمسلمين هو جهل الغربيين بالإسلام، فلم يعد المسلمون يعملون من أجل التبشير بدينهم مما أدى إلى فهم الإسلام لدى الشعوب غير المسلمة بصورة خاطئة.
ومع توافر الوسائل الحديثة في نشر الأفكار والمعتقدات بين الأمم والمجتمعات أصبح الأمر من السهولة بمكان كبير، فلو استفاد المسلمون من القنوات الفضائية، وشبكة الإنترنت العالمية وغيرها، بطريقة علمية وعملية لكانوا قد ساهموا بصورة كبيرة في نشر الإسلام بصورة عميقة في المجتمعات الأخرى.
لكن مما يؤسف له أن الخطاب الإسلامي يخاطب المسلمين أنفسهم، ولا يوجد خطاب إسلامي مؤثر وموجه للمجتمعات غير المسلمة إلا بصورة نادرة وبأسلوب غير ملائم مع ما هو مطلوب في مكونات الخطاب المعاصر.
وما قامت به الصحف الغربية من نشر رسوم كاريكاتورية مسيئة للرسول الكريم يجب أن يدفعنا جميعاً للتعريف بالإٍسلام، وبشخصية الرسول الأكرم ، للشعوب الأوروبية وغيرها. كما أن على الواعيين أن يعملوا بكل جد واجتهاد من أجل استنهاض الأمة من غفوتها، ودفعها نحو العمل المنظم من أجل دينها، والدفاع عن نبيها، نبي الرحمة والإنسانية محمد بن عبدالله .
كما أن من أفضل الوسائل العملية والتطبيقية للدفاع عن الرسول الأعظم هو التخلق بأخلاقه الراقية ونشر سيرته المباركة وإبراز الجوانب الإنسانية والأخلاقية للأمم والشعوب الأخرى وإيصال رسالته للعالم بكل الطرق والوسائل الإعلامية والتقنية الحديثة.