سماحة الشيخ عبدالله اليوسف أثناء إلقاء خطبته في يوم عيد الفطر المبارك 1436هـ (أرشيف)
|
استنكر سماحة الشيخ الدكتور عبدالله أحمد اليوسف في خطبة يوم الجمعة 25 ربيع الآخر 1437هـ الموافق 5 فبراير 2016م التفجير الإرهابي الذي استهدف المصلين في مسجد الإمام الرضا بمحاسن الأحساء والذي راح ضحيته أربعة من الشهداء وعدد من الجرحى؛ واصفاُ إياه بالإرهاب الأسود والإجرام البشع والعمل الشنيع الذي لا يقره دين ولا عقل ولا ضمير.
وأضاف سماحته قائلاً: إن قتل الأنفس البريئة واستهداف المصلين في المساجد وأماكن العبادة والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة من أعظم المحرمات وأكبر الموبقات وأشد المنكرات في الإسلام.
وأوضح سماحته أن من القواعد المهمة في الإسلام هي عصمة الدماء والأموال والأعراض بغض النظر عن انتماء الإنسان المذهبي والديني والعرقي واللغوي؛ لأن الحفاظ عليها من أهم المقاصد الكبرى في الإسلام، ولأن إراقة الدماء، وسلب الأموال، وهتك الأعراض قبيح في نفسه، ومضر للغير، ومن أهم مصاديق الظلم والعدوان الذي نهى عنه الشرع كما العقل.
وبيّن سماحته أن القرآن الكريم اعتبر أن قتل نفس واحدة تعادل قتل الناس جميعاً، وأن إحياءها تعادل إحياءهم كلهم، يقول تعالى: ﴿مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً﴾.
واستطرد سماحته بالقول: لم تقيد الآية الشريفة جريمة قتل النفس بأي قيد إضافي كالإسلام والإيمان، فالإنسان محترم ما لم يكن مهدور الدم، فالآية الشريفة تدل بوضوح على أهمية احترام النفس الإنسانية، وعدم جواز الاعتداء على الإنسان - أي إنسان - بغض النظر عن دينه أو مذهبه أو عرقه أو لغته، فالآية أشارت بوضوح إلى قتل النفس ﴿ مَن قَتَلَ نَفْساً ﴾ ولم تقل من قتل نفساً مسلمة، وفي هذا دلالة على العموم والإطلاق إلى وجوب احترام النفس الإنسانية، وأن قتل أي إنسان -بغير حق- هو بمثابة قتل الناس جميعاً.
وذكّر سماحته بقول الرسول الأكرم : ((كلُّ المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه)) فلا يجوز لأحد أن يتعدى بقول أو فعل على المسلم الآخر؛ لأنه يخالفه في المذهب أو الرأي أو المنهج الفكري.
وأشار سماحة الشيخ اليوسف إلى أن أي عمل انتحاري يستهدف الأبرياء يعد من الإرهاب، وأنه بذلك يرتكب ثلاثة محرمات من أعظم المحرمات في الإسلام: فالمحرم الأول هو قتله لنفسه، وقد جرمه الله تعالى بنص القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ﴾. والمحرم الثاني قتله للمصلين من أهل القبلة، وقد حرمه الله تعالى في قوله عز وجل: ﴿وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ﴾ فقتل الأبرياء من غير حق من أشد المحرمات في الإسلام. والمحرم الثالث انتهاك حرمة المساجد، يقول تعالى: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَـئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَآئِفِينَ لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ وقوله تعالى: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً ﴾.
وأشار سماحته إلى أن فاعل ذلك يستحق العذاب العظيم في الآخرة، والخلود في جهنم، والقصاص منه في الدنيا، يقول تعالى: ﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً ﴾.
وأكد سماحته على ضرورة معالجة هذه الظاهرة الإرهابية الخطيرة من خلال نشر العلم والمعرفة الدينية الصحيحة، ومواجهة الغلو والتشدد والتكفير والتعصب المذموم، وبيان حرمة الإرهاب، وحرمة انتهاك المساجد وقدسيتها، وتبيين مشروعية الاختلاف في الآراء والقضايا الاجتهادية، وتفنيد الشبهات والإشكاليات التي يتمسك بها التكفيريون والإرهابيون.
وختم سماحته خطبة الجمعة بالدعوة إلى نشر ثقافة التسامح والمحبة والتعايش بين الناس على اختلاف مذاهبهم وطوائفهم ومدارسهم الفكرية والفقهية، و تجريم نشر ثقافة الكراهية والتكفير والتشدد والتطرف والعنصرية وازدراء واحتقار المذاهب والأديان والتي تؤدي في نهاية المطاف إلى صناعة العنف والإرهاب الأسود، ووجوب حماية وحفظ الأنفس والأموال والأعراض من أي تعدٍ أو عدوان أو تجاوز.